موقع الشيخ عبد الحق التركماني - أفتَّانون أنتم أيها القُرَّاء؟ مقال في التحذير من فتنة المُصَلِّين بالقراءات

/ 27 أبريل 2024

للتواصل 00447432020200

أفتَّانون أنتم أيها القُرَّاء؟ مقال في التحذير من فتنة المُصَلِّين بالقراءات

نشرت بواسطة : إدارة الموقع / 28 فبراير 2024 1777

أفتَّانون أنتم أيها القُرَّاء؟

مقال في التحذير من فتنة المُصَلِّين بالقراءات

 

 

«اقْرَأْ ـ ‌يا ‌رجُلُ! ـ واعْفِنَا من التغليظ والترقيق، وفَرْطَةِ الإمالة، والمدودِ، ووَقْفِ حمزةَ.

وآخر منهم إن حضر في ختمةٍ، أو تلا في محرابٍ، جعل دَيْدَنَه إحضارَ غرائبِ الوجوه والسَّكْت، والتَّهَوُّعِ بالتسهيل،

ونادى على نفسه: «أنا أبو فلان اعْرِفُوني؛ فإنِّي عارف بالسَّبْع! أَيْشْ يُعمل بك؟ والله إنَّك حَجَرُ منجنيقٍ، رُصَاصٌ ثقيلٌ على الأفئدة».

«وبالجملةِ: ‌إذا ‌رأيتَ ‌الإمامَ ‌في ‌المحراب لَهِجًا بالقراءات، وتتبُّع غريبها؛

فاعلم أنَّه فارغ من الخشوع، محبٌّ للشُّهرة والظُّهور، نسأل الله السَّلامةَ في الدِّين».

كلمتان للعلامة الذهبي رحمه الله

الأولى في «زغل العلم» تحقيق القونوي، 73، والثانية في «تاريخ الإسلام» 4/42.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فإنَّ من زَغَل القرَّاء إمامة المصلين بقراءة غير معهودة لهم. وقد انتشر هذا الأمر في السُّنيَّات الأخيرة حتى أصبح ظاهرة، وهو متفرِّعٌ من ظاهرة إنزال علم القراءات القرآنية إلى العوامِّ وإشغالهم به، وإيهامهم أنه العلمُ المطلوب منهم، مع أن هذا العلم الشريف الرفيع من «العلوم الدَّقيقة» التي يختص بمعرفتها العلماء والمتخصصون بهذا العلم، ولا شأن للعوام به، ويكفيهم منه أن يتعلموا التلاوة الصحيحة لكتاب الله على القراءة التي عليها أهل بلدهم.

وظاهرة بثِّ «العلوم الدَّقيقة» بين عامة المسلمين لا تختص بالقراءات، بل هي مشكلة عامة في حياتنا المعاصرة، خاصة في دقائق مسائل الاعتقاد، ومنها مسائل التبديع والتكفير، وتجرئ العوام على الخوض فيها. وقد تحدث العلماء قديمًا في آداب تبليغ العلم ونشره وكتم بعضه عن غير أهله (راجع: «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» للخطيب البغدادي 2/107، «الأذكار» للنووي 515، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية 19/119 و22/436، «جواب الاعتراضات المصرية» له 158، «أعلام الموقعين» لابن القيم 4/4-43، «الموافقات» للشاطبي 5/167، «فتح الباري» لابن حجر 2/336 و9/101).

وهذه الظاهرة قد صارت فتنة لكثير من العوام ـ من الرجال والنساء ـ حتى وجدنا منهم من حصل على إجازة في القراءات العشر وهو لا يعرف الضروري من أصول الاعتقاد وكثيرًا ممَّا يلزمه أو يلزمها معرفته من أحكام الفرائض العينية في العبادات والمعاملات. وليس من عجبٍ أن نتلقى استفتاء من امرأة تسأل عن بعض أحكام طهارتها الشهرية وهي مجازة في القراءات العشر!

ولهذه الظاهرة أسباب ودوافع، ونتائج وآثار، تحتاج إلى دراسة وتقويم، ولا يتسع هذا المقام للكلام فيها، فإني أريد الإشارة إلى جانبٍ واحدٍ منها، وهو ما انتشر أخيرًا بين كثير من أئمة الصلوات من القراءة بالقراءات غير المستعملة في مجتمع المسجد الذي يؤُمُّون فيه، بل يقرؤون ـ أيضًا ـ بقراءات غريبة على أسماعهم تمامًا، فصار هذا مثار جدلٍ ولغَطٍ، وبابًا للفتنة والشقاق.

فالواجب الحذر والتحذير من هذا المسلك، ويتبيَّن هذا بعدَّة وجوه:

أولًا: أن هذا «فتنة» للعامة من المسلمين، حيث يحصل لهم تشويش وخلطٌ وشكٌّ في كتاب الله حين يسمعونه بوجوه من القراءات التي لم يألفوها، ولم تطرق أسماعهم، فقد يؤدي هذا ببعضهم إلى ترك الجماعة، وتتفرَّق جماعة المسجد، ويكره بعضهم الصلاة فيه. وهذه الأمور كلها «فتنة» لا بدَّ من سد الذرائع إليها. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمَّى مجرَّد إطالة الصلاة: «فتنة»، فقال للصحابي الجليل مُعاذ بن جبلٍ رضي الله عنه وقد شكا إليه رجلٌ واحدٌ فقط أنَّ معاذًا أطال القراءة في الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا مُعَاذُ، ‌أَفَتَّانٌ ‌أَنْتَ؟ أَوْ أَفَاتِنٌ». ثَلَاثَ مِرَارٍ. أخرجه البخاري ومسلم. فكيف بهؤلاء الذين يشوِّشون على العوام في القراءة نفسها، لا في إطالتها، فهذا الحديث ينطبق عليهم ويقال لهم: «أفتَّانون أنتم أيها القراء؟!».

ثانيًا: أنَّ المقصودَ بقراءة القرآن والاستماع إلى تلاوة الإمام العلمُ والإيمانُ والتدبُّر والخشوع وإقبال القلوب على الله تعالى، لهذا أمر رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحقيق هذا المقصِد في تلاوته، ونهى عمَّا ينافيه، فقال صلى الله عليه وسلم: «‌اقرءوا ‌القرآنَ ما ائتلفتْ قلوبُكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه». أخرجه البخاريُّ ومسلم.

ولا شكَّ أن جذبَ اهتمام المأمومين وتركيزَهم إلى الألفاظ وطريقة نطقها؛ سيكون سببًا مانعًا من سكينة نفوسهم واجتماع قلوبهم على تدبر معاني القرآن ومقاصده، والتأثر بذكراه ومواعظه، فيضيع المقصود الأهم من الجهر بالقرآن في الصلوات الجهرية والتراويح. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما قراءة القرآن في التراويح فمستحب باتفاق أئمة المسلمين، بل من أجلِّ مقصود التراويح قراءة القرآن ‌فيها ‌ليسمع ‌المسلمون كلام الله. فإن شهر رمضان فيه نزل القرآن وفيه كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآنَ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن). (مجموع الفتاوى: 23/122).  

ثالثًا: أنَّ كثيرًا من العلماء نبَّهوا إلى هذا الأمر:

(1) جاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية» ـ نقلًا عن كتب الحنفيَّة كشرح الدر المختار وحاشية ابن عابدين ـ ما نصه 33/56: «وصرَّح الحنفية بأنَّ الأولى أن لا يقرأ بالروايات الغريبة والإمالات ‌عند ‌العوامِّ ‌صيانةً ‌لدينهم؛ لأنَّ بعض السفهاء يقولون ما لا يعلمون فيقعون في الإثم والشقاء، ولا ينبغي للأئمة أن يحملوا العوامَّ على ما فيه نقصانُ دينهم، فلا يقرأ عندهم مثلَ قراءة أبي جعفر وابن عامر وعلي بن حمزة، إذ لعلَّهم يستخفون ويضحكون، وإن كان كلُّ القراءات والروايات صحيحة فصيحة».

(2) وقال الإمام ابن مفلح الحنبلي في «الفروع» 2/ 185: «وفي المذهب ‌تكره ‌قراءة ‌ما ‌خالف عرف البلد». وهو المعتمد في المذهب كما قال ابن النجار في «شرح منتهى الإرادات» 2/127.

(3) وأخبرني والدي الشيخ رحمه الله أنَّ العلامةَ الشيخ المقرئ عبد القادر الخطيب الأعظمي البغدادي المتوفَّى سنة (1389) ـ رحمهما الله تعالى ـ لمَّا أجازه في القراءاتِ أخَذَ عليه عهدًا ألَّا يقرأ في إِمامَته في المساجد ولا في المحافل العامة إلا بما عليه أهل العراق من تلاوة حفص عن عاصم. مع أن هذه الظاهرة لم تكن موجودة في تلك الأزمان، لكن العلماء يسدُّون الذرائعَ إلى الفتن.

(4) فإذا انتقلنا إلى فقيه عصرنا بلا منازِعٍ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، نجده نبَّه على هذا الأمر مرارًا وتكرارًا رغم أن هذه الظاهرة لم تكن موجودةً في زمانه، وإنما ظهرت بعض بوادرها، فتنبَّه إليها بذكائه وفطنته، ونبَّه عليها لحرصه على نصح المسلمين، وقد جمع لي أحد طلبة العلم كلامه من شروحه وفتاويه، فظهر لنا أنَّه تكلَّم في هذه المسألة سبعَ عشرةَ مرةً. من ذلك قولُه في «لقاء الباب المفتوح»:

«ولهذا دائمًا نقول للطلبة: لا تبيِّنوا الخلاف للعامة فتذبذبوهم، ونقول: أيضًا لمن يعرف ‌القراءات السبع: لا تقرأ بها أمام ‌العامة؛ لأنك لو قرأت بقراءة أخرى غير التي في المصحف عندهم شَوَّشَ عليهم ذلك».

وقال في «تفسير سورة غافر»: «وربما تهبط عظمةُ القرآن في نفوسهم بسبب هذا الاختلاف».

وقال في «الشرح الممتع»: «لكن؛ لا نقرأ بها أمام ‌العامة؛ لأننا إذا قرأنا بها أمام ‌العامة حصل بذلك فتنة وتشويش، وقلة اطمئنان إلى القرآن الكريم، وقلةُ ثقةٍ به، وهذا لا شكَّ أنه مؤثِّرٌ؛ ربَّما على العقيدة فضلًا عن العمل».

وقال في «شرح بلوغ المرام»: «لكن هل يقرأ بهذه ‌القراءات المخالفة عندما يكون بين أيدي ‌العوام؟ لا، لا يقرأ؛ لأن ‌العوام ما يفقهون، ثم في ظنِّي أن القرآن سينقُصُ قَدْرُه في نفوسهم إذا كان هذا يقرأ كذا، وهذا يقرأ كذا، حتى إني سمعت بعض ‌العوام يسخر بقراءة الإمالة في: {طه} و: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، وما أشبه ذلك. إذن كيف أقرأ بالإمالة بين ‌العوام؟ إن القراءةَ بالإمالة تؤدِّي إلى أن يستهينوا بالقرآن ويسخروا به. القرآن معظَّمٌ في قلوب الناس، لا تقرأ عليهم غير ما يفهمون، ولهذا جاء في حديث علي: «حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله» [صحيح البخاري 127]. وقد أنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على من قرأ آيةً من القرآن على خلاف ما قرأها عمر، يعني: كذَّبَ بها، لكن قبل أن تثبت عنده روايتها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فلهذا أن تقرأ ‌القراءات لا ينبغي عند ‌العامة؛ لما في ذلك من الفتنة، وهذا من أحد الأسباب التي جعلت أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يوحِّدُ المصاحفَ على مصحف واحد، فإن الناس بدؤوا يختلفون في ‌القراءات وحصل بذلك فتنة، فرأى رضي الله عنه ـ بتوفيق الله له وللأمة، والحمد لله ـ أن يجمع الناس على مصحف واحد. فالعامي إذا أتيت إليه بقراءة خارجة عمَّا يعرف ربما ينكرها، ويكذب بها، ويسخر بالذي قرأها أيضًا؛ لأنه لا يعرف، فلاحظوا هذه المسألة في توجيهاتكم للناس، دعوا الدِّين محترمًا بين العوام حتى يبقى مؤثرًا في نفوسهم».

فهذا كله من كلام ابن عثيمين ـ من حكمته ونصيحته رحمه الله تعالى ـ، ومن أراد التوسع فليرجع إلى تسجيلاته الصوتية وكتبه المطبوعة.

(5) وبمثل هذا أفتى شيخُه: الإمام العلامة الفقيه عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، قال: «ما دام المصحف الآن بين أيدي الناس فينبغي أن يقرأ بما بين أيدي الناس؛ حتى لا يقع المحذور من النزاع والخلاف».

(6) وقال العلامة الألباني رحمه الله: «إن هذه القراءة الصحيحة إذا لم تكن مشهورة بين بعض الناس، فلا ينبغي للإمام أن يَفْجَأَهُم بها؛ لأنَّ من جهل شيئًا عاداه».

(7) وبهذا ـ أيضًا ـ أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية، فقالت: «القراءة برواية ورش عن نافع صحيحةٌ معتبرةٌ في نفسها لدى علماء القراءات، لكن القراءة بها لمن لم يعهدها، بل عهد غيرها ـ كالقراءة برواية حفص مثلًا ـ ‌تثير ‌بلبلة ‌في ‌نفوس ‌المأمومين، فتترك القراءةُ بها لذلك، أما إذا كان القارئ بها في صلاته منفردًا فيجوز؛ لعدم المانع».

(8) وقال العلامة الشيخ صالح الفوزان أثابه الله: «أما التنويع في القراءات في الصلاة، فهذا لا ينبغي، لا ينبغي أن تنوِّع القراءة، وأن تقرأ تارةً قراءة حفص، وتارة قراءة ورش، وتارة قراءة فلان أو فلان، هذا لا ينبغي خصوصًا إذا كان هذا يشوِّش على المصلين، أو يشوش على الذين لم يعتادوا هذا الشيء، فإنه لا ينبغي هذا».

(9) وبنحو هذا قال عالم المدينة الشيخ عبد المحسن بن حمد العبَّاد أثابه الله.

أقول: هذا في قراءة ورش بالنسبة للذين لم يتعوَّدوا عليها، مع أنها مشهورةٌ، يقرأ بها المسلمون في المغرب العربي، فكيف بالقراءات التي لا يقرأ بها على وجه الأرض اليوم أحدٌ من أقوام المسلمين؛ إلَّا المتخصصون في علم القراءات.

رابعًا: أن من مفاسد هذه الفوضى في القراءة في المساجد غير ما ذكره ابن عثيمين: أن عامة المسلمين ـ حتى أكثر طلاب العلم غير المتخصصين في القراءات ـ تعوَّدوا على تلاوة القرآن وحفظه بقراءة أهل بلدهم، فإذا سمعوا القراءات المختلفة، وتكرر ذلك عليهم؛ صار سببًا لاختلاط حفظهم، واضطراب تلاوتهم. وقد أخبرني أحد مدَرِّسي القرآن أثر هذا في بعض الطلاب عنده إذ صاروا لا يستطيعون ضبط القراءة المعيَّنة المطلوبة منهم، بل تختلط عليهم بغيرها.

والمقصود بها: أن ما عند عامة المسلمين من الحفظ والتلاوة ـ وإن كان قليلًا ـ: خيرٌ وبركةٌ، يجب صيانته من التشويش والتخليط.

خامسًا: إن الإغراب على المصلين بتلاوات غير معهودة لهم لا يسلم من الشهوة الخفية لدى القارئ، فينبغي عليه الحذر من هذا المدخل، وقد نبَّه على نحوٍ من هذا ابن الجوزي فقال في «تلبيس إبليس» على القرَّاء: «ومن ذلك أن أحدهم يقرأ في محرابه بالشاذِّ، ويترك المتواترَ المشهورَ. والصَّحيح عند العلماء أن الصلاة لا تصح بهذا الشاذ. وإنما مقصود هذا إظهار الغريب لاستجلاب مدح الناس وإقبالهم عليه، وعنده ‌أنه ‌متشاغل ‌بالقرآن». انتهى كلامه، وهو في القراءات الشاذة، أما القراءات المتواترة فالصلاة تصح بها، لكن موضع الشاهد قوله: «وإنما مقصود هذا: إظهار الغريب؛ لاستجلاب مدح الناس، وإقبالهم عليه. وعنده ‌أنه ‌متشاغل ‌بالقرآن». يعني: يظنُّ هذا من أوجه العناية والاشتغال بالقرآن، فيستحسن عمله. فهذا من تلبيس إبليس ومن الشهوة الخفيَّة.

وما أحسن ما خطَّه الأديب البارع عليٌّ الطنطاويُّ (ت: 1420/1999) في كتابه «صور وخواطر» 255 فقال: «وقعدت أقرأ القرآن، لأن قرآن الفجر كان مشهودًا، فجرَّب الخبيث معي ألوانًا من وساوسه كلِّها؛ ليصرفني عن الفهم والتدبر... ومنها: أن أتعلَّم القراءات المختلفة وأقرأ بها على العامة! وذلك ممَّا لا أراه يجوز لأنه فتنة لهم وإفساد لعقيدتهم، ولأنَّه سبب عُجْبِ القارئ ورضاه عن نفسه، ولأن فيه صرفًا عن حقيقة التلاوة التي هي التدبر والفهم واستنباط الحكم، ثم إنه يجعل التلاوة صناعة من الصناعات يعيش بها أهلُها، يُقدَّم منهم من كان أطرَى حنجرةً، وأحلى صوتًا، وأبصر بالأنغام، وهذا حرام. والقرآن ليس للاستكثار من الختمات بلا فهمٍ، ولا للاشتغال بأوجه القراءات والاقتصار على أحكام التجويد، ولا للتلحين به كتلحين الغناء واتخاذه أداة للطرب، بل هو قانون فيه أمر ونهي، فيجب أن يُفهم ويُهتدَى بهديه، ويتَّبع أمرُه ويُنتهَى بنهيه، ويوقف عند حدوده».

وقال ـ أيضًا ـ في «الذكريات» 4/ 153: «وأقول بالمناسبة: إن معرفة ‌القراءات مطلوبة لطلاب العلم وفي المدارس، أما أن يقرأ القارئ الآية الواحدة للعامة بالقراءات المتعددة؛ فقد رأيت من كبار العلماء المتقدِّمين من قال بكراهته».

أقول: إنَّ على أئمة المساجد ـ خاصَّةً في صلاة التراويح ـ مراعاة هذا الأمر، وتجنُّب القراءة بقراءةٍ مخالفة للمعهود المستعمل عند أهل المسجد. وحريٌّ بوزارات الأوقاف وبالقائمين على المساجد والمراكز الإسلامية إلزام أئمة الصلاة بالتزام القراءة المعهودة لأهل المسجد، ومنع من يخالف ذلك من الإمامة، وبالله تعالى التوفيق.

كتبه:

أبو مَسْلَمَةَ عبد الحقِّ بن ملا حقِّي التركمانيُّ

ليستر في يوم الثلاثاء 17 شعبان 1445، الموافق: 27 شباط 2024

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد