ظاهرة كثرة المساجد وتقاربها في بلاد الغرب
ظاهرة كثرة المساجد وتقاربها في بلاد الغرب
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد كتب إليَّ الإخوة الأفاضل في مسجد الغرباء بالمركز الإسلامي في مدينة لوتن يطلبون الرأي والنصيحة في قيام بعض الإخوة الذين اختلفوا معهم في أمور إدارية فحصلت منهم خصومةٌ وعداوةٌ حملتهم على هجر المسجد واستعداء السلطات على إدارته واللجوء إلى المحاكم، ثم بدأوا الآن بالعمل على تأسيس مسجدٍ جديدٍ في نفس المدينة، بل في نفس المحلَّة، مع أن مسجد الغرباء يسعُهم جميعًا، وقد تأسَّس عام 1992 على منهج أهل السنة والجماعة، واشترى الإخوة المبنى عام 2001، فصار المسجد مستوفيًا لأهم شروط المسجد وهو كونه وقفًا لله تعالى، وليس مستأجرًا كما هو حال أكثر «المصليات» في هذه البلاد، التي تسمَّى ـ أيضًا ـ مساجد، وما هي بمساجد في الحقيقة. لهذا فإن القائمين على مسجد الغرباء يرون أنَّ انشقاق أولئك الإخوة عنهم، ثم سعيهم الآن في تأسيس مسجدٍ جديدٍ في نفس المنطقة: «سيُسبِّب مزيدًا من الخلاف والفتنة في المجتمع المسلم، خاصة مع خصومتهم وعداوتهم مع المسجد الذي انشقوا عنه».
لقد صادف منِّي هذا الطلبُ رغبةً في الكتابة في هذا الموضوع المهمِّ، لأنَّ هذه المشكلة تكررتْ وتتكرر كثيرًا في هذه البلاد الأوروبية كلمَّا حصل خلاف وشقاق بين الإخوة، حتى تفرَّق كثيرٌ من المسلمين في مساجدَ صغيرةٍ في حيٍّ واحدٍ، وبذلوا في ذلك جهودًا كبيرةً، وصرفوا أموالًا طائلةً، وضيَّعوا طرفًا من أعمارهم ومن أوقات الجالية المسلمة واهتماماتهم في الخصومات والعداوات.
إنَّ من أهم أسباب هذه الظاهرة عدمُ وجودِ سلطةٍ تنظِّم بناء المساجد في هذه البلاد، كما أن كثيرًا منها إنما هي مسجَّلة في الجهات الرسمية بصفة مؤسسة خيرية أو اجتماعية، ثم يُشهِرُ القائمون عليها أنَّ مقرها «مسجد»، وقد سهَّلت هذه الطريقة تأسيس المساجد لأدنى سببٍ، وهو في الغالب سببٌ نفسي ـ من خصومةٍ أو مناكفةٍ أو رغبةٍ في التصدر والزعامة ـ، أو سبب ماديٍّ ـ من خلال العمل في وظائف المسجد أو المدرسة الملحقة به ـ. وهذه عللٌ قديمةٌ في النفوس تظهر كلَّما وُجدتْ أسبابُها، وتوفَّرت فرصُها، وقد ذكر الرَّحَّالةُ ابنُ حَوْقَل (توفي بعد: 367/977) في كتابه: «صورة الأرض» (طبعة لايدن: 1/120) من أحوال المسلمين في صِقِلِيَّة كثرةَ المساجد في بعض نواحيها من غير معنًى سوى ما أشرتُ إليه، فذكر أن في مدينة بَلَرْم Palermo أكثر من مئتي مسجدٍ، وقال:
«ولم أرَ لهذه العِدَّةِ من المساجد بمكانٍ ولا بلدٍ من البلدان الكبار التي تستولي على ضعف مساحتها شبهًا، ولا سمعتُ من يدَّعيه إلا ما يتذاكره أهل قرطبة من أن بها خمس مئة مسجد، ولم أقف على حقيقة ذلك من قرطبة، وأنا مُحقِّقُه بصقليةَ لأنِّي شاهدتُ أكثره، ولقد كنتُ واقفًا ذات يومٍ بها في جوار دار أبي محمد عبد الواحد بن محمد المعروف بالقَفْصِيِّ الفقيه الوثائقيِّ فرأيتُ من مسجده في مقدار رَمْيَةٍ سهمٍ نحو عشرةَ مساجدَ، يُدركها بصرِي، ومنها شيءٌ تجاه شيءٍ، وبينهما عَرْضُ الطَّريق فقط. وسألتُ عن ذلك؛ فأُخبِرْتُ أنَّ القوم لشدَّةِ انتفاخ رؤُوسهم كان يحبُّ كلُّ واحدٍ منهم أن يكون له مسجدٌ مقصورٌ عليه، لا يَشْرَكُه فيه غيرُ أهله وغاشيته، وربما كانا أخوان منهم، متلاصقةً داراهما، متصاقبةَ الحيطان، وقد عمل كلُّ واحدٍ منهما مسجدًا لنفسه ليكون جلوسه فيه وحده. وفي جملة هذه العشرة المساجد التي ذكرتُها مسجدٌ يُصلِّي فيه أبو محمد ابن القفصي ـ هذا ـ، وبينه وبين دار وَلَدٍ له ـ يتَفَقَّه، دونَ الأربعين ـ خطوةً، وقد ابتنَى ابنُه مسجدًا إلى جانب داره، وهو أحدُ حدودها الأول، جديدًا، مغلَقَ الباب أبدًا، ويحضر أوقات الصلاة وهو جالس في دِهْلِيز دارِه المجاورة الملاصقة لمسجده، فلا يُصلِّي فيه، وكأنَّ رغبته كانتْ في ابتنائه أن يقال: «مسجدُ الفقيه ابن الفقيه»! وهو حَدَثٌ، له من نفسه محلٌّ عظيمٌ، وخطرٌ جسيمٌ».
قال أبو مَسلمةَ عفا الله عنه: ففي وصف ابن حوقل ـ هذا ـ بيان بعض الأسباب الحاملة على تعدد المساجد وكثرتها، منها: العناد، والمكابرة، والأنانية، والتفاخر، والاستعلاء.
إن تعدد المساجد في بريطانيا ـ بل حتى كثرتها ـ أمر حسنٌ إن توزَّعت على مناطق انتشار الجاليات المسلمة بشكل مخطط ومقصود، ففي ذلك مصالح كثيرة، أوَّلها وأعظمها: إقامة ذكر الله تعالى وإعلاء كلمته والدعوة إلى الإسلام، ثم ما يتبع ذلك من المنافع للجالية المسلمة بخدمتهم في شؤونهم الدينية والاجتماعية، كما أن تعدد المساجد على أساس الخلفيات البلدانية والعِرْقية واللغوية للجاليات المسلمة فيه مصالح كبيرة في المحافظة على أبناء تلك الجاليات من خلال توظيف مشتركات تلك الخلفيات العرقية والثقافية واللغوية في تعليمهم وتوجيههم وتوثيق الروابط الاجتماعية بينهم، وتقوية هويتهم وانتمائهم المشترك، وإنما كلامُنا في تعدُّد المساجد وتقاربها في الحيِّ الواحد بلا مصلحة ظاهرة، بل بسبب التفرق في الدين شيعًا وأحزابًا، أو بسبب العداوة والبغضاء والخلاف على الدنيا ـ كما في حالتنا هذه ـ؛ فلا شكَّ أن تعدد المساجد وكثرتها في هذه الحالة أمر مذموم، مخالف لمقاصد الشريعة، وفتاوى العلماء الأعلام.
إنَّ أهمَّ شروط عمارة المساجد ماديًّا ومعنويًّا هو أن تكون بنيَّةٍ خالصةٍ لله تعالى، لا رياءً ولا سمعةً، ولا طمعًا في شيء من المكاسب الدنيوية المادية أو المعنوية، فإن المساجد بيوت الله، فلا بدَّ أن تُبنَى بهذه النية والقصد، كما قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (١٨)} [سورة الجنِّ]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)} [سورة التوبة].
والنية سرٌّ بين المسلم وربِّه، لا يطلع عليها أحدٌ، فلا يجوز اتِّهام أحد في نيته وقصده، فالقاعدة الشرعية تقول: «نحن نحكم بالظاهر والله يتولَّى السرائر»؛ لكن قد تدل القرائن القوية الظاهرة على خلل في النوايا والمقاصد؛ من ذلك سعي هؤلاء الإخوة في بناء مسجد في نفس الحيِّ، في موضع لا يبعد عن المسجد الأول إلا نحو كيلومترين فقط؛ فهذه قرينةٌ تحمِلُ على سوء الظنِّ فيهم، لأن من أراد أن يُعليَ كلمةَ الله تعالى ويخدم المسلمين ببناء مسجد جديد يبحث عن مدينةٍ أو محلَّة ليس فيها مسجدٌ، أو فيها مسجدٌ لا يكفي أهل تلك الناحية، أو فيها مسجد لأتباع بعض الفرق الضالة، أما أن يكون في نفس الحيِّ مسجدٌ على السنة، وهو يسعُ الساكنين فيه؛ فليس إقامة مسجد آخر بقربه عملًا صالحًا، بل هو من التفرُّق المذموم، ومن الشقاق والفتنة.
ثم سبب آخر يحمل على سوء الظنِّ فيهم؛ وهو أنهم يسكنون في نفس الحيِّ، فيريدون الاجتماع في مسجدهم الجديد، ولو أنهم بنوا مسجدًا في مكانٍ بعيدٍ عنهم؛ لما أمكنهم الذهاب إليه للصلوات الخمس، فيتبيَّن من هذا أن قصدهم الأصليُّ بناء المسجد لأنفسهم وليس للمسلمين، وإلا لجعلوه في موضع ليس فيه مسجد.
إنَّ بناء المساجد بهذه المقاصد المذمومة يدخل في عموم الحديث الذي أخرجه ابن ماجة (739)، وأبو داود (449)، والنسائي (689) من حديث أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعةُ حتَّى يتباهى النَّاسُ في المساجد».
فهذا الحديث ـ وإن كان المقصود منه تزيين المساجد وزخرفتها والمبالغة في بنائها ـ؛ فإنه يشمل ـ أيضًا ـ أصلَ بنائها دون حاجة أو مصلحة، كما تدلُّ عليه رواية أخرى لهذا الحديث أخرجها أبو يعلى (2817)، وابن خزيمة (1321)، والطبراني في «الأوسط» (7559)، والبغوي في «شرح السنة» (466) من طريق صالح بن رستم، قال: قال أبو قلابة الجَرْمِيُّ: غدونا مع أنس بن مالك رضي الله عنه إلى الزَّاوية [موضعٍ قريب من البصرة]، فحضرت صلاةُ الصُّبح، فمررنا بمسجدٍ، فقال أنس: لو صلينا في هذا المسجد. فقال بعض القوم: حتى نأتي المسجدَ الآخر. فقال أنس: أيَّ مسجدٍ؟ قالوا: مسجدٌ أُحدِثَ الآن. فقال أنسٌ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «سيأتي على أمَّتي زمانٌ يتباهون في المساجد ولا يُعمِّرونَها إلَّا قليلًا».
ولفظ الطبراني: «يتباهون بكثرة المساجد».
وفي صحة هذا الحديث خلافٌ، لكنه يصلح للاستشهاد في هذا المقام، وقد صحَّح الألبانيُّ الحديثَ في «صحيح سنن أبي داود» (476) باللفظ الأول عند أبي داود، وقال في «تمام المنَّة» 294 ـ عن الرواية الثانية عند ابن خزيمة ـ: «هو بهذا اللفظ ضعيف، وإن كان معناه مطابقًا للواقع اليوم».
وقال أبو طالب المكِّي (ت: 386) في «قوت القلوب» (دار الكتب العلمية، بيروت: 2005، 1/288): «وقد كانوا يكرهون كثرةَ المساجد في المحلَّة الواحدة. رُوي أنَّ أنس بن مالك رضي الله عنهما لما دخل البصرة جعل كلَّما خطا خطوتين رأى مسجدًا؛ فقال: ما هذه البدعة؟ لمَّا كثرت المساجد قلَّ المصلون، أشهَدُ لقد كانت القبيلةُ بأَسْرِها ليس فيها إلَّا مسجد واحد، وكان أهل القبائل يتناوبون المسجدَ الواحدَ في الحيِّ من الأحياء. واختلفوا في أيِّهما يصلِّي إذا اتَّفق مسجدان في محلَّةٍ، فمنهم من قال: في أقدمهما. وإليه ذهب أنس بن مالك وغيره من الصحابة، قال: وكانوا يجاوزون المساجد المحدثة إلى المساجد العُتُق. وكان الحسن يقول: يصلي في أقربهما منه».
وقال الفقيه ابن الحاج المالكي (ت: 737) في «المدخل» 2/100: «وقد ورد أن من أشراط الساعة كثرة المساجد وقلة المصلين فيها». ثم نقل كلام أبي طالب المكي. ونقله عن ابن الحاج: الونشريسيُّ (ت: 914) في «المعيار المعرب» 2/490.
وقال الفقيه الحنبلي أبو بكر بن زيدٍ الجراعي (ت: 883) في «تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد» (وزارة الأوقاف، الكويت: 2004، 366): «قال [الإمام] أحمد [بن حنبل]: لا يُبنَى مسجدٌ إلى جنب مسجدٍ آخر إلَّا لحاجةٍ، كضيق الأول ونحوه. وقال صالحٌ: قلت لأَبي [أحمد بن حنبل]: كم تستحبُّ أن يكون ما بين المسجدين إذا أرادوا أن يبنوا إلى جانبه مسجدًا؟ قال: لا يُبنَى مسجدٌ يُراد به الضرر لمسجدٍ إلى جنبه، فإن أكثر الناس حتى يضيق عليهم، فلا بأس أن يُبنى وإن قرب من ذلك. وقال [أحمد بن حنبل] ـ في رواية محمد بن موسى ـ وقد سُئل: يُبنَى مسجدٌ إلى جنب مسجدٍ؟ قال: لا تُبنَى المساجدُ ليَعْدِيَ بعضها بعضًا. فاتَّفقت الروايةُ على أنَّه لا يُبنَى لقصد الضرر. وإنْ لم يُقصَدْ، ولا حاجةَ؛ فرواية محمد بن موسى: لا يُبنَى، واختارها أبو العباس [ابن تيمية]، وأَنَّه يجب هدمها، وقال ـ فيما بُني جوار جامع بني أمية ـ: وزعم بعضهم: أن ظاهر رواية صالح يُبنَى مع عدم الحاجةِ إذا لم يُقصَد الضَّررُ. وليس بظاهرٍ؛ فإن الإمام أحمد قال: فإن كثُر الناسُ حتَّى يضيق عليهم فلا بأس، والله أعلم».
ونصُّ كلام شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية: «ويُنْشَأ مسجدٌ إلى جنب آخرَ إذا كان محتاجًا إليه، ولم يُقصَد الضَّرَرُ، فإن قُصِدَ الضَّررُ أو لا حاجةَ فلا يُنْشَأُ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، نقلها عنه محمد بن موسى، ويجبُ هدْمُه» (الاختيارات الفقهية ضمن «الفتاوى الكبرى» 5/349).
وقال الحجاوي في «الإقناع» (دار المعرفة، بيروت، 1/333): «ويحرم أن يُبنَى مسجدٌ إلى جنب مسجدٍ إلا لحاجةٍ كضيق الأول ونحوه». وقال البهوتي في «كشف القناع عن الإقناع» (وزارة العدل، الرياض: 1429/2008، 5/427) ـ في شرح كلام الحجاوي ـ: «كخوف فتنةٍ باجتماعهم في مسجدٍ واحدٍ. وظاهره: وإن لم يقصد المضارَّة. وعبارة «المنتهى»: ويحرم بناء مسجدٍ يُرادُ به الضَّررُ لمسجدٍ بقربه». وهذه الكتب (الإقناع وكشف القناع والمنتهى من الكتب المعتمدة في الفقه الحنبلي).
وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» [سورة التوبة: 107]: «قال علماؤُنا: لا يجوز أن يُبنَى مسجدٌ إلى جنب مسجدٍ، ويجب هدمُه، والمنعُ من بنائه، لئلَّا ينصرف أهل المسجد الأول فيبقى شاغرًا، إلا أن تكون المحلَّةُ كبيرةً؛ فلا يكفي أهلها مسجد واحد، فيُبنَى حينئذٍ».
وذكر السيوطي (ت: 911/1505) في كتابه: «الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع» (دار ابن القيم، السعودية: 1990، ص: 300) البِدعَ، فقال: «ومن ذلك: زخرفة المساجد، وتحلية المصاحف، وكثرة المساجد في المحلَّة الواحدة».
ونقل جمال الدين القاسمي (ت: 1332/1914) في «إصلاح المساجد» (المكتب الإسلامي، بيروت: 1983، 96) كلامَ السيوطيِّ، وزاد عليه بالبيان والتعليل فقال: «وذلك لما فيه من تفريق الجَمْعِ، وتشتيت شَمْلِ المصلين، وحَلِّ عروة الانضمام في العبادة، وذهاب رونق وفرة المتعبِّدين، وتعديد الكلمة، واختلاف المشارب، ومضادَّة حكمة مشروعيَّة الجماعات ـ أعني: اتحادَ الأصوات على أداء العبادات، وعودَهم على بعضهم بالمنافع والمعونات ـ، والمُضَارَّةِ بالمسجد القديم، أو شِبْهَ المضارَّةِ، أو محبَّة الشهرة والسمعة، وصرف الأموال فيما لا ضرورةَ فيه».
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421/2001): «لا بُدَّ أن نعلم أنه لا يجوز بناءُ مسجدٍ وبقربه مسجدٌ آخر، لأنَّ هذا يُشبه مسجدَ الضِّرار الذي نهى الله سبحانه وتعالى عن أن يقوم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن المنافقين بنوا مسجدًا قرب مسجد قُبَاء ليفرِّقوا المؤمنين، ويضارُّوا بهم، فقال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٠٧) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: 107-108]. هؤلاء الذين بنوا مسجدًا وبقربه مساجدُ أخرى، وإن كان ليس بكفرٍ إن شاء الله، وليس بمضارَّة ـ أي: ولم يقصدوا المضارَّةَ ـ؛ ولكن فيه المعنى الثالث، وهو التفريق بين المؤمنين، فلا يجوز لهم أن يبنوا هذا المسجد، ولا يجوز ـ أيضًا ـ للمسؤولين عن المساجد أن يرخِّصُوا لكل من أراد أن يبني مسجدًا أن يبنيَ، بل الواجب النظر هل هذه الأحياء تحتاج إلى مساجدَ لتباعد ما بينها، أو لا تحتاج، فيبقى المسجد الأول هو المسجد» (فتاوى نور على الدرب).
فهذا طرفٌ من كلام العلماء في هذه المسألة، ونخلص من خلالها إلى هذه الجُمَل:
1- أن كثرة المساجد في المحلَّة الواحدة مكروهٌ باتِّفاق العلماء.
2- أن بناء مسجدٍ جديدٍ قريبًا من مسجدٍ قديمٍ تُصلَّى فيه الجمعة والجماعات، من غير حاجة ملحة أو مصلحة ظاهرة؛ حرامٌ.
3- وهو أشدُّ حرمةً إن كان المقصود من بناء المسجد الجديد المضارَّة بالمسجد القديم، وتفريق المصلين، خاصة إن وجدت أسباب التفرق من الاختلاف والعداوة والمناكفة.
4- أنَّ في كثرة المساجد وتقاربها مخالفةً لمقاصد الشريعة في عمارة المساجد، كما بيَّنه القاسمي في كلامه.
5- أنَّ بناء مسجد جديد بقرب المسجد القديم إن كان بقصد المضارَّة والتفريق بين المسلمين فهو من أفعال المنافقين الذين ذمَّهم الله تعالى في سورة التوبة، وإن كان من غير قصد المضارة والتفريق ففيه مشابهةٌ بأفعال المنافقين وصفاتهم.
قال أبو مسلمة عفا الله عنه: لهذا؛ فالواجب على كل مسلم يبتغي وجه الله تعالى والدار الآخرة، ويحذر من الوقوع في الفتن والمشاركة فيها؛ أَلَّا يشاركَ في بناء مسجدٍ جديدٍ في نفس الحي الذي فيه مسجد قائم على منهاج الكتاب والسنة، مفتوح أبوابُه، تقام فيه الجمعة والجماعات، فإن هذا العمل ليس من وجوه الخير، ولا أعمال البرِّ، بل إن فيه تشتيتًا للجهود، وإضاعةً للأموال، وإثارة للشقاق والفتنة بين المسلمين.
والواجبُ على طلبة العلم والدعاة ـ أيضًا ـ نصيحة أولئك الإخوة المخالفين، والإنكار عليهم، وتنفير عامة المسلمين من التعاون معهم.
أسأل الله تعالى أن يعصمنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه.
والحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه:
أبو مَسلَمةَ عبدُ الحق التركماني
ليستر في يوم الخميس 19 ذو القعدة 1444 الموافق 8 حزيران 2023
تعليقات بعض المشايخ الفضلاء على المقال بعد نشره في أحد المنتديات:
1- فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عاصم بن عبد الله القريوتي، أستاذ الحديث في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ثم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض:
«الحمد لله، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وبعد: فلقد اطلعت على ما كتبه أخونا فضيلة الشيخ عبد الحق التركماني ـ وفقنا الله وإياه لكل خير ـ حول مسألة كثرة المساجد وتقاربها، وعليه أقول: إن انتشار المساجد وكثرتها من علامة الخير في الأمة، وهو مما يشجع الناس على أداء الصلاة في بيوت الله، لا سيما في المناطق التي تخلو من مساجد بالكلية فهي أولى من بنائها في أماكن يوجد فيها من المساجد ما يكفي المصلين. وإن اجتماع المصلين في مسجد واحد من شأنه أن يحقق الألفة بينهم، ويزيد في ترابطهم، وأما إذا كانت الحارات متباعدة كل حارة لها مسجد حتى لا يشق على أهلها، فلا مانع من ذلك، شريطة أن لا يكون بناء المساجد بتقارب شديد، لئلَّا يؤدي ذلك إلى تفريق جماعة المسلمين، ولو قدِّر أن هناك مسجدين أحدهما أكثرُ جماعة مِن الآخر فالأفضلُ أن يذهبَ إلى الأكثرِ جماعةً، كما حرره سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صلاةُ الرَّجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاتُه مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحبُّ إلى الله عزَّ وجلَّ». أخرجه أبو داود والنسائي، وهو حديث حسن بشواهده.
والذي يجب التنبُّه له أنه إذا أُريد بناء مسجد في مكانٍ ما؛ ينبغي أن يكون لضرورة أو حاجة له في هذا المكان، وليس مسجدًا يراد منه الإضرار بمسجد آخر أو بالمسلمين، ونصَّ العلماءُ على تحريمِ بناءِ مسجدٍ بجوارِ مسجدٍ أو بالقُرْبِ منه لقصدِ الإضرارِ والمنافَسَةِ لِما فيه مِن تفريقِ جماعةِ المسلمين وإحداثِ التقاطُعِ بينهم وشَقِّ عصاهم؛ فإنَّ كُلَّ مسجدٍ بُنِيَ تحدِّيًا للمسلمين وإضرارًا بهم أو للرياءِ والسمعةِ فهو مسجدُ الضرارِ أو في حُكْمِه، يُصْنَع به كما يُصْنَع بالمسجد الضرار، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٠٧) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)﴾ [التوبة: 107-108] .
وأما تعدد إقامة صلاة الجمعة في أكثر من مسجد في البلد إذا دعت الحاجة إلى ذلك: كسعة البلد، وتباعد أقطاره، وبُعد الجامع أو ضيقه، فيجوز التعدُّد بحسبها فقط، كما ذكر ذلك الطحاوي وابن تيمية وابن مفلح وغيرهم ـ رحمهم الله جميعًا ـ، وهو الموافق لقواعد الشرع المطهر، وأصول الشريعة.
وبناء على ما سبق يتَّضح موافقة ما كتبه أخونا الشيخ عبد الحق التركماني لتقرير أهل العلم، وأتَّفق معه فيما حرَّرَه ونصح به إخوانَنا في ديار الغرب، جزاه الله خيرًا، والحمد لله رب العالمين».
2- فضيلة الشيخ الدكتور باسم فيصل الجوابرة، أستاذ الحديث بكلية الشريعة قسم أصول الدين بالجامعة الأردنية، عمَّان:
«جزى الله خيرًا فضيلة الشيخ عبد الحق على هذا الكلام الطيب والنقولات الكثيرة على كراهية تعدد المساجد في منطقة واحدة، وهذا يسبب البغضاء والكراهية بين الإخوة الذين هم على منهج واحد. فأناشد الإخوة جميعًا على محبة بعضهم بعضًا، ويبتعدوا عن الخلافات والمنازعات والشقاقات، وقد أمرنا الله بالاجتماع والمحبة؛ فقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)﴾ [آل عمران: 103]».
3- فضيلة الشيخ حسين العوايشة، الأردن:
«جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ. قالَ سبحانه وتعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾. فالصادقون المتقون يعتصمون بحبل الله المتين، سبيل النجاة، ويجاهدون أهواءهم، ويسعون للتآلف؛ لنشر الخير والرحمة بين الناس. وقد حذَّر الله من الاختلاف؛ إذ قال جل ثناؤه: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)﴾ [الأنفال: 46]. اللهم ألِّف بيننا، واجمعنا على البر والتقوى. وأحسن الله إليكم».
4- فضيلة الشيخ الدكتور زياد سليم العبادي، أستاذ الحديث في كلية الشريعة، الجامعة الأردنيَّة، عمان:
«جزى الله خيرًا الشيخ عبد الحق على ما كتب محذرًا تحذير المحبِّ لإخوانه، فما أحوج إخواننا في الغربة إلى التآلف والتحابِّ والحذر من الفرقة والاختلاف. ونتذكر في مثل هذا مسجد الضرار؛ فمع أنه بيت من بيوت الله ظاهرًا ولكن حولته النية والحال الذي بني بسببه إلى هذا الاسم بنص كتاب الله، ونتذكر في التاريخ الإسلامي أن مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم مكثت سنوات طوال طوال على كثرة مصلياتها لا يصلون الجمعة إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. واقتراب الأجساد اقتراب القلوب. وبداية الخلاف والنزاع يبدأ من ابتعاد الأجساد. ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، ما أحوج إخواننا إلى الألفة والإيثار، والابتعاد عن الأنا التي تصنع الأنانية. واختلافنا في مسائل يسوغ فيها الاختلاف لا ينبغي أن تسبب نزاعنا وفرقتنا. نسأل الله أن يؤلف بين القلوب وأن يصلح النفوس».
5- فضيلة الشيخ أبو عثمان محمد حسين شعبان حسن، باحث وكاتب في العلوم الشرعية، خريج كلية الدعوة وأصول الدين، الأردن:
«جزاكم الله خيرًا على حرصكم على توحيد الصَّف المسلم على كلمة التوحيد التي يُنادَى بها في اليوم خمس مرات مِن بيوت الله عزَّ وجلَّ، فالمسجد يجمع النَّاس ولا يفرقهم، بخلاف (مسجد ضرار)، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى فرق دقيق بين المسجدين، فقال: «فقوله: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى﴾ يتناول مسجده ومسجد قباء، ويتناول كل مسجد أسس على التقوى بخلاف مساجد الضرار. ولهذا كان السلف يكرهون الصلاة فيما يشبه ذلك، ويرون العتيق أفضل من الجديد؛ لأن العتيق أبعد عن أن يكون بني ضرارًا من الجديد الذي يخاف ذلك فيه، وعتق المسجد مما يحمد به؛ ولهذا قال: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 33]». (مجموع الفتاوى: 7/ 470).
وقال رحمه الله: «اجتماع الناس في مسجد واحد أفضل مِن تفريقهم في مسجدين؛ لأنَّ الجمع كلَّما كثر كان أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى».». (مجموع الفتاوى: 31/220- 221).
وقال رحمه الله: «وأما عند قلَّة أهل البقعة واكتفائهم بمسجد واحد ـ مثل أن يكونوا حوله ـ فلا يجب تفريق شملهم في غير مسجدهم». (مجموع الفتاوى: 31/ 255).
نسأل الله تعالى أنْ يُصلح سرائرنا، وأنْ نُحسن فهم ديننا، ويزيدنا علمًا. والله الهادي».
6- فضيلة الشيخ الدكتور مالك حسين، عضو هيئة التدريس في معهد العلوم الإسلامية والعربية في إندونيسيا، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض:
«جزى الله خيرًا الشيخ عبد الحق التركماني على هذا البحث الجميل؛ الذي يعالج ظاهرة أصبحت منتشرة في طول الأرض وعرضها ليس بين المسلمين فحسب؛ بل بين أبناء المنهج السلفي كذلك، ولهذا أسبابه ودوافعه، وقد أوضح ذلك الشيخ عبد الحق، والنصيحة في هذا المقام: أن الاجتماع والألفة وذم الاختلاف والفرقة من مقاصد الإسلام، والاجتماع في المساجد مما يرسخ هذا الأمر ويزيده ثباتًا، فنسأل الله تعالى أن يجمع القلوب على طاعته، وأن يؤلف بينها، إنه ولي ذلك والقادر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم».
7- فضيلة الشيخ عبد المالك الرمضاني الجزائري:
«لقد أكرمني الله الآن بقراءة ما كتبه أخونا البحاثة الموفق الشيخ عبد الحق التركماني تحت عنوان: (ظاهرة كثرة المساجد وتقاربها في بلاد الغرب)، فوجدته نافعًا جدًّا، وفي الصميم، وقد كنت منذ زمن ألاحظ ذلك، ونبَّهت عليه في كلمتي التي ألقيتها في مؤتمر لوتن الأخير، وذكَّرت الحضور بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين واحدة، حتى لقد هممتُ أن أبث رجالًا في الدُّوُر ينادون الناس لحين الصلاة، وحتى هممت أن آمر رجالًا يقومون على الآطام ينادون المسلمين بحين الصلاة». رواه أبو داود والحاكم قال الشيخ الألباني: «صحيح». أخوكم عبد المالك الرمضاني».
8- فضيلة الشيخ وليد سيف النصر:
«جزاه الله خيرًا على هذا البحث الطيب المبارك. وقد مدح الله بيته الحرام بالأولية، وسمَّاه البيت العتيق فمدحه بأنه عتيق وقديم. وجعل للمصلي فيه أن له الأجر العظيم جدًّا بالنسبة للبيت الذي بني بعده بأربعين سنة، وهو المسجد الأقصى، فكان الأول بمئة ألف، والثاني بخمسين ومئتي صلاة فقط. ولذلك كان السلف يسألون عن المسجد أَقديم أم جديد؟! فإن كان قديمًا صلَّوْا فيه، وإن كان جديدًا تجاوزوه ولم يصلوا فيه؛ كما ورد عن مجاهد وغيره من السلف. فما ذكره فضيلة الشيخ عبد الحق من نُقُولٍ، ومفاسد متحققة، وقد أصاب بها كبد الحقيقة، فبارك الله في جهوده وجهود إخواننا، ولذا فأنا أثني على كلامه وكلام المشايخ، وأَنهَى عن ابتناء مسجد قريبًا من مسجد الإخوة، وأنصحهم أن يجتمعوا جميعًا في مسجد واحدٍ وهو الأول، أجمعين متآلفين. والحفاظُ على جماعة المسلمين من أصول أهل السنة والجماعة، ومن سماتهم، وأن يحافظوا على هذا الأصل، ولو فتح هذا الباب لتفرق المسلمون في الحي الواحد، ووقعت محاذير، ولتشبَّهنا بالمنافقين الذين بنوا مسجدًا ضرارًا وتفريقًا بين المؤمنين. وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 46]. وقال: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١)﴾ [التوبة: 71]. فرحمنا الله وإياكم وجعلنا من المتحابين فيه، والمتباذلين فيه، الذين يكونون على منابر من نور يوم القيامة. وجمعنا وإياكم مع النبي محمد وصحبه. والحمد لله رب العالمين».
- لا يوجد تعليقات بعد