موقع الشيخ عبد الحق التركماني - إسلام سفيان الذي لم يعرفه أحد

/ 2 مايو 2024

للتواصل 00447432020200

إسلام سفيان الذي لم يعرفه أحد

نشرت بواسطة : إدارة الموقع / 13 يونيو 2023 3568

إسلام سفيان الذي لم يعرفه أحد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي يرث الأرض ومَنْ عليها، وهو خير الوارثين، الذي كتب على عباده الفناء، وهو الحيُّ القيوم الذي لا يموت، وصلى الله على محمد عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أيها القراء!

إنكم لا تعرفون إسلام سفيان.

ولا عليكم أن لا تعرفوه، فإنني لم أعرفه أيضًا.

لقد اختار الله له أن لا يعرفه أحدٌ، فقد عاش وحيدًا فريدًا غريبًا، وعندما جاءه ملك الموت كان في شقته وحيدًا، ولم يعرف أحد من أهل بيته بموته إلا عندما ذهبوا للاطمئنان عليه.

ترجع صلتي به إلى نحو عشرين سنة مضت، يوم أردت تأسيس موقعي الشخصي، ولاحظت أن بعض المواقع الإسلامية المشهورة بإدارة (شبكة البدر للاستضافة)، فكتبت إليها، فجاء الردُّ من صاحبها ومديرها: إسلام سفيان، وتولَّى تأسيس موقعي، وعهدت إليه إدارته، فقام بذلك على أحسن وجه، واستمر على ذلك بصدق وأمانة وإتقان حتى توفَّاه الله تعالى.

توثقت الصلة بيننا فعرض عليَّ رعاية المواقع التي أسسها أو كان يديرها.

أهم تلك المواقع «موقع روح الإسلام» فهو روح إسلام سفيان وقلبه، وثمرة جده واجتهاده، ونتاج همته وعمله، كتب في التعريف به: «تأسس موقع روح الإسلام بمبادرة فردية وجهود ومساهمة بعض المتطوعين عام (2003م). يهدف الموقع إلى نشر الكتب والمراجع الإسلامية المختلفة من مصادرها الموثوقة عن طريق نشر كتب التراث الإسلامي أو المؤلفات الحديثة، ويستخدم لنشر العلم وسائل النشر النصية والصوتية والمرئية، ويعتبر بمثابة وسيلة إلى تقديم المعرفة العامة للجميع. ويعتمد الموقع على مصادر معروفة على الانترنت، وتعتبر موثوقة للكتب والمواد المنشورة، منها مواقع رسمية للعلماء ودور الإفتاء، بالإضافة إلى مواقع ومنتديات أخرى».

وقد كان موقع (روح الإسلام) مرجعًا مهمًا لطلاب العلم وعامة المسلمين في «ذلك العصر» أعني منذ تأسيسه إلى أن دخلنا في السنوات الأخيرة «عصرًا جديدًا» صارت فيه الكتب النصية والمصورة مبذولة في مئات المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي.

ولأهمية الموقع وشهرته الواسعة كتبت الدكتورة منال حمزة عبد الله بنونة، من كلية الشريعة بجامعة الطائف، ورقة بحثية بعنوان: «جهود موقع روح الإسلام في خدمة الباحثين في مجال الدراسات العقدية والشرعية»، شاركت بها في المؤتمر الدولي الأول في الدراسات الفقهية والشرعية الذي أقيم في كوالالمبور، ماليزيا (2016).

وفي أول سنة (1441) نبهني أحد العلماء الأفاضل إلى أن (روح الإسلام) يشتمل على كتب لبعض المنحرفين عن السنة، فطلبت من إسلام أن يعيد النظر في جميع مواد الموقع، فاعتذر بقلَّة علمه بهذه المسائل، وطلب المساعدة، فأسندت الأمر إلى أحد طلبة العلم، وجعلت لهما مجموعة اتصال، فكان إسلام يعرض عليه محتويات الموقع، ويوجهه صاحبنا إلى حذف ما يراه مخالفًا من كتب وأبحاث المعاصرين، أما كتب «التراث» فأبقيا عليها كلها، وأنجزا مراجعة جميع المواد في ثلاث سنين.

ومن تلك المواقع «موقع الشيخ الألباني رحمه الله»، وكان بعض الشباب جمعوا مادته، وأنفق عليه بعض طلبة العلم، لكنه لم يستمر، فوافقت على رغبة إسلام في رعاية الموقع، واشترطت عليه تطوير الموقع وتنظيم مادته، ففعل جزاه الله خيرًا، ثم رأينا أن ننقل ملكية الموقع وإدارته إلى جهة أخرى، لكنه احتفظ بنسخة منه، وسماها: (أرشيف الألباني).

ومن المواقع التي أولاها اهتمامه ورعايته «موقع الشيخ عبد السلام البرجس رحمه الله».

ولما طلب مني الشيخ سعد بن عبد الرحمن الحصين رحمه الله المساعدة في تأسيس موقع له؛ أسندت الأمر إلى إسلام وأنجز تأسيس الموقع، وكان يقوم بتنضيد مقالات الشيخ؛ فقد كان الشيخ يرسلها لنا عن طريق (الفاكس)، ولما انتهى زمن الفاكس اضطررتُ إلى الاشتراك في خدمة استقبال (الفاكس) على البريد الالكتروني!

وطلبتُ من الشيخ الحصين مساعدة الأخ إسلام لدفع إيجار خادم المواقع (السيرفر)، فخصص الشيخ لهذا ألف دولار سنويًّا، واستمر على ذلك ثلاث أو أربع سنوات.

كانت المراسلة بيني وبين إسلام عبر البريد الإلكتروني، ثم تطورنا قليلًا فصرنا نستعمل (إم إس إن ماسنجر).

مضت سنوات، وكثرت الأعمال، ورأيتُ من الضروري أن أسمع صوت إسلام وأرى صورته.

طلبتُ منه المحادثة فاعتذر بأنه لا يملك وسائل الصوت والصورة! فعرضت عليه أن يشتري أحسنها على نفقتي! فلما أكثرت عليه وألححت؛ أفصح لي بأنه لا يستطيع لأنه يعاني من أمراض تمنعه من التواصل مع الناس. ولم يزد على ذلك. وخلال هذه السنوات الطويلة فهمتُ من «استفتاءاته» أنه كان يعاني من التوحُّد الشديد ومن الرُّهاب الاجتماعي، فلم يكن يخالط الناس أَلبتَّة، وكان يجد مشقة بالغة في الخروج لصلاة الجمعة. وذكر لي أخوه اليوم أنه كان يعيش وحده في شقة ملحقة بدار والديه، لا أنيس له إلا كتاب الله تعالى.

رحل إسلام ولم نسمع صوته ولا رأينا صورته.

رحل بهدوء وسكينة.

نعم؛ رحل إسلام ولمَّا نعرفه، لكني أحسب ـ والله تعالى حسيبه، ولا أزكي على الله ـ أنه كان مؤمنًا صادقًا، تقيًّا نقيًّا خفيًّا، وإني أرجو أن يكون ممن يقال في مثله:«مجهولٌ في أهل ‌الأرض، ‌معروفٌ في أهل ‌السماء».

خدم العلم والدعوة رغم مرضه ومعاناته وقلَّة حيلته.

أعماله ومساهماته لتنوء بالعصبة أولي الصحة والقوة والنشاط.

كان إسلام متهيئًا للقاء ربِّه، اشتدَّ عليه المرض، وشعر بقرب أجله، فبعث إليَّ بوصيَّته، ليس فيها إلا الوصية بالمحافظة على موقع روح الإسلام وموقع الشيخ عبد السلام البرجس وأرشيف الألباني!

شعرتُ في السنوات الثلاث الأخيرة باشتداد المرض عليه، وكتَبَ بأنه لا يستطيع العمل لساعات طويلة، وأنه يعاني من ضعف البصر، وقلة التركيز، وكثرة النسيان.

في آخر مكاتبة بيننا (3/6/2023) سألني عن جمع الصلاة بسبب مشقة الطهارة في كل وقت. وطلب منِّي أن أضحِّي عنه. وأرسلت إليه يوم الجمعة بمقالي الأخير، فلم يجب، فما زلت أكتب إليه كل يوم للاطمئنان عليه؛ حتى فجعني أخوه اليوم بإبلاغنا بوفاته فجر يوم الخميس 19 ذو القعدة 1444، الموافق 8 حزيران 2023، في مسكنه بالقاهرة، وقد بلغ من العمر الرابعة والأربعين.

أيها القراء!

إن في حياة أخينا إسلام سفيان لعبرة وعظة في ضرورة الإيمان والعمل الصالح وبركتهما وآثارهما الطيبة؛ فإن المؤمن التقي الصالح قد يبتلى بالأمراض النفسية كما يبتلى بالأمراض الجسدية، ثم إن هذا الابتلاء لا يمنعه من الاستقامة والصلاح، ولا يصيبه باليأس والقنوط، ولا يردي به في طريق الضياع كما يغلب على أهل الكفر والإلحاد من إدمان الخمر وتعاطي المخدرات ثم الانتحار ـ والعياذ بالله ـ؛ بل بتوفيق الله تعالى وببركة الإيمان والعمل الصالح يحيى المؤمن حياة طيبة مباركة، ويحتسب الأجر فيما يعانيه من الابتلاءات، ونفسه واثقة بوعد الله تعالى وحسن ثوابه: جنة النعيم التي أعدها لعباده المتقين، فهي مطلبه وغايته، كما ورد في حديث المرأة التي ابتليت بالصَّرع، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أصرع، وإني أتكشف فادع الله لي. قال صلى الله عليه وسلم: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك»، قالت: أصبر. قالت: فإني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. أخرجه البخاري (5652)، ومسلم (2576).

أيها القراء!

يا طلاب العلم!

ما كتبتُ لكم هذا المقال إلا رجاء أن تلهج ألسنتكم بالدعاء لأخيكم إسلام، فهذا من حقِّه عليكم، فلا تنسوه من صالح دعواتكم في هذه الأيام المباركة.  

إنا لله وإنا إليه راجعون.

‌‌اللهم ‌اغفر ‌لعبدك إسلام، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وأَعِذْه من عذاب القبر، ومن عذاب النار.

اللهم ‌اغفر له ذنوبه، وأفسح له في قبره، وأعظم نوره، وأضئ له في قبره، اللهم ارفع درجته في المهديين، واغفر له ربَّ العالمين.

اللهم إنَّا نشهد أن عبدك إسلام كان يوحِّدك ولا يشرك بك شيئًا؛ وأنت أهل الوفاء والحق والحمد، اللهم فاغفر له وارحمه؛ إنك أنت الغفور الرحيم. أمين، آمين، يا رب العالمين.

وأختم بهذه الآية التي ختم بها إسلام وصيَّته:

{رَبِّ ‌أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.

كتبه:

عبد الحق التركماني

ليستر يوم الثلاثاء 24 ذو القعدة 1444، الموافق: 13 حزيران 2023

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد