نصيحة للجالية المسلمة في السويد حول واقعة حرق المصحف الشريف
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: لقد اجتمعنا في هذه الليلة المباركة لإقامة صلاة التراويح، والاستماع لكلام الله تعالى، وتدبُّر معانيه، والتعرض لرحمات الله وبركاته، في هذا الشهر الفضيل الذي خصَّه الله تعالى بنزول القرآن العظيم فيه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، لهذا جعل الله تعالى هذا الشهر شهرَ عبادةٍ خالصة لله تعالى، ينشغل فيه المسلمون بصيام نهاره، وقيام ليله، وعمارة ساعاته بتلاوة القرآن والذكر والدعاء والأعمال الصالحة.
لقد علمتم أن بعض المتطرفين الحاقدين أراد أن يعكِّر على المسلمين صفوَ ما هم فيه في هذا الشهر المبارك من الطمأنينة والسكينة والسلام؛ فعَمَد إلى حرق المصحف الشريف في بعض الميادين العامة، وكرَّر ذلك في أكثر من مدينة من مدن السويد، إهانةً لمقدسات المسلمين واستفزازًا لمشاعرهم ومحاولة بائسة منه لجرِّ المسلمين إلى المواجهة والعنف.
أيها الإخوة والأخوات: إن هذا الاعتداء الآثم يمسُّ كلَّ مسلمٍ ومسلمةٍ، يُحزن قلبَه، ويثيرُ غضبَه، ويُشعره بالإهانة والاستفزاز؛ لهذا كان الواجب على المساجد والمراكز الإسلامية في السويد نصيحةَ المسلمين وتوجيههم إلى التصرف السليم تجاه هذه الواقعة، التي هي صورة من صور الاعتداء والاستفزاز التي سيتمادى اليمين العنصري المتطرف فيها بحق الإسلام والمسلمين بهدف الإثارة والتحريض وبثِّ روح العنصرية والتعصب بين المواطنين ودفع المجتمع للشقاق والتمزق.
من هنا فإننا ننصح إخواننا المسلمين بما يلي:
أولًا: أَنَّ على عامة المسلمين أن يتركوا أمر الرد على هذا الاعتداء وطريقة مواجهته ومعالجته إلى القائمين على المؤسسات والمراكز والمساجد الإسلامية، فهم الممثلون للجالية المسلمة، وفيهم من أهل العلم بأحكام الشريعة والفقه بالسياسة الشرعية والخبرة والمعرفة بالواقع من يستطيعون ـ بمجموعهم ـ القيام بالتصرف الصحيح إن شاء الله تعالى. فهذا أول الواجبات عليكم ـ أيها المسلمون ـ في هذا الأمر، كما قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}؛ فردُّ الأمر إلى أهل الشأن والاختصاص فيه مجانبة الفوضى، والبعد عن تضارب الآراء والمواقف، وسدُّ ذرائع الانجراف إلى أمور لا تحمد عقباها.
وإننا ندعو المؤسسات الإسلامية إلى أن تبادر عاجلًا إلى تشكيل لجنة مشتركة لرفع قضية لدى المحاكم المختصة ضدَّ الحكومة السويدية التي رخَّصت لحرق المصحف ووفرت الحماية لهذا العمل العدواني على عقيدة المسلمين ومقدساتهم.
ثانيًا: أنَّ من الأحكام الشرعية التي يجب علينا جميعًا الالتزام به هو تحريم الذهاب إلى أي موضع يُساء فيه إلى كتاب ربنا أو إلى رسولنا الكريم أو إلى ديننا وعقيدتنا، بأي صورة من صور الإساءة والسخرية والاستهزاء.
فأول ما يجب على المسلم بهذا الخصوص أنه إذا سمع بتنظيم مثل هذه التصرفات الاستفزازية في المكان الفلاني والزمان الفلاني؛ ألَّا يلتفت إلى ذلك، ولا يبدي أيَّ اهتمام به. قال الله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55]، وقال سبحانه: {قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 1-3].
أما الذهاب إلى تلك الأماكن فهو من المحرمات القطعية بنصِّ كتاب الله تعالى. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].
وإذا افترضنا أن أحدًا من المسلمين وجد نفسه في ذلك المكان؛ فالواجب في حقه مفارقته فورًا. قال ربنا سبحانه: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140]، وقال عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].
ومن أحب أن يقول لأولئك القوم المسيئين كلمةً قبل أن يفارقهم؛ فالواجب عليه أن يتأدَّب بما أمره به ربُّه الكريم، فيقول لهم: (لنا أعمالنا، ولكم أعمالكم. سلام عليكم. لا نبتغي الجاهلين). وبرهان هذا في كتاب الله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55].
فهذه أربعة أحكام صريحة في كتاب الله تعالى تتعلق بهذه الواقعة ومثيلاتها، وهي محكمةٌ لم يدخل عليه نسخٌ كما بيَّنه المحقِّقون من العلماء، فالواجب على المسلم أن يتحاكم إلى شرع الله ويرضى بحكم ربه؛ مهما كان غضبه شديدًا، وغيرته عظيمة، وحماسته كبيرة، وقد قال ربُّنا سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]، ففي مخالفة حكمه عزَّ وجلَّ الخيبة والخسران، كما أن فيه إساءة لسمعة المسلمين، وتنفيرًا لغير المسلمين من الدين الحق.
ثالثًا: أما ما يحصل من بعض شباب المسلمين من حضور تلك الأماكن بغرض الإنكار والاحتجاج، رغم عدم قدرتهم على منع وقوع المنكَر؛ فيجرهم ذلك إلى استعمال العُنف، ومواجهة الشرطة؛ فالواجب علينا جميعًا نصيحتهم، وبيان التصرف الشرعي الصحيح لهم، وتنبيههم إلى أنهم بفعلهم هذا يخالفون حكم الله تعالى، ويقدمون دعاية مجانية لهذا الحاقد البائس، فيلفتون الأنظار إليه، ويجعلون له شأنًا، حيث يتحقق مراده بجرِّ المسلمين إلى العنف والمواجهة، وتشويه سمعتهم، وتحريض المجتمع عليهم. كما يجب توعيتهم إلى أن هذه التصرفات الاستفزازية ليست تصرفات فردية، بل تمثل تيارًا عنصريًّا متطرفًا، ولها ما بعدها من الإساءات إلى الإسلام والمسلمين فلا بدَّ من الفقه والحكمة وحسن التصرف، والله المستعان وعليه التكلان.
كتبه:
عبد الحق التركماني
16 رمضان 1443
-
نور الشاهري
19 نيسان 2022نفع الله بعلمكم وزادكم من فضله