نبذة عن هارون يحيى
سألني كثير من الإخوة عن عقيدة الكاتب والداعية التركي عدنان أوكطار Adnan Oktar (عدنان أوكتار/ عدنان أوقتار/ عدنان أوقطار) ومنهجه، بمناسبة ما انتشر في هذه الأيام من خبر الحكم عليه بالسجن أكثر من عشرة قرون (1075 سنة)، وذلك لإدانته بجرائم فساد أخلاقي وجريمة منظمة ومخدرات، وغير ذلك. وقد أوردت وسائل الإعلام فضائحه مقرونة بوصفه بـ: (الداعية الإسلامي) أو (الداعية الديني)!
ليس من شأني أن أتحدث عن سلوكه الشخصي الشاذِّ، وعلاقاته المشبوهة، وأسباب ظهوره وشهرته والإمكانات المالية والإعلامية التي تهيئت له؛ لكني أريد الحديث عنه في حدود معرفة قرَّاء العربية به، فقد بدأتْ كتبه المترجمة إلى العربية تنتشر قبل نحو خمس وعشرين سنة، باسمه المستعار: هارون يحيى، Harun Yahya ، وهذا ليس سرًّا من الأسرار، فقد صرح عدنان أوكطار في مناسبات كثيرة أنه تعمَّد اختيار هذا الاسم، وفسَّر ذلك بزعمه: «الله سبحانه يُخبر المؤمنين في كتابه العزيز القرآن الكريم بأن بعثة النبي هارون (عليه السلام) والنبي يحيى (عليه السلام) كانت بهدف مساعدة كل من النبي موسى (عليه السلام) والنبي عيسى (عليه السلام)، ومن المنطلق نفسه، يمكن اعتبار المسلمين، سواء كانوا أصدقاء أو إخوة أو أخوات، بمثابة دعم وعون لرسول الله في تبليغ رسالته. فيما يخصني، أستعمل اسم الشهرة «هارون يحيى» كإشارة إلى دعواتي ونيتي لأكون عونًا ويدًا مساعدة، لنشر دين ودعوة رسول الله في آخر الزمان، وهو اسم اخترته عن قصد، لكي أصبح الشخص الذي يساعد ويدعم ويحمي ويراقب، مثلما فعل الأنبياء، على غرار هارون ويحيى عليهما السلام» [مقابلة مع هسبريس المغربية: 17/2/2018].
التحق عدنان أوكتار سنة 1979 بالدراسة في كلية الفنون الجميلة في جامعة المعمار سنان، في اسطنبول، ووجد هناك أن الأفكار الإلحادية والداروينية شائعة بين الشباب، فاهتمَّ بمناقشتها والرد عليها من خلال إثبات الربوبية وإبطال نظرية التطور، واقترب بهذا من جماعة سعيد النورسي التي تتمركز دعوتُها حول الربوبية. أما العلوم الشرعية فلم يدرسها إطلاقًا، كما أنه اعترف في مقابلته مع «قناة الجزيرة» 24/10/2007 بأنه لا يعرف اللغة العربية، وغاية معرفته بالإسلام قراءة بعض الكتب المترجمة إلى اللغة التركية.
لعلَّ أهم روافد فكر عدنان أوكطار هو كتابات سعيد النورسي (ت: 1960م) المعروفة بـ: «رسائل النور»، وهي تتمحور حول إثبات الربوبية والرد على الملاحدة، وفيها كثيرٌ من العقائد الفاسدة، والأحاديث الموضوعة، والأفكار الصوفية المنحرفة. وأوكطار لا يمتلك أي قدرة شرعية وعلمية تعينه على نقد وتمحيص شيء من كلام النورسي الذي يُكثر الاستشهادَ به في كتبه. ومن أمثلة تقليده الأعمى للنورسي تركه الزواج اقتداء به. هذا ما يدَّعيه، والله أعلم بحقيقة أمره، لكن المهم أنه قال في تسويغ ترك الزواج: «هناك أحاديث تدل على أفضيلة عدم الزواج في آخر الزمن، كحديث بما معناه: خيركم من لم يتزوج في آخر الزمن». فلما سأله المحاوِرُ: أين قرأتَ هذا الأمر؟ أجاب: «لا أذكر مصدر الحديث الآن، ولكنكم يمكنكم الحصول على هذا في كتب سعيد النورسي إذا ما قمتم بالبحث خلال مجموعة رسائل النور عبر الإنترنت فستجدونه» [مقابلة «قناة الجزيرة» برنامج زيارة خاصة، تقديم: سامي كليب: 24/10/2007].
هذا غايةُ علمه بالمصادر الإسلامية؛ يحيل لمعرفة الحديث إلى رسائل النورسي، ومن المعروف أن النورسي كان شديد الجهل بالسنة النبوية وعلم الحديث، حتى إنه كتب بعض الرسائل في الدفاع عن أحاديث مكذوبة موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ردًّا على الذين يشككون في الأحاديث النبوية!
كثرة مؤلفات هارون يحيى، وانتشارها الكبير في مختلف دول العالم مترجمةً إلى عشرات اللغات، وبطبعات ملونة فاخرة؛ مدعاةٌ للرَّيب في أمر هذا الرجل، والجهات التي تقف خلفه وتدعمه بالمال والدعاية. وقد اعترف في مقابلته مع «قناة الجزيرة» 24/10/2007 بأنه لا يقوم بتأليف هذه الكتب، فقال: «دعني أتحدث عن كيفية كتابتي للمؤلفات؛ هناك فريق كبير حولي، أكثرهم يعرفون اللغات الأجنبية بدرجة جيدة، ويبحثون عن جميع المعلومات المتوفرة في العالم سواء من الكتب أو الإنترنت، ويقدمونها إليَّ جاهزة على شكل تقارير ومعلومات، وأنا أقوم بالتعليق عليها، وأختار الصور المناسبة، وأنا أقوم بإعداد حتى صفحات الغلاف ثم أرسلها إلى محرر، وبعدها تتحول إلى كتاب. على سبيل المثال كتاب «أطلس المخلوقات» يظن الناس أنه قد تم تأليفه من أوله إلى آخره، والأمر ليس كذلك، 95% منقول ومقتبس، أما قسم التعليق فيكون 3% فقط، والباقي كله مقتبس».
وهذا واضحٌ ـ أيضًا ـ من جهة مضامين تلك الكتب؛ ففيها كثيرٌ من المعاني الصحيحة المتعلقة بالإيمان بالله تعالى والإخلاص له، وعبادته، وطاعة أوامره، والاستقامة على دينه، وطلب مرضاته، والعمل للفوز والنجاة في الآخرة. من المعلوم أن عدنان أوكطار بعيدٌ كلَّ البعد عن هذه المعاني السامية التي تتكرر في تلك الكتب؛ بعيدٌ عنها في سلوكه الشخصي، وفي علاقاته وبيئته، وفي تاريخه المليء بالفضائح والجرائم التي أدين بها من قبل المحاكم.
إن أسوأ ما في تلك الكتب المنشورة باسم (هارون يحيى) من العقائد المخالفة لدين الإسلام تقريرُ عقيدة «وحدة الوجود» الصوفية بلغة عصرية، حيث يقول صراحة: «لا موجودَ إلا الله»، وما عدا الخالق فمجرد: «خيالات وأوهام»، كما في كتابه: (فهم سريع للإيمان)، وفي غيره.
إن هذا الكفر البواح الذي ينكر حقيقة الوجود المادي للمخلوقات سبَبُه غلُّوه في إنكار نظرية التطور والارتقاء (نظرية دارون)، فإنه لما رأى أن القاعدة الأساسية لهذه النظرية الباطلة هي «المادية»؛ أراد أن يهدمها بإنكار حقيقة «المادة» وحقيقة «الوجود الماديِّ»، فقابلها بعقيدة «وحدة الوجود» الصوفية، التي لا تثبت موجودًا إلا الله تعالى. ومن نافلة القول: أن هذه العقيدة مخالفة لما هو ثابت بضرورة الدِّين والعقل والحسِّ والفطرة، فهو تكذيب صريح للقرآن الكريم، والقول به ناقض من أعظم نواقض الإسلام، لا يعذر فيه بجهل ولا تأويل.
إن من لوازم هذا الاعتقاد في كتب هارون يحيى ومن نتائجه: أنه ينفي علوَّ الله تعالى فوق خلقه، كما في كتابه: (الصراع ضد أديان الكفر).
هكذا يزعم عدنان أوكطار أن الاعتقاد بعلو الله تعالى وأنه في السماء؛ من «الدين الباطل» الذي يجب التحذير منه.
إن إثبات علوِّ الله تعالى فوق خلقه من ضروريات التمييز والتفريق بين (الخالق) و(المخلوق)، فالله تعالى موجود حقيقةً، والمخلوق موجود حقيقةً. هذه العقيدة البديهية يؤكدها المسلم كل يوم مرات ومرات وهو يقرأ في صلاته: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ مقرًّا بماديَّة المخلوقات وبوجودها حقيقةً: {الْعَالَمِينَ}. لكن عدنان أوكطار ينكر مادية (العالمين) وينكر وجودها حقيقةً؛ لهذا أنكر علوَّ الله تعالى فوق خلقه، واعتقد بوحدة الوجود.
إن من تناقضات عدنان أوكطار الواضحة؛ أنه يؤكد على ضرورة تعاون أتباع الرسالات السماوية من المسلمين واليهود والنصارى في مكافحة الإلحاد والمادية الداروينية، وهو يتجاهل في الوقت نفسه أن من أصول اعتقاد أتباع هذه الرسالات الثلاث هو إثبات مادية هذا العالم المخلوق، والاعتقاد بأن الله تعالى في السماء ـ أي في العلوِّ المطلق ـ، حتى إنَّ النصارى رغم ادعائهم لله ولدًا وقولهم بالأقانيم الثلاثة يفرِّقون بين (اللاهوت) و(الناسوت)، ويعتقدون أن الربَّ في السماء.
أما العقيدة الإسلامية؛ فإثبات علو الله تعالى صريح في القرآن والسنة، وهو من أصول الاعتقاد التي أجمع عليها الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين، وعليه عوام المسلمين في جميع الأمصار والأعصار، ولم يخالفهم إلا أهل الفلسفة وكثير من أهل الكلام الخارجين عن السنة والجماعة، ومن أراد أن يعرف إجماع أئمة المسلمين على هذا الأصل العظيم فعليه بكتاب: «العلوِّ للعلي العظيم» للعلامة محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبيِّ التُّركمانيِّ الشَّافعيِّ (ت: ٧٤٨) رحمه الله تعالى.
لعلَّ في هذه النبذة الموجزة عن هذا الضال الفاجر (هارون يحيى) عبرةً وعظةً وتأكيدًا على أن كلَّ داعية لم يتربَّ على منهاج القرآن والسنة وعقيدة السلف الصالح: أهل السنة والجماعة؛ فهو نفسه يحتاج إلى دعوة وإصلاح، وهو مصدر شرٍّ وفساد وانحراف بمقدار بُعْده عن الصراط المستقيم، لكن مما يؤسف له أن أكثر المسلمين يستعظمون الانحرافات الأخلاقية، ويكثرون الكلام عنها، لكنهم يصابون بالعمى والصمم والبلادة عندما يتعلق الأمر بأصول الاعتقاد وقطعيات الدين، والله المستعان.
كتبه:
عبد الحق التركماني
ليستر: الأربعاء 29 جمادى الأولى 1442 / 13 يناير 2021.
- لا يوجد تعليقات بعد