موقع الشيخ عبد الحق التركماني - القرضاوي والتلميذ العاق (عمرو خالد)

/ 25 أبريل 2024

للتواصل 00447432020200

القرضاوي والتلميذ العاق (عمرو خالد)

نشرت بواسطة : إدارة الموقع / 1 يوليو 2019 1132

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

النقد الصريح الذي وجهه الدكتور يوسف القرضاوي أصلحه الله إلى داعية الجهالة والضلالة عمرو خالد؛ كشف عن حجم الإحباط والأسى الذي يشعر به الشيخ إزاء تمرُّد الأخير عليه في مسألة حملة مناصرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حيث خالف هذا الدَّعيُّ الجميعَ فطار إلى الدانمرك ـ بلد الجريمة ـ لعقد مؤتمرٍ في ضيافة حكومتها المستكبرة التي ما زالت ترفض الاعتذار للمسلمين في قضية الرسوم المسيئة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وبهذه المناسبة رأيتُ كَتْبَ هذه الكلمة لا شماتةً في الشيخ، وإنما نصيحة خالصة، إن لم ينتفع هو بها فلعلَّ آخرين ينتفعون بها، فعمرو خالد ليس شخصًا واحدًا فحسب، بل هو ظاهرةٌ عرفها التاريخ الإسلامي فيما مضى، وسيستمر وجودها، وإن تغيَّرت الأسماء من (القصاص) و(المذكرين) و(الحكاواتية) إلى (الدعاة) و(المفكرين) و(نجوم الفضائيات)؛ فالأسماء لا تغيِّر حقائق المسمَّيات.

وأول ذلك: أن يعلم القرضاوي أنَّ عمرو خالد وأمثاله من المتطفلين على ميدان الدعوة لم يكونوا لينالوا هذه الشهرة الواسعة والانتشار الكبير لو أن العلماء والمنتسبين للعلم تصدَّوا لهذه الظاهرة الخطيرة وحذَّروا الأمة منها،كما حذَّر منها نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه المشهور: ((إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) [البخاري: 100]، بل لم نجد من القرضاوي إلا التبرير لهذه الظاهرة، والدفاع عن نجومها، والزعم بأنَّهم دعاة فقط، ينحصر دورهم في تذكير الناس وتحريك مشاعرهم الدينيَّة، وغفل الشيخ أن الدعاة هم العلماء لا غيرهم، وهل يراد من العلم إلا الدعوة؟ وهل يراد من الدعوة إلا إيصال العلم إلى المدعوِّين؟ فماذا لدى عمرو خالد ـ لاعب الكرة ومدقِّق الحسابات ـ من العلم ليوصله للناس؟ بل هو يفتخر (كما في بعض المقابلات الصحفية معه) بجهله، ويصرِّح أن معلوماته الشرعيَّة محدودة جدًّا. وهذه مسبَّة كبيرة عند كلِّ من يعلم حقيقة الدعوة إلى الله تعالى وأهميتها، ولكن القرضاوي جعلها خصلة محمودة بدعوى أن عمرًا لا يتكلَّم في غير فنِّه، وتبعه في ذلك الدكتور سلمان العودة هداه الله فزعم أن عمرًا لا يتكلم في مسائل الفقه والفتوى، وذلك أمر يشكر عليه.

ولو تدبَّر الشيخان لعلما أن ما يخوض فيه عمرٌو لهو أخطر وأجلُّ مما يُحجم عنه، فماذا على عمرٍو لو أنه سئل عن الطلاق الثلاث: هل يقع؟ فقال: (نعم) أو قال: (لا) وليس هاهنا جواب ثالثٌ، وهو في كلِّ واحدٍ منهما موافقٌ لطائفة من الفقهاء، وماذا عليه لو أنَّه أفتى في مسألة عملية تتعلق أحكامها وتنحصر آثارها في فردٍ أو أفرادٍ معدودين من الأمة، لكنَّه يتوَّرع عن الفتوى في دم البعوض ليخوض في أخطر قضية على الإطلاق: وهو تفسير الدِّين من حيثُ كونُه دينًا. لهذا يركِّز على الكلام في دعوة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأهدافها ومقاصدها، وفي الغاية من الخلق، وفي منهج التدين والعبادة والعمل والسلوك، وفي حركة التاريخ والحياة والناس. وقد عاث فسادًا ـ بالتشويه والمسخ والتحريف ـ في كلِّ هذه القضايا الخطيرة الهامَّة التي هي أهمُّ وأجلُّ من كثير من المسائل الشرعية العلمية والعملية، فقد فسَّرها تفسيرًا ماديًّا نفعيًّا قريبًا من تفسير غلاة الصوفية والفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام. فأيش ينفع بعد ذلك أن يرجع المسلم إلى الفقهاء لمعرفة أحكام الصلاة وقد رسَّخ عمرو خالد في ذهنه أن الصلاة وسيلة للتنمية والتطور، أو أن يحجَّ ويعتمر وَفق ما يعلِّمه الفقهاء لكن تحت الشعار الذي رفعه عمرٌو: (الإيمان من أجل التنمية)!

فأين كان القرضاوي والعودة عندما أحيى عمرو خالد مجالس القصاص في رمضان (1426)، إذ جلس في قاعة فندق مطلٍّ على المسجد النبويِّ ليمارس أسوأ مسخٍ وتشويه عُرِّضت لها السيرة النبوية عبر (الفضائيَّات)، وليعلِّق قلوب الناس بالقبر الشريف على وجهٍ بدعيٍّ، فيحرِّض العوام من أمثاله ـ بلهجته العامية، فهو لا يحسن غيرها ـ قائلًا: (روحْلُوا.. أُللو: مشتاق لك يا رسول الله! إنت اشتغلت كثير وتعبت كثير..)! وليعلِّق قلوب العامة أيضًا بالآثار التي اتَّفق علماء أهل السنَّة على عدم مشروعيَّة زيارتها، فإذا بعمرٍو يصعد إلى غار حراء في مشاهد (سينمائية) مثيرة تصاحبها موسيقى هادئة(!)، حتَّى إذا وصل إليه قال كلمات أشبه ما تكون بهذيان ممرور!

وقد ابتليت بمشاهدة بعض الحلقات الأولى من تلك المجالس، فحمدتُ الله على السلامة، وتذكرت أن العلم يلجم صاحبه، فلا يتكلَّم إلا بعد بحث وتحقيق وتمحيص، لهذا كان كلامُ السلف ـ كما قال بعض أهل العلم ـ: (قليلًا كثير البركة)، وهكذا حال علماء أهل السنة في عصرنا. أما الجهل فيطلق لسان صاحبه، ويحمله على الجرأة والتهور، وهكذا هو حال عمرو خالد وأمثاله.

ومما أذكره من بوائقه: زعمه أن خلوة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غار حراء كان للتفكير في الإصلاح والتغيير، ودندن حول هذا المعنى كثيرًا، وكذب الجهول في ذلك وافترى، وإنما كان صلى الله عليه وسلم (يتعبَّد فيه الليالي ذوات العدد) كما في (صحيح البخاري)، وكان ذلك معروفًا عند قريش في جاهليَّتها كما في (سيرة ابن هشام: 1/235). ودعوى أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يعتزل للتفكير والتأمل هي من جنس قول الفلاسفة أن النبوة تنال بالكسب، ومما يفرح بها المستشرقون والطاعنون في نبوته صلى الله عليه وسلم، الذين يزعمون أنَّه كان زعيمًا قوميًّا ومصلحًا عظيمًا، والله تعالى قد كذَّبهم بقوله سبحانه: {وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِّلْكَافِرِينَ} [القصص: 86]، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].

ومما أذكره من مضحكاته المبكيات: زعمه أن جبريل عليه السلام ينزل في كلِّ سنة مرة إلى الأرض، ثم تساءل: لماذا ينزل وقد انقطع الوحيُ؟ وأجاب: (علشان يطمئن على الرسالة، يشوف حالها إزَّاي؟) ثم تساءل: (يا تُرى هو السنة دي لما ينزل حا يفرح وللا حا يحزن؟ لا، إن شاء الله حا يفرح)! هكذا قال، والله المستعان، وهو لجهله بعقيدة الإسلام في الملائكة: لا يعرف وظائفهم ولا كيفية نزولهم، ولا صفاتهم وجوبًا وامتناعاً وجوازًا.

وابتليت أيضًا بالاستماع إلى خاتمة تلك المجالس (وهي منشورة في موقعه الرسمي)، وقد لخَّص فيها دروس السيرة ليخرج بمعالم كليَّة لها، لا يمكنني هنا الخوض في كشف ما فيها من جهالات وضلالات، لكنِّي أكتفي بالإشارة إلى ما ذكره في المعلم الخامس عشر ـ وهو الأخير ـ من معالم سيرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ودعوته وجهاده، وهو (الإيمان)، حيث قال: (الإيمان هو الدافع للنجاح!) ثم بيَّن أن (الإيمان) هو أساس النهضة، ولكنَّه انتبه إلى أن ذكر (الإيمان) في هذا السياق ـ أعني: سياق دعوة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسيرته ـ يعني: (توحيد الله تعالى في العبادة، ومحاربة الشرك، والإيمان بأسمائه وصفاته، وملائكته وكتبه ورسله) وشرط هذا: (الإيمانُ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذي أنزل عليه.) فإلى هذا الإيمان دعا النبيُّ الناسَ أجمعين، ومن أجله تحمَّل المشاقَّ والصعاب، وهاجر وقاتل، وعلَّم وربَّى؛ بأبي هو وأُمِّي صلى الله عليه وسلم. لكنَّ عمرًا أفسد هذا كلَّه ومسخه وصرف أذهان مشاهديه عنه عندما قال بالحرف الواحد: (يا جماعة اللي عايز يعمل تنمية ونهضة ويقول: بس بلاش الدين وبلاش الإيمان، يبقى مش فاهم حقيقة شعوب المنطقة دي، شعوب المنطقة دي ما تفهمش إلا لغة واحدة: لغة الإيمان: مسلمين أو مسيحيين إحنا ما عندناش تفرقة. لكن بنقول: أعظم حاجة موجودة جوَّا وجدان الشعوب دي.. الموروث الحضاري بتاعهم اسمه: الإيمان)! وهكذا يجعل عمرو خالد للإيمان مسمًّى واحدًا يجمع (إيمان) رسول الله وصحابته وأتباعه الحقَّ و(كفر) الذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، ويكذِّبون بخاتم الرسل، فالإيمان والكفر ـ عنده ـ من جنس واحدٍ وهو كلُّ (اعتقاد دافع للعمل) لهذا وصفه بأنه (موروث حضاريٌّ)، ولعله يريد الإشارة إلى العالم الغربي الذي يزعم هو وأمثاله من الإسلاميين أنه تخلَّى عن (موروثه الحضاريِّ)، فليطمئن الأستاذ عمرو خالد بأنَّ عظيم العالم الغربي الرئيس جورج بوش، صاحب (إيمانٍ) قويٍّ وراسخٍ، فهو دائم التردُّد على الكنيسة، ويستفتح يومه بالقراءة من (الكتاب المقدَّس)، وترانيمه وصلواته الدائمة منحته قوة القرار على حرب أفغانستان والعراق رغم المعارضة الدولية الكبيرة، وبتلك الترانيم والصلوات تستمر جرائمه فيها وفي غيرهما من بلاد الإسلام. نعم: إنه ـ حسب اصطلاح عمرو خالد ـ: (الإيمان) و(الموروث الحضاري) لابن تكساس المحارب، أما في اصطلاح القرآن والسنة وأهل الإسلام: فهو (الكفر) لا غير، ولا يطلق لفظ (الإيمان) إلا على اتباع محمدٍ صلى الله عليه وسلم، والتسليم بكلِّ من جاء به، فمن لم يفعل فهو كافرٌ مخلَّدٌ في النار، ولا يزيده تمسكه بكفره وحماسته له وعمله من أجله أو بدافع منه ـ وهو ما يسميه عمرو خالد: (إيمانًا) ـ إلا كفرًا وضلالًا، وخزيًا وشقاءً في الدنيا والآخرة: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 6-7]؛ فمن أراد إصلاح الأرض والتنمية والتطور فعليه أن يدعو الناس إلى أن يكونوا من (خير البرية)، لا أن يقرَّهم على كفرهم وهو يعلم بشهادة الله عليهم أنَّهم (شرُّ البرية) بسبب كفرهم الذي هو أصل الفساد في الأرض ماديًّا ومعنويًّا: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]؛ ولا يصحُّ في العقل أن يكون المراد (ما كسبت أيدي خير البريَّة)، فلم يبق إلا: (ما كسبت أيدي شر البريَّة)؛ وهم الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ـ بنصِّ القرآن ـ وهم أصحاب (الإيمان) الذي يدفعهم إلى الإصلاح والنهضة؛ بدعوى عمرو خالد الباطلة الزائفة!

فهذا نموذج مما تعلَّق بذهني بمجرَّد سماع بعض الحلقات الأولى من برنامج: (على خطا الحبيب) مع خاتمة الحلقة الأخيرة، وبينهما أكثر من خمس وعشرين حلقةً لم أسمعها، الله أعلم بما تضمنتها من المخالفات لأصول الدين، وقواعد الإسلام، وكليات الشريعة، أما الأحكام التفصيلية فحدِّث ولا حرجَ إلا حرجًا يقطِّع القلب أسًى على ما تردَّى إليه حال الدعوة إلى الله تعالى في هذا العصر!

ولا أدري كيف لم يستمع القرضاوي إلى تلك الحلقات أو بعضها، ولا عذر له في كثرة أعماله والتزاماته، فقد تفرَّغ في رمضان (1422) لمشاهدة بعض حلقات المسلسل الرمضاني: (الحاج متولي) لصديقه الأستاذ الكبير ـ حسب وصفه ـ: نور الشريف. وقد أظهر الفنان الكبير براعة في تمثيل دور اصطياد النساء المتبرجات الجميلات الفاتنات، وقدرة على التحكُّم فيهنَّ خاصَّة عندما يطلق صوت الغناء والموسيقى ويطلب من زوجه أن ترقص له، فتستجيب ـ مأزورة لا مأجورة ـ لعلها تعين الصائمين المتخمين بعد ساعة الإفطار على الهضم! ولم يفت القرضاوي أن يحيِّي الفنان الكبير على رائعته هذه من خلال برنامج: (الشريعة والحياة)! فكيف فات الشيخ الفقيه أن يحذِّر الناس من العبث في سيرة النبيِّ المختار عليه الصلاة والسلام؟!

وربَّما يستدرك عليَّ بعض الفضلاء: بأن القرضاويَّ معروف بمخالفاته الواضحة، وفتاويه الشاذة، فما أنت إلا كالمستجير من الرمضاء بالنَّار؟

فأقول: نعم؛ لكنِّي أردت أن أقول له ـ وقد بلغ تلميذه المدلَّل درجة من الغرور لا يطيقها ـ: (يداكا أوكتا وفوك نفخ)! والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين، ويقيهم شرَّ الرويبضة المتعالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كتبه:

عبد الحق التركماني

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد