موقع الشيخ عبد الحق التركماني - هل الإسلام السياسي يمثل مستقبل الإنسانية كما يزعم أبو يعرب المرزوقي؟!

/ 21 كانون الأول 2024

للتواصل 00447432020200

هل الإسلام السياسي يمثل مستقبل الإنسانية كما يزعم أبو يعرب المرزوقي؟!

نشرت بواسطة : إدارة الموقع 27 ايلول 2021 1262

كان الإسلاميون الحركيون يخاطبون الشعوب المسلمة بشعار: (الإسلام هو الحل)، أما المتفلسف التونسي أبو يعرب المرزوقي فقد خرج علينا بشعار أوسع وأضخم: (الإسلام السياسي يمثل مستقبل الإنسانية)، وجعل هذا عنوانًا لمقال نشره حديثًا. ولا شكَّ أن المرزوقي أعمق فهمًا وإدراكًا من أصحاب الشعار الأول؛ فإنهم كانوا ـ في الغالب ـ لا يعرفون حقيقة ما يقولون، والمخدوعون بهم وجدوا في ذلك الشعار ـ وقد استحكم فيهم اليأس والإحباط ـ خيط أمل لحياة مادية أفضل، أما المرزوقي فإنه يدرك ما يقول ويقصده، وغرضي بهذا المقال الكشف عن مقصوده، وبيان ما فيه من مخالفة لدين الإسلام وانحراف في فهمه:

قال المرزوقي في مقاله: «الإسلام السياسي الذي يمثل مستقبل الإنسانية، وليس المسلمين وحدهم، هو الذي حدَّده القرآن في تعريف الإنسان بوظيفتين كلتاهما مفقودة عند هذه الأنظمة:

- استراتيجية تحقيق شروط الاستعمار في الأرض، أي العمل على علم.

- استراتيجية تحقيق شروط الاستخلاف فيها، أي العمل على خُلق».

وقال: «الإسلام السياسي الذي أتكلم عنه والذي يمثل مستقبل الإنسانية هو ثورتا القرآن الكريم اللتان غيَّبهما تحريفُ علوم الملَّة وتاريخها، وهما المرضان اللذان حاولتُ تشخيصهما ببيان عللهما استكمالًا لما شرع فيه رجال المدرسة النقدية العربية. الإسلام السياسي هو تحقيق شروط توحيد الإنسانية بقيم القرآن الكريم التي هي جعل سياسة عالم الشهادة خاضعة لقيم سياسة عالم الغيب كما تتجلى في نظام العالم الطبيعي والتاريخي إذا قرئا بمبدأي الآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشرة من الحجرات».

قلتُ: هذه أهم عبارات المرزوقي التي تبيِّن اعتقاده وفهمه لرسالة الإسلام، أما سائر ما في مقاله من الكلام على حزب النهضة وواقع تونس فخارجٌ عن اهتمامي، فليس غرضي إلا أن أبيِّن حقيقة مقصوده الفلسفي، ثم أزنه بميزان الوحي الإلهي:

إن غاية الخلق في دين الفلاسفة ـ كلهم، على وجه الإجمال ـ لا تتجاوز تحقيق السعادة الدنيوية، سواء إن فسروها بالعلم والمعرفة، أو بالمنفعة، أو المصلحة، أو اللذَّة، أو السعادة المادية أو المعنوية، وأعلى تمثلات ذلك عندهم هو إقامة المدينة الفاضلة، فهي الغاية القصوى من الوجود الإنساني، لهذا فقد كذَّب ـ من كان منهم منتسبًا إلى الإسلام ـ صريح القرآن في معاد الأجساد، واكتفى بإثبات معاد الأرواح، إذ رأى أنه ثمرةٌ كافيةٌ لما عملتْ له في الدنيا وللدنيا من السعادة والشقاوة، فيمتد أثر ذلك للأرواح بعد معادها!

لقد أعاد الإسلاميون الحركيون إحياء هذه العقيدة بعد أن تخلَّصوا من شقِّها الإلحادي، وصاغوها بما عبَّر عنه وحيد الدين خان وأبو الحسن الندوي بنظرية التفسير السياسي للإسلام، أما أبو يعرب المرزوقي فلا عجب أنه متشبع بهذه النظرية، فهو شديد الصلة بالفلسفة القديمة والفلسفة المنتسبة إلى الإسلام والفلسفة الغربية الحديثة، والفكرية المركزية في هذه الفلسفات ـ كلها ـ هي ما ذكرته آنفًا من السعادة الدنيوية وإقامة المدينة الفاضلة. وفي ضوء هذه النظرية الفلسفية المتكاملة قرأ المرزوقي الرسالة القرآنية، ففسرها بما يوافق مبادئ «المدينة الفاضلة»، فزعم أن «الإسلام السياسي» حدَّده القرآنُ في تعريف الإنسان بوظيفتين، هما: عمارة الأرض، وتحقيق الاستخلاف فيها.

إن المرزوقي ـ مثل غيره من المتفلسفة والمفكرين الإسلاميين ـ يعرفُ جيدًا أن ما ذكره لا مستند له في دين الله تعالى، وأنه مجرد دعوى عريضة كاذبة؛ لهذا قفز مباشرة إلى ادعاء ضياع الدين وجهالة الأُمَّة، فقال: «هو ثورتا القرآن الكريم اللتان غيَّبهما تحريفُ علوم الملَّة وتاريخها». إذن ـ حسب زعم المرزوقي ـ فإن «العمارة والاستخلاف» هما: «ثورتا القرآن»، لكنهما غُيِّبا وضاعا بسبب تحريف علوم الملة وتاريخها! ثم جاء بأَخَرَةٍ المتفلسفةُ والصحفيون والمثقفون ليصححوا مسار الإسلام، ويكشفوا عن حقائق القرآن، ويهدوا المسلمين إلى الصراط المستقيم (المغيَّب الضَّائع المنسيِّ)!

ويبشِّر المرزوقيُّ بأن «الإسلام السياسي» سيحقق «شروط توحيد الإنسانية بقيم القرآن الكريم التي هي جعل سياسة عالم الشهادة خاضعة لقيم سياسة عالم الغيب كما تتجلى في نظام العالم الطبيعي والتاريخي إذا قرئا بمبدأي الآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشرة من الحجرات».

وآية النساء هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)}، وآية الحجرات هي قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)}.

ومن قرأ الآيتين ـ قراءةَ فهمٍ وتدبرٍ وتديُّنٍ ـ علم أنْ ليس فيهما شيء من الدلالة على دعوى «توحيد الإنسانية بقيم القرآن»، بل هما دعوةٌ صريحةٌ للإنسانية إلى توحيد الخالق بإخلاص العبادة له وتقواه بالانقياد لدينه وطاعة أمره واتباع شرعه؛ كما جاءت مفصلةً في آيات كثيرة، من مثل:

قول الله عزَّ وجلَّ: ‌{يَا أَيُّهَا ‌النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)} [البقرة].

وقوله تعالى: {‌يَا أَيُّهَا ‌النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧٠)} [النساء].

وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا ‌النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (33)} [لقمان].

وقوله عزَّ وجلَّ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى ‌كَلِمَةٍ ‌سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)} [آل عمران].

إذن؛ الآيتان وهذه الآيات هي أساس الافتراق والتفرق بين الناس؛ بين أهل الإسلام وأهل الكفر، وأهل الهدى وأهل الضلال، وأهل التقوى وأهل الفجور: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ ‌تَبَيَّنَ ‌الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)}.

إن العقيدة الفلسفية التي ألبسها المرزوقي لباس الإسلام، وجعلها «ثورة القرآن» تخالف عقيدة رسل الله عليهم الصَّلاة والسَّلام مخالفة جذرية، وأكتفي من بيانها ـ هاهنا ـ بالإشارة إلى أصول كليَّة جامعة:

1- أنها تخالف الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب وأمر بالعبادات والشرائع:

قال تعالى في الغاية من الخلق: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات].

وقال عزَّ وجلَّ في الغاية من إنزال الكتاب: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢)} [هود].

وقال سبحانه في التكليف الديني: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة].

وفي الحديث الصحيح المشهور أن جبريل عليه السلام سأل رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الإسلام والإيمان والإحسان؛ فلم يجبه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا بذكر أركان الإسلام وأصول الإيمان وحقيقة مرتبة الإحسان بتقوى الله ومراقبته؛ فلم يذكر عليه الصَّلاة والسَّلام لا الاستعمار ولا الاستخلاف. وهذا معلوم ـ أيضًا ـ علمًا ضروريًّا قاطعًا في الأحاديث الكثيرة المتواترة في دعوته صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الله تعالى وتعليمه الناسَ دين الله وشرعه.

2- أنها تخالف دعوة الرسل عليهم الصَّلاة والسَّلام لأقوامهم؛ فإنهم ـ جميعًا ـ أطبقوا على أمر أقوامهم بالقيام بالغاية التي خلقوا من أجلها (توحيد الله وعبادته وطاعته)؛ ولم يأمروهم بالاستعمار ولا الاستخلاف:

لقد بيَّن الله تعالى ـ بأدلة عمومية وخصوصية ـ أن دعوة جميع الرسل واحدةٌ، وهي تحقيق معنى: «لا إله إلا الله»، فقال معمِّمًا لجميعهم: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]؛ إلى غير ذلك من الآيات. وقال في تخصيص الرُّسل بأسمائهم ـ وهم: نوح، وهود، وصالح، وشعيب ـ أنهم جميعًا قالوا لأقوامهم: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

3- أنها تخالف بيان القرآن لحقيقة هذه الحياة الدنيا، ووظيفة الإنسان فيها؛ فقد تواردت الآيات الكثيرة جدًّا على أن هذه الدار دار ابتلاء وامتحان واختبار، وأن أهلها مبتلون فيها بالنفس والهوى والشيطان، وبالمعايب والمصائب، وأن العمل من أجلها والتنافس فيها والمبالغة في عمارتها وخدمتها مذمومٌ في ميزان الله تعالى، فيجب على المسلم أن ينظر إليها على أنها من الوسائل والأسباب، لا من المقاصد والغايات:

قال الله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ والأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)} [يونس].

وقال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)} [الكهف].

وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ (20)} [الحديد].

وقال تَعَالَى: {زُيِّنَ لِلْنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المآبِ (14)} [آل عمران].

وقال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الْدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ (5)} [فاطر].

وقال تَعَالَى: {ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} [التكاثر].

وقال تَعَالَى: {وَمَا هذِهِ الحَياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} [العنكبوت]

وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} [هود].

وقال سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)} [الإسراء].

وقال جلَّ ذِكرُه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)} [الشورى].

وقال عزَّ شأنه: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة].

وقال سبحانه: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)} [الأنعام].

والآيات في هذه المعاني كثيرة جدًّا، أما الأحاديث الصحيحة في ذم الدنيا وطلَّابها، والتزهيد فيها، والتحذير من فتنتها؛ فأكثر من أن تُحصَر، وقد جمع العلماء فيها كتبًا كثيرةً، وهي مشهورةٌ بين المسلمين.

المقصود: أن عقيدة الفلاسفة في غاية الخلق وحكمة الوجود الإنساني تخالف عقيدة الإسلام مخالفة تامة، لكن الإسلاميين الحركيين أعادوا صياغتها وإخراجها في قالب جديد خادع، ومن كان منهم أقرب إلى الفلسفة يكون أكثر وضوحًا في عرض الفكرة، وأبعد عن منهاج القرآن والنبوة.

لا شكَّ أن الخطر الأكبر والأعظم في التفسير السياسي للدين هو أنه تحريف لأصول الإسلام ومقاصد القرآن، وكفى بها فسادًا وضررًا، وهو كذلك تحريف للدعوة الإسلامية، وخداع للمدعوِّين، سواء كانوا من أهل الإسلام أو من غيرهم. وهذا التحريف من أعظم أسباب التنفير عن الإسلام والتديُّن الصحيح، ومن أسباب ظهور الإلحاد، فكم من ضعاف المسلمين قد ألحدوا بعد ثورات الخراب العربي عندما اكتشفوا أن شعار: (الإسلام هو الحلُّ) أكذوبة كبيرة، وخديعة كبرى، وحيلة سياسية ماكرة، وكان عليهم أن يعودوا إلى القرآن والسنة ليعلموا أن هذا الشعار لا أساس له في الإسلام؛ لا بلفظه ولا بمعناه.

واليوم عندما يقول المرزوقي: «الإسلامُ السياسي يُمثِّل مستقبلَ الإنسانية»؛ فإنه يدعو إلى الإلحاد ـ وإن لم يقصد ذلك ـ؛ فإن العقلاء يعلمون أن مشكلات «الإنسانية» ـ بهذا الإطلاق والتعميم ـ  لا يحلها الإسلام ـ لا الإسلام التعبدي ولا الإسلام السياسي ـ، وإنما الإسلام دين يهدي من آمن به وعمل بأحكامه إلى سعادة الدنيا والآخرة، أما على المستوى الاجتماعي والإنساني؛ فتتحقق الهداية وتقام العدل وتصلح أحوال البشر بما يحصل من إقامة الدين الحق عقيدة وشريعة في زمان معيَّن ومكان معيَّن، كما حصل في دولة النبوة والخلافة الراشدة وحكم بعض الملوك الصالحين، أما «مستقبل الإنسانية» فقد أعلن القرآن الكريم منذ أول يوم أن الغالب على واقع «الإنسانية» الشر والفساد والنفور من الحقِّ ومعاداة أهله:

قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ ‌مَنْ ‌فِي ‌الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)} [الأنعام].

وقال سبحانه: {وَلَكِنَّ ‌أَكْثَرَ ‌النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)} [البقرة]، {وَلَكِنَّ ‌أَكْثَرَ ‌النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)} [هود].

وقال جلَّ شأنُه: {وَمَا ‌أَكْثَرُ ‌النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)} [يوسف].

وقال عزَّ وجلَّ: {وَمَا ‌أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} [سبأ].

وأعلن القرآن ـ كذلك ـ أن هذه الدار دار ابتلاء وامتحان وتمحيص، وأهلها مبتلون بعضهم ببعض بما جعل الله تعالى بينهم من التفاوت في العلم والعمل والقوة والسلطة والمال والجاه، وبما يقع من بعضهم على بعض من الظلم والبغي والفساد، وبما جعل فيها من الأمراض والأوجاع والآلام والنقص والآفات، كلُّ ذلك ابتلاءً منه سبحانه وامتحانًا:

قال الحقُّ سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} [تبارك].

وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)} [الأنعام].

وقال جلَّ شأنه: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20].

وقال جلَّ ذِكرُه: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4].

وقال عزَّ وجلَّ: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)} [النحل].

إن القرآن بريء من هذه الدعوى الكاذبة الفاجرة التي نسبها أبو يعرب المرزوقيُّ إليه وإلى رسالته، بل هذا الكتاب المعظَّم منزَّه أن تكون رسالته الدعوة إلى (استعمار الأرض والاستخلاف فيهابل كلُّ آية من آياته الجليلة تكذِّب هذه الدعوى أشدَّ التكذيب، وتبيِّن بيانًا صريحًا قاطعًا أن رسالة القرآن إنما هي ـ حصرًا ـ: دعوةُ الناس جميعًا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، واتباع رسوله، وطاعة شريعته، وطلب مرضاته، والسعي للنجاة في الحياة الأخروية الأبدية:

قال الحقُّ جلَّ جلاله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ ‌وَكِتَابٌ ‌مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)} [المائدة].

وقال تعالى في أول سورة إبراهيم: {الر ‌كِتَابٌ ‌أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٣) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)}.

وقال عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ ‌إِنَّمَا ‌أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦)} [الرعد].

وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)} [الإسراء].

وقال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ (92)} [النمل].

وقال تعالى: {‌إِنَّ ‌الَّذِينَ ‌يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠)} [فاطر].

هذه رسالة القرآن صريحة واضحة، فيا ويل من يخوض في كتاب الله تعالى بالباطل، ويحرِّف آياته عن مواضعها، وينسب إليه ـ بفلسفاته وأهوائه ـ أغراضًا ومقاصدَ ما دلَّ عليها منطوقُه ولا مفهومُه، ويظنُّ نفسه على الهدى، وهو في الضَّلال المبين: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ‌افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ}.
إن هذا الفهم السليم لرسالة القرآن وحكمة الخلق ووظيفة التكليف وحقيقة الحياة الدنيا لا يدعو إلى اليأس والقنوط، ولا إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا إلى عدم القيام بأمر الله وشرعه، وعدم السعي في ذلك بالأسباب الشرعية؛ فالمسلم من حيث كونه فردًا، والمسلمون من حيث كونهم جماعة؛ مخاطبون بشرع الله تعالى، مكلفون بالقيام بدينه، بحسب الممكن لهم من العلم والقدرة والاستطاعة، وهم يفعلون ذلك بباعث العبودية لله وطاعة أمره، لا بتوهُّم أن الأحكام الشرعية العملية تفسيرٌ لغاية الخلق على منهج الفلاسفة والمفكرين، أو وسيلةٌ لبناء المدينة الفاضلة أو «مستقبل الإنسانية»، فنحن مخاطبون بالأمر الشرعي الديني ومكلفون به، لا بالأمر الكوني القدري. قال تعالى: {‌لَا ‌يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (٢٨٦)} [البقرة]، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا ‌وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٤٢)} [الأعراف].
وأخرج البخاريُّ ومسلم من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلا كلُّكُم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته، فالأميرُ الذي على النَّاس راعٍ، وهو مسؤُول عن رعيَّته، والرجلُ راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيت بَعْلِها وولده، وهي مسؤولةٌ عنهم، والعبدُ راعٍ على مال سيِّده وهو مسؤول عنه. أَلا فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته».
ومن هنا؛ فإن المسلم يقوم بما أوجبه الله تعالى عليه من الطاعات، ويتسابق في الأعمال الصالحة، ويبادر إلى كلِّ ما فيه خير «الإنسانية»، ويلتزم بإقامة العدل في حدود علمه واستطاعته؛ يفعلُ كلَّ ذلك إيمانًا واحتسابًا، وطلبًا لمرضاة الله تعالى والنجاة الأخروي.
إنه لحقيقٌ بمن اهتدى بهداية القرآن والسنة أن يُقبل بكُليَّته على ما فيه رضا ربِّه والخير لنفسه وللناس أجمعين، ولا يعرف طريق اليأس والقنوط، ولا يعيش في عالم الأوهام والخيالات، ولا يلهي نفسه بالنظريات والفلسفات. والله المستعان وعليه التكلان، له الحمد في الأولى والآخرة، وهو الحكيم الخبير.

كتبه:

عبد الحق التركماني

ليستر: الاثنين 20 صفر 1443، الموافق: 27 أيلول 2021.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد