بل اتحاد مفكري الحركيين لا علماء المسلمين
(الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) هذا هو الاسم الرسمي للمؤسسة التي أُعلن عن تأسيسها في لندن سنة (2004)، ويفهم منه كلُّ عاقل أن هذا الاتحاد يمثل علماء المسلمين عامةً في جميع أنحاء العالم، وهذا ما جاء صريحًا في التعريف المنشور في الموقع الرسمي للاتحاد، ففيه أن من سماته: (العالمية: فهو ليس محليًّا ولا إقليميًّا، ولا عربيًّا ولا عجميًّا، ولا شرقيًّا ولا غربيًّا، بل هو يمثِّل المسلمين في العالم الإسلامي كله، كما يمثل الأقليات والمجموعات الإسلامية خارج العالم الإسلامي). وهذا ما حرص الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي على التأكيد عليه في كلمته الافتتاحية للجمعية العمومية للاتحاد التي اختتمت أعمالها في اسطنبول (1/7/2010)؛ بالإعلان عن أسماء أعضاء مجلس الأمناء الجديد للاتحاد، وعددهم ثلاثون عضوًا. وبالنظر في تلك الأسماء يمكننا التأكد من مدى صحَّة ما يدل عليه اسم الاتحاد من السمة العالمية، خاصة أنَّ مجلس الأمناء أعلى سلطة في الاتحاد، كما ينصُّ عليه نظامه الأساسي؛ وهذا يستلزم أن يكون أعضاؤه من الطبقة العليا من العلماء الراسخين، ومن جميع أنحاء العالم! والواقع أن أيًّا من هاتين الصفتين غير متحقِّقة في أعضاء مجلس الأمناء ولا في بقية الأعضاء، ففيهم عددٌ كبيرٌ ليسوا من علماء الشريعة، كما أنهم لا يمثلون بمجموعهم علماء المسلمين عامَّة، بل يمثلون انتماءً معينًّا، واتجاهًا فكريًّا محددًا. وسنبرهن على هذا من خلال التعريف بعددٍ من أعضاء المجلس الثلاثين، وليس من خلال النقد العقيدي والشرعي لنتاجهم العلمي والدعوي المنشور والمشهود، فمثل هذا النقد يقتضي البسط والاستيعاب، ولا يكون مقبولاً إلا عند من يوافق الكاتب على منهجية النقد ومنطلقاته، وليس غرضه هنا إلا البرهنة على بطلان دعوى عالِمِيَّة أو علميَّة هذا الاتحاد، وذلك من خلال الكشف عن أصناف أولئك الثلاثين فيما يلي:
الصنف الأول: معروفٌ بالانتماء العضوي ـ حاليًّا أو سابقًا ـ إلى الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون، وما يرجع إليها من التنظيمات القطرية، أو الجماعة الإسلامية في باكستان وغيرها) وليس من الراسخين في العلم، ومن هذا الصنف: (علي القره داغي، راشد الغنوشي، أحمد الريسوني، عبد الغفار عزيز، عصام البشير، مروان أبو راس، خالد مذكور، جمال بدوي، حارث الضاري، سالم الشيخي، محمد هداية نور، عبد الوهاب الدليمي، عبد الرحمن البيراني، أحمد العمري).
الصنف الثاني: معروفٌ بالانتماء الفكري للحركة الإسلامية وليس من الراسخين في العلم الشرعي، وهذا ما يشاركه فيه الصنف السابق، لكن هذا الأخير لم يتأكد انتماؤه العضوي، لكنَّه لصيقٌ بالحركة، يسير على نهجها، ويدافع عن رموزها، ويروج لأفكارها، وينشط من خلال منابرها ومؤسساتها، ومن هذا الصنف: (سلمان العودة، صلاح سلطان، محمد حسن الددو، علي الصلابي، محمد سليم العوا).
قال عبد الحق التركماني: ثم تبيَّن لي أن هؤلاء من أعضاء جماعة الإخوان المسلمون، وبعضهم من قيادات التنظيم العالمي، أما المحامي محمد سليم العوا فمعروف بصلاته بإيران ودفاعه عن حزب الشيطان في لبنان، حتى إنه تبرع بالدفاع في المحاكم المصرية عن (خلية حزب الله في مصر) الإرهابية عام (2010).
الصنف الثالث: ليس من علماء الشريعة، فلا يعرف بطلب العلم الشرعي بدراسة أكاديمية أو تقليدية، ولا بالتدريس أو التأليف في العلوم الشرعية مما يمكن أن يشهد لعلمه أو تخصصه، ومن هذا الصنف: فهمي هويدي، وهو كاتب صحفي، متخصص في القضايا الفكرية والسياسية، لم يعمل منذ تخرجه من كلية الحقوق، جامعة القاهرة: (1960) بغير مهنة الصحافة، وليس له أي صلة بالعلوم الشرعية، ومع ذلك حصل على (216) صوتًا من أصوات أعضاء الاتحاد الذين شاركوا في انتخاب مجلس الأمناء، وهذا يعني ـ بالبديهية الضرورية عند كلِّ عاقل ـ: أنَّ (216) عضوًا من أعضاء الاتحاد ـ على الأقل ـ ليسوا من العلماء ولا من طلبة العلم، لأنَّه من المحال: أن ينتخب عالمٌ أو طالبُ علم شخصًا للولاية والرئاسة عليه في علوم الشريعة على وجه الخصوص؛ وذلك الشخصُ عريٌّ عن العلم، فكيف وهو مع ذلك صحفيٌّ كثير اللغط والغلط، وعليه مؤاخذات كثيرة في أصول الدين وفروعه ـ وتجد طرفًا منها في بحث (فهمي هويدي في الميزان) للأستاذ سليمان الخراشي ـ؛ لكن يشفع له عند القوم أنه ابنُ أحد مؤسسي الحركة!
ومن هذا الصنف أيضًا: زينب عبد العزيز، وهي أكاديمية مصرية متخصصة في الأدب والتاريخ والفن واللغات. ومحمد هيثم الخياط: دكتوراه في الطِّبِّ. ومنير شفيق: مفكر ومحلِّل سياسي.
ولا بدَّ أن يذكر في هذا الصنف أيضًا: راشد الغنوشي الذي تقدم ذكره، فهو ـ وإن كان رأس الحركة الإسلامية في تونس ـ لم يضمَّ إلى تخصصه في الفلسفة من جامعة السوربون أي دراسة شرعية؛ سوى الثقافة العامة التي تسمى بالفكر الإسلامي. وحصول هؤلاء على أعلى الأصوات، وعلى رأسهم الغنوشي الذي جاء في المرتبة الثانية وحصل على (271) صوتًا؛ من الشواهد الكثيرة على أن رأي الأكثرية لا يمكن أن يكون معيارًا للعلم والحقِّ والهدى، وقد قال ربنا سبحانه في مواضع من كتابه العزيز: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}، وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}؛ فنحمد الله تعالى على أنَّ اختيار المفتي وأعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية، وكذلك شيخ الأزهر والمفتي في مصر؛ ليس بالانتخاب ـ الذي هو مطلب الحركيين ـ، وإلا لفوجئنا وفُجِعُنا بأحد الصحفيين أو المثقفين يتولَّى أعلى منصب دينيٍّ في البلاد!
إذن هؤلاء هم أصناف أعضاء مجلس الأمناء، ويظهر من خلالها أن التخصص في العلوم الشرعي ليس هو القاسم المشترك بينهم، بل ليس فيهم من وصل إلى مرتبة كبار العلماء في بلده، وإنما القاسم المشترك بينهم هو الانتماء إلى الحركة الإسلامية تنظيمًا أو فكرًا ومنهجًا ونشاطًا، فادعاؤهم أن الاتحاد يمثل علماء المسلمين عامَّةً إنما هو افتئاتٌ على الأمة، وتلبيس على عامة المسلمين، وتضليل للإعلام الإسلامي والغربي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المتشبِّع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زورٍ» أخرجه البخاري ومسلم.
لهذا أقول: إن أول ما يجب على مجلس الأمناء الجديد أن يُبادر إلى دراسة تغيير اسم الاتحاد إلى: (الاتحاد العالمي لعلماء الإخوان المسلمون)، ولا علينا بعد ذلك إن رضي (الإخوان) لأنفسهم أن يعدُّوا في علمائهم كلَّ جاهلٍ بالشريعة من طبيب وفيلسوف وسياسي وصحفي ومفكر ومثقف، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
كتبه:
عبد الحق بن ملا حقي التركماني
السويد: رجب: 1431
-
فرحات عياط
22 تموز 2022جزاكم الله خير.