موقع الشيخ عبد الحق التركماني - التنمية البشرية وتطوير الذات وعدم الثقة بالنفس

/ 22 تشرين الأول 2024

للتواصل 00447432020200

التنمية البشرية وتطوير الذات وعدم الثقة بالنفس

12 حزيران 2024

السؤال :

هل يمكن أن تقدِّم بعض النصائح والتوجيهات، فقد أنعم الله عليَّ بطلب العلم، ولكن لديَّ مشاكل مع احترام الذَّات وتدنِّي الثقة بالنفس، لذا فأنا لا أدفع نفسي إلى أقصى ما أستطيع.

فهل يمكنك تقديم بعض النصائح للتغلب على هذه العقلية؟ وجزاك الله خيرا.

الجواب :

الحمد لله رب العالمين.

نحن لا نقدِّم النصائح والمواعظ في الأجوبة على منصة الفتاوى.

لكن أنا في الحقيقة استوقفني في هذا السؤال قولك: لديَّ مشاكل مع احترام الذات وتدنِّي الثقة بالنفس أو بما معنى هذا الكلام فسؤالك باللغة الإنجليزية، لهذا رأيت من المهم أن أجيب بالتنبيه على مسألة مهمة.

فأقول: إنَّ هذه الافكار دخلت على المسلمين من الأفكار المادية والإلحادية التي انتشرت بين الناس، فدائمًا يتكلمون عن الثقة بالنفس وتطوير الذات والتنمية البشرية واستخراج ما في نفسك من الطاقة، حتى تستطيع أن تبذل أقصى ما عندك وتكون متميِّزًا ومتطورًا وما إلى ذلك من هذه الأفكار المادية والإلحادية المنتشرة الآن بين الناس عمومًا ودخلت على المسلمين للأسف الشديد.

فأقول: الحقيقة إنَّ هذه الأفكار ليست أفكارًا إسلامية، فينبغي على المسلم أن ينتبه لهذا الأمر لأنَّ هذه الأفكار التي انتشرت لم تؤدي إلى زيادة الثقة بالنفس وتطوير الذات، بل أرهقت الناس وأتعبتهم وأصابتهم بالشعور الدائم بالنقص، وعدم القدرة على الإنجاز والتطور الذي يعتقدون أنهم يجب عليهم أن يبلغوه، فنصيحتي للمسلم أن يكون منطلقه وفهمه في هذا نابعًا من عقيدته في الله عز وجل والإيمان به سبحانه وتعالى وكذلك من جهة أخرى يتمسك بالأسباب الشرعية.

أما الأمر الأول فالثقة ليس بالنفس والطاقة ليست الطاقة التي تخرج من داخلك ومن ذاتك وليس هذا هو طريق التطور، إنَّما الثقة بالله عز وجل، اجعل ثقتك بالله عز وجل وحقق معنى قول الله عز وجل: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾ [الفاتحة]. حقِّق هذا بتحقيق الاستعانة والتوكل على الله، ومعنى الاستعانة والتوكل: الثقة بالله والاعتماد عليه سبحانه وتعالى وتفويض الأمر إليه وإنزال حاجتك به سبحانه وتعالى وهذه صفة المؤمنين الذين يقولون: ﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا ‌وَإِلَيْكَ ‌أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤)﴾ [الممتحنة]، والله سبحانه وتعالى أمرنا بهذا فقال: ﴿فَاعْبُدْهُ ‌وَتَوَكَّلْ ‌عَلَيْهِ﴾ [هود: 123]، ويجب أن تكون على ثقة تامة بأنَّك إذا توكلت على الله واستعنت بالله ولجأت إلى الله فالله سبحانه وتعالى حسبك هو الذي يكفيك ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ‌فَهُوَ ‌حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3] أي: كافيه، إذن هذا هو الأمر الأول.

الأمر الثاني أن نأخذ بالأسباب الشرعية فالناس يتفاوتون في قدراتهم العقلية، في طاقتهم النفسية، في الفرص التي يهيئها الله سبحانه وتعالى لهم في الحياة، ليس كل الناس سواسية في صحتهم الجسدية، وفي قوتهم النفسية، وفي وجود أسباب طلب العلم وطلب الرزق من المال والوقت والجهد، فهذه الأشياء الله سبحانه وتعالى ييسرها للإنسان كيفما يشاء كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «كلٌّ مُيسَّرٌ لمَا خُلق له» أخرجه البخاري (7551)، ومسلم (2649).

فهنا عليك أن لا تشقَّ على نفسك إنَّما الواجب عليك أن تأخذ بالأسباب الشرعية من غير حرج ولا قلق واضطراب ومن غير ضيق في النفس وجلدٍ للذات، فالله سبحانه وتعالى الذي كلَّفنا وأمرنا بعبادته وجعل هذا غاية الخلق مع ذلك قال: ﴿‌لَا ‌يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وهذا من رحمته سبحانه وتعالى ولطفه وإحسانه، وقال الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ‌لَا ‌نُكَلِّفُ ‌نَفْسًا ‌إِلَّا ‌وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٤٢)﴾، يعني في هذه الآية الله سبحانه قال من هم أصحاب الجنة؟ الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فأنت عندما تقرأ هذه الآية تظن أنَّ المطلوب ما يقوله هؤلاء الناس الذين يقولون الآن: تطوير الذات وأن تخرج الطاقة التي في داخلك وأن ترهق نفسك وتأتي بالأعمال الصالحة على أوسع مجال وعلى أكمل صفة وتبقى دائما في قلق واضطراب لأنَّك لا تستطيع أن تفعل كل شيء تطمح إليه وترجو أن تبلغه.

هنا الله سبحانه وتعالى قال وهذه جملة اعتراضية في الآية: لا نكلِّف نفسًا إلا وسعها، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات يتفاوتون في قدراتهم وإمكانياتهم وطاقتهم، كل ذلك من خلق الله ومن تدبير الله ومن تيسير الله لهم فإنهم يتفاوتون، فجميعهم على تفاوت درجاتهم وقدراتهم وإمكانياتهم كلهم أصحاب الجنة هم فيها خالدون لماذا؟ لأنَّ الله لا يحاسبهم إلا في إطار ما في وسعهم، أي: أن يأخذوا بالأسباب الشرعية التي يستطيعون الأخذ بها من غير أن يُرهقوا أنفسهم ولا أن يوقعوها في مشقَّة وحرج.

فهذا هو المفهوم الإسلامي الصحيح الذي ينبغي أن ننتبه إليه وأن نحذر من الأفكار الدخيلة التي تُرهق وتُتعب الناس وتجعل الناس تنظر إلى الحياة وكأنها صراع، يصبح الإنسان دائمًا في صراع مع نفسه ومع غيره ومع محيطه ودائمًا يجلد ذاته، لا، المسلم لا يحتاج أن يدخل في هذا الصراع، المسلم يتوكل على الله هذا رقم واحد.

ثانيًا: يؤدِّي ما عليه من حقوق الله وحقوق العباد ثمَّ ينام مطمئنًا مرتاحا لا يحتاج أن يجلد ذاته ولا يحتاج أن يعذب ذاته؛ لأنَّه يعلم أن الأمر بيد الله أولًا وآخرًا وأنَّ كل إنسان مُيسَّر لمَا خُلق له، وأنَّه لا يطلب النتائج في هذه الدنيا وإنَّما يطلب الأجر والثواب في الآخرة.

فهذه كلمة موجزة في التنبيه على هذا الأمر لأهميته أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين.

أملاه: عبد الحق التركماني

ذو الحجة 1445