الشيخ علي الحلبي وأصحاب التراكيب الخبيثة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد بلغني خبر وفاة الشيخ المحدث علي بن حسن بن علي الحلبي، صباح هذا الأحد 30 ربيع أول 1442، الموافق 15 تشرين الثاني 2020، فأول ما قلته: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ثم دعوت الله تعالى له بالرحمة والمغفرة وحسن الثواب وحسن المآب، ورأيت في وسائل التواصل الاجتماعي مئات من أهل العلم والفضل والخير يدعون له، فأسأل الله تعالى أن يتقبل مني ومنهم، ويرحمني وإياهم إذا صرنا إلى ما صار إليه.
ثم إن بعض الإخوة الأفاضل أطلعني على ما كتبه ونشره عدد من المنتسبين إلى السنة والسلفية من الكلمات المسيئة إلى الشيخ الفقيد، فمن حامدٍ لله تعالى على هلاكه، ومن مستبشر بإراحة الدعوة السلفية منه، ومن واصفٍ له بأقبح العبارات؛ فعجبتُ من هذه القسوة التي أصابت قلوبهم، حتى أنها لم تلِنْ أمام جلال الموت وهيبته، خاصة في هذه الأيام التي أحاطنا فيها هذا الوباء، فلا يمرُّ علينا يومٌ إلا ونسمع بموت قريب أو صديق أو رجل مشهور: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}.
لا أكتب هذه الكلمات في الدفاع عن الشيخ الراحل، فإنه الآن بين يدي ربه، وهو أعلم به وأرحم، نسأل الله أن يعامله بلطفه، وقد كانت بيننا صلة طيبة قائمة على الأُخوَّة والتناصح، رغم علمي بخطئه في مسائل أصلية وفرعية، وعلمه هو بمخالفتي له في بعض مسائل الإيمان والتكفير وغيرها، وجرت بيننا مناقشات أكثر من مرة.
لقد كان الشيخ مثلي ومثلك ـ أيها القارئ ـ ومثل سائر بني آدم: يصيب ويخطئ، ويحسن ويسيء، سواء في التصور أو في التصرف، لكن الذي ندريه من حاله ـ ولا نزكيه على الله تعالى ـ أنه كان مؤمنًا بالله تعالى، معظمًا لدينه، حريصًا على اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، محبًّا لعلماء التوحيد ودعاة السنة، مدافعًا عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، مجانبًا لمناهج أهل البدع والضلال والغلو والتطرف ومسالكهم وجماعاتهم وأحزابهم، ساعيًا في نقدها والتحذير منها بعلمه واجتهاده، وخدم كثيرًا من كتب الحديث وأئمة السنة بالتحقيق والنشر، وندري أيضًا أن الحقَّ سبحانه وعد وعد حقٍّ لا يكذب، فقال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}.
إن من يرى أن في الترحم على الشيخ علنًا، ونشر الثناء عليه وإظهار التأسف لفقده؛ دعاية وترويجًا للمسائل التي أخطأ فيها؛ فيسعه أن يُعرض عن المجاهرة والنشر، ويترحم عليه فيما بينه وبين الله تعالى، إلا إذا كان يراه كافرًا مرتدًا لا يجوز الترحم عليه، وهو ما يفهم من كلام بعض السفهاء.
أما بعد: فقد خرجتُ بمقالي هذا عن المراد، وأبعدت عن المقصود؛ وإنما أردتُ أن أكتب كلمة قصيرة موجزة في التحذير من هذه النزعة الخبيثة، والروح الخارجيَّة البغيضة، ومن (عفاريت) الحقد والبغض والكراهية التي ركبتْ بعض الأصاغر ممن ينتسب إلى السنة والسلفية؛ فلا بدَّ أن يقوم الأكابر والأفاضل من أهل العلم والإيمان بواجبهم في معالجة هذه الحالة الوبائيَّة المهلكة، فإنها ليست من الإسلام في شيء، ولا من السنة في شيء، ولا من السلفية في شيءٍ، ولا من منهج علمائنا ومشايخنا ـ الأموات أو الأحياء ـ في شيء.
وأختم باقتباسين رائعين من سيرة الإمام الهمام شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية النُّميريِّ رحمه الله تعالى؛ لعل بعض هؤلاء تتواضع نفوسهم، وتلين قلوبهم:
الأول: أن قاضي المالكية في مصر ابن مخلوف (ت: 705) كان شديد العداوة لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكان أشعريًّا متعصبًا، مخالفًا لأهل السنة في أصول الدين، وبغى على ابن تيمية بالتكفير والسعي في قتله، ومع ذلك قال الإمام ابن تيمية: «وابن مخلوف لو عمل مهما عمل، والله ما أقدر على خير إلا وأعمله معه، ولا أعينُ عليه عدوَّه قطُّ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه نيَّتي وعزمي، مع علمي بجميع الأمور، فإني أعلم أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين، ولن أكون عونًا للشيطان على إخواني المسلمين» (مجموع الفتاوى: 28/55).
ثم لما تغيَّرت الأوضاع السياسية لصالح ابن تيمية عفا عنه وعن جميع من ظلمه وبغى عليه، فكان ابن مخلوف يقول: «ما رأينا أَفْتَى من ابن تيمية، سعينا في دمه، فلما قدر علينا عفا عنَّا» (ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 4/517). أَفتى من الفتوَّة، أي: الرجولة والشهامة وعلو النفس.
الثاني: قال تلميذه النجيب ابن القيم رحمه الله: «جئتُ يومًا مُبشِّرًا لابن تيمية بموت أكبـر أعدائه، وأشدِّهم عَداوةً وأذًى له؛ فنهرني وتنكَّر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزَّاهم، وقال: إنِّي لكم مكانَه، ولا يكون لكم أمرٌ تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتُكم فيه. فسُرُّوا به ودعوا له، وعظَّمُوا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه». (مدارج السالكين: 2/329).
اربعوا على أنفسكم، فإن الموت قريب، والحساب عسير، يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية.
«فوالله ـ أيها الأحبة ـ إن أحدنا ليشتدُّ رَوعه، ويخفق قلبه من وعيد آدمي ضعيف مثله، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا يقدر أن يتمادى شهرًا واحدًا في عذاب من عاداه وكاشفه بأكثر من الحبس، فكيف بذلك اليوم المذكور، وبعذاب أهونه الوقوف في حال دنوِّ الشمس من الرؤوس، وبلوغ العرق إلى أكثر مساحة الأجسام، في يوم طوله خمسون ألف عام، ثم بعد ذلك يرى مصيره إما إلى جنة، أو إلى نار، فأين المفر إلا إلى الله وحده لا شريك له» (التخليص لوجوه التخليص لابن حزم).
ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.
كتبه:
عبد الحق التركماني
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين والمسلمات
-
عبدالله كاندي
1 ايلول 2024جزاكم الله خيرا .. ونفع الله بكم
-
سعيد بن الحسين الحيحي(السويد)
23 تشرين الثاني 2020السلام عليكم ورحمة الله
جزاكم الله خيرا شيخنا عبد الحق ورحم الله شيخنا عليا الحلبي وغفر لنا وله وسائر المسلمين. -
مصطفى بن محمد جميل زينو رحمه الله
16 تشرين الثاني 2020جزاكم الله خيرا وجعلها في ميزان حسناتكم يوم القيامة
من حق المسلم على أخيه أن يرد غيبته إذا انتقص منه أحَد، ويدافع عن عِرْضِه إذا خيض فيه ولو بكلمة يُنتقص بها منه، وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم برَدِّ غيبة المسلم والدفاع عنه، وبين لنا أن مَنْ فعل ذلك فإن الله تعالى يرد عنه النار يوم القيامة، ويجعل له حجاباً منها، فالجزاء من جنس العمل، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسْلِمُه، ومَنْ كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربةً فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمـاً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري. قال ابن حجر: "(ولا يُسْلِمه) أي: لا يتركه مع من يُؤذيه، ولا فيما يُؤذيه، بل يَنْصُره، ويدفع عنه، وهذا أخصُّ مِنْ تَرْك الظُّلم، وقد يكون ذلك واجباً، وقد يكون مندوباً، بحسب اختلاف الأحوال". وقال ابن عثيمين: "ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في عِرْضِه وبدنه وماله".
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ردَّ عن عِرْض أخيه، كان له حجابا من النار) رواه الترمذي، قال الصنعاني: "(من ردَّ عن عرض أخيه) غيبة تُقال فيه. (كان) اللسان. (له حجاباً) يمنعه (من النار)، وسواء ردَّ عن عِرْضه وهو غائب أو وهو حاضر، والأول أفضل.
ونبينا صلى الله عليه وسلم حذرنا من خذلان المسلم، وعدم الدفاع عنه، والذبِّ عن عِرْضِه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن امرئٍ يخذل مسلماً في موطنٍ يُنتَقَصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته، إلا خذله اللهُ في موطنٍ يحب فيه نُصرتَه، وما مِن امرئٍ ينصر مسلماً في موطنٍ يُنتقَصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته، إلا نصره اللهُ في موطنٍ يحبُّ فيه نُصرته)
منقول -
محمد الغامدي
16 تشرين الثاني 2020بارك الله فيك
هذه اخلاق ائمتنا واسلافنا رحمهم الله تعالى.