موقع الشيخ عبد الحق التركماني - تعاون المراكز الإسلامية مع الجهات الصحية في تنظيم التلقيح ضد كورونا فايروس

/ 9 مايو 2024

للتواصل 00447432020200

تعاون المراكز الإسلامية مع الجهات الصحية في تنظيم التلقيح ضد كورونا فايروس

/ 20 مارس 2021

السؤال :

يقوم بعض المراكز الإسلامية في بريطانيا بالسماح لهيئة الصحة الوطنية باستخدام بعض صالات أو ساحات المركز لتنظيم تلقيح المواطنين ضد كورونا فيروس، ويحصل بسبب ذلك بعض المناقشات والخلافات بين إدارة المركز وجمهور المصلين في الموقف الصحيح من هذا الأمر، خاصة مع الشكوك الموجودة حول سلامة هذا التلقيح أو جدواه أو نتائجه وآثاره، فما هي النصيحة الشرعية في هذه المسألة؟

الجواب :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.

أما بعد: ففي خصوص هذه المسألة يجب التفريق بين الحقائق الثابتة وبين الشكوك والأوهام، وكذلك بين العلم المبني على اليقين أو الظن الغالب بالخبر أو الحس والتجربة وبين الآراء الشخصية المجردة.

أولًا: لقد علمنا بالخبر والحس والمشاهدة والتجربة بوجود هذا الفيروس، وحصول المرض الخطير بسببه، فإننا نعرف بشكل شخصي ومباشر المئات من أقربائنا وأصدقائنا ومعارفنا والمشهورين عند الناس أصيبوا بهذه الجرثومة، فمرضوا مرضًا شديدًا، ومات منهم أعداد كبيرة. وكل من شاهد أو سمع بما عاناه أولئك المرضى وما ظهر عليهم من آثار، سواء ماتوا منها أو تعافوا؛ فإنه يعلم علمًا يقينيًّا أن هذا الوباء لا يشبه الأنفلونزا الموسمية، لا في قوته، ولا في أعراضه، ولا في أضراره ومخاطره.

فهذا القَدْر من الحقائق الثابتة، ومن العلم المقطوع به، ومن يرده ويناقش فيه بشكوكه وأوهامه فهو مصاب باضطرابات نفسية وعقلية، ويحتاج إلى رعاية وعلاج.

ثانيًا: إن أخذ لقاح للوقاية من هذا المرض أمرٌ حسنٌ شرعًا وعقلًا وتجربةً. وقد بادرت شركات عالمية إلى صنع أكثر من لقاح، وهي في دول مختلفة في أنظمتها الفكرية والسياسية والاجتماعية، من الصين إلى روسيا، إلى بريطانيا، إلى دول الاتحاد الأوروبي، إلى الولايات المتحدة، وقد عمل في مختبرات هذه الشركات الآلاف من الباحثين المتخصصين، وفيهم أعدادٌ كبيرة من المسلمين من مختلف الجنسيات والقوميات والبلدان. ثم إن وزارات الصحة في أكثر دول العالم قد اعتمدت هذه اللقاحات، وما فعلت ذلك إلا بعد إجازة المتخصصين والمستشارين المعتمدين لديها، وهم مئات من أصحاب التخصصات الدقيقة في هذه الأمور. وهم مؤتمنون على تخصصهم ومهنتهم. فكل هذه الأمور مجتمعة تفيد ـ على الأقل ـ الظنَّ الغالب القويَّ إلى أهمية أخذ اللقاح، وتأكد جدواه وفائدته، وسلامته من الأضرار والأخطار، ويحكم العقل الصحيح بامتناع أن يتواطأ هذا العدد الكبير من الناس على الكذب والغش والخداع. ولا يقدح في هذا العلم أو الظن القويِّ الغالب مخالفة بعض العلماء المتخصصين في الطب والأوبئة لاتفاق أولئك، فإنهم آحادٌ، لا يتجاوز نسبتهم في زملائهم الواحد في المئة.

هذا جارٍ على أصول الشريعة التي يعرفها أهل العلم والفقه فيها، كما قال ابن القيم (ت: 751) رحمه الله في «الطرق الحكمية» 1/63: «إن الشريعة لا تردُّ حقًّا، ولا تكذب دليلًا، ولا تبطل أمارةً صحيحةً، وقد أمر الله سبحانه بالتثبت والتبيُّن في خبر الفاسق، ولم يأمر برده جملةً. فإن الكافر والفاسق قد يقوم على خبره شواهد الصدق، فيجب قبوله والعمل به، وقد استأجر النبيُّ صلى الله عليه وسلم في سفر الهجرة دليلًا مشركًا على دين قومه، فأَمِنَه، ودفع إليه راحلته. فلا يجوز لحاكمٍ ولا لوالٍ ردُّ الحق بعد ما تبيَّن، وظهرت أمارته لقولٍ أحدٍ من الناس».

ولعل بعض الناس لا يطمئن قلبه إلى مثل هذا، فله أن يتجنب أخذ اللقاح، ومن حقه أن يبدي وجهة نظره، دون أن يعتدي على الآخرين بالتشكيك والاتهام، أو الترويج لنظرية المؤامرة، خاصة إن كان جاهلًا بعلوم الطب والصيدلة والأمراض والأوبئة، فكلامه من الخوض فيما ليس له به علم، فهو داخلٌ في عموم النهي في قول الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

لهذا رأينا أهل العلم والفقه في الدين قد أسلموا أمرهم في هذه النازلة لأهل الاختصاص، فلم يعترضوا على الإجراءات الصحية ولا حرَّموا أخذ اللقاح، ولا نشروا الأقاويل الباطلة والاتهامات المرجفة التي تؤدي إلى زيادة قلق الناس واضطرابهم.

فإذا عُلم هذا فإن ما يقوم به بعض المراكز الإسلامية من التعاون مع الهيئة الصحية في تنظيم اللقاح للمواطنين؛ ليس فيه محذور شرعيٌّ، وهو أمر مقبول عقلًا وواقعًا، وفيه مصلحة للمسلمين ولغيرهم، وكل هذا ثابت بالعلم اليقيني، أو بالظن القوي الغالب، أما من كان له رأي آخر فله أن يتجنب هذا العمل، وليس له أن يتهم إخوانه بغير حقٍّ، ولا أن يثير بين المسلمين في مساجدهم ومراكزهم فتنة وشقاقًا، وبالله تعالى التوفيق.   

 كتبه:

عبد الحق التركماني

ليستر يوم السبت 7 شعبان 1442هـ / 20 آذار 2021م