الإجازة في الأذان الشرعي بالإسناد المتصل إلى سيدنا بلال رضي الله عنه
الإجازة في الأذان الشرعي بالإسناد المتصل إلى سيدنا بلال رضي الله عنه
(مسلسل تلقين الأذان، أذان بلال)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.
أما بعد: فإن من تلبيس إبليس، ومن أساليب أهل البدعة والضلال إشغال المسلمين عن المقصود الحقيقي من العلم الشرعي ـ وهو تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى والبراءة من الشرك وأهله ـ بالمظاهر والشكليات، حتى يظنُّ الواحد منهم أنه نال المقصود، وبلغ الغاية، مع أنه لا يعرف العقيدة الصحيحة، ولا يحقق التوحيد لله تعالى، ولا يجرد الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم.
ومن صور هذا التلبيس ما انتشر في السنوات الأخيرة من المبالغة والمكاثرة والمباهاة والمفاخرة بالإجازات في القراءات القرآنية وفي الأسانيد الحديثية، وعقد مجالس السماع لصحيح البخاري وغيره من دواوين السنة، من غير عناية بالتفقه في الحديث وإحياء السنن ومحاربة المحدثات والبدع، بل أكثرهم من الذين يعتنون بالألفاظ ويحرفون المعاني، ويخالفون الإمام البخاري رحمه الله وأمثاله من أئمة الحديث والأثر في أصول الاعتقاد، ويتعصبون للمذاهب الفقهية في الفروع.
ومن صور التلبيس والتدليس وخداع بسطاء المسلمين عقد المجالس وما تسمَّى بالدورات العلمية في: «الإجازة في الأذان الشرعي بالإسناد المتصل إلى سيدنا بلال رضي الله عنه».
وقد وقفت على ثلاث نسخ من هذه الإجازة:
الأولى: بإجازة: (مصطفى عبد الوهاب قبوض) في دمشق بتاريخ 19 رجب 1440.
والثانية: بإجازة: (عمر صفاء طه النعيمي) في بغداد بتاريخ 8 ذي الحجة 1445.
والثالثة: إجازة عامَّة نشرها: (طه بن محمد بن إبراهيم السعدني)، وهو طبيب صيدلي مصري، وجعل هذه الإجازة في رسالة ضمنها نبذة عن أحكام الأذان.
وقد وجدت الإسناد في هذه الإجازات واحدًا، فقد ساقه مصطفى عبد الوهاب قبوض، عن محمد علي الشيخ مؤذن الجامع الأموي بدمشق. وساقه النعيمي والسعدني من طريق: إلياس بن أحمد حسين بن سليمان الأركاني البرماوي، مدرس القرآن الكريم بالمسجد النبوي، عن محمد علي ـ المذكور ـ. وهذا سياق الإسناد منه إلى آخره بتمامه:
«محمد علي الشيخ، مؤذن الجامع الأموي بدمشق، كما تلقنه من الشيخ فؤاد خليل الصفدي مؤذن جامع بني أمية، كما تلقنه من الحاج الشيخ رسمي قدُّو، مؤذن جامع بني أمية، كما تلقنه من الحاج الشيخ محمد أمين بن محمد خولي الفحام، رئيس مؤذني جامع بني أمية، كما تلقنه من السيد عبد الله العَوَّا القادري المحيوي، المؤذن في جامع بني أمية، وهو تلقته من والده الحاج أحمد الشغري المؤذن في جامع بني أمية، وهو تلقنه من السيد محمد النحاس، وهو تلقنه من الشيخ جنيد المؤذن في جامع بني أمية، وهو تلقنه من السيد الحاج بكري بن السيد عمر المؤذن في جامع بني أمية، وهو تلقنه من شيخه الشيخ محمد الملقب بابن جقجقية البادي المؤذن في جامع بني أمية، وهو تلقنه من الإمام الفاضل الشيخ محمد الكفيري، وهو تلقته من الشيخ الفائق مصطفى الأطرش المؤذن في الصخرة الشريفة المباركة في القدس الشريف، وهو تلقنه من الشيخ عثمان رئيس طائفة المؤذنين في حرم الله [!!] الشريف القدسي، وهو تلقنه من الشيخ إبراهيم النابلسي، وهو تلقنه من الشيخ صالح ابن الشيخ محمد المقدسي المؤذن، وهو تلقنه من الشيخ الولي جواد الدين الخليلي، وهو تلقنه من الشيخ القدوة ابراهيم المدني، وهو تلقنه من الشيخ الفاضل العالم أحمد الطيبي، وهو تلقنه من الشيخ سليمان المكي المؤذن في حرم مكة المشرفة، وهو تلقنه من الشيخ زمزم التورزي، وهو تلقنه من الشيخ صفي الدين المكي، وهو تلقنه من الشيخ خالد المكي، وهو تلقنه من الشيخ عبد الله الغفاري المكي، وهو تلقنه من الشيخ سعود المروزي، وهو تلقنه من قاضي إسحاق مؤذن جامع الأزهر في مصر، وهو تلقنه من الشيخ حارس الشاشاني، وهو تلقنه من الشيخ موفق اليماني، وهو تلقنه من الشيخ السيد راجي الودود، وهو تلقنه من علامة الوقت سيدنا عقبة بن عامر رضي الله عنه، وهو تلقنه من الصحابي الجليل سيدنا بلال بن رباح الحبشي رضي الله عنه مولى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومؤذن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتلقين منه».
وبعد نشر هذا المقال؛ وقفت على إجازة رابعة، وهي أيضًا من طريق: إلياس بن أحمد حسين، بهذا الإسناد الملفَّق. وهي بإجازة: عباس فاضل فتش الحديدي، في كركوك بتاريخ 7 ربيع الأول 1446 الموافق: 10/10/2024، في دورة (الأذان فقهًا بالسند المتَّصل) التي أقامتها مديرية الوقف السُّني في كركوك وفرع كركوك لمجلس علماء العراق وبإشراف رئيس الفرع: الأستاذ الدكتور جاسم الحديدي!
قال أبو مسلمة عفا الله عنه: هذا إسناد مخترعٌ موضوعٌ، وكذبٌ فاضحٌ مكشوفٌ، لا يخفى على من له أدنى معرفة بالأسانيد والتراجم. والكذَّاب الذي وضع هذا الإسناد كان أجهل من أن يخترع اسمًا مناسبًا لمن يُفترض أنه تابعيٌّ، وهو: (راجي الودود)، فإن (راجي) أو (راجي الودود) من أسماء المتأخرين. وكان ذاك الكذَّاب يجهل ـ أيضًا ـ أن الجامع الأزهر افتتح في رمضان سنة (361)، فكيف تكون الواسطة بين مؤذن الجامع الأزهر وسيدنا بلال رضي الله عنه أربعة رجال فقط؟!
وأذان بلال في فيلم (الرسالة) أشهر، ومقلدوه من المؤذنين أكثر من متداولي هذه الإجازة، وكلاهما (فيلم الرسالة وهذه الإجازة) تمثيل وتلفيق!
إن من فنون علم الرواية المعروفة عند المحدثين: «الأحاديث المسلسلة»، وهي الأحاديث التي رويت أسانيدها على صفة واحدة في التحمل والأداء.
قال ابن الصلاح: هو عبارة عن تتابع رجال الإسناد وتواردهم فيه واحدًا بعد واحدٍ على صفة أو حالة واحدة.
وقال ابن دقيق العيد: هو ما كان إسناده على صفة واحدة في طبقاته.
وقال ابن جماعة: وهو ما تتابع رجال إسناده عند روايته على صفة أو حالة إما في الراوي أو في الراوية.
ومن الأحاديث المسلسلة المشهورة: الحديث المسلسل بالأولية، وحديث يوم العيد، وحديث المصافحة، ووضع اليد على الرأس. ومنها أيضًا: الأحاديث المسلسلة بالفقهاء، والمسلسلة بالنحاة، والمسلسلة بالحفاظ.
وقد عُني المحدثون بالتصنيف فيها منذ القرن الرابع، ثم بالغ المتأخرون في الاهتمام بها روايةً وتصنيفًا، واتفقت كلمتهم على أن عامَّة الأحاديث المسلسلة ضعيفة، والصحيح منها قليل.
ومن الكتب الجامعة للأحاديث المسلسلة:
«جياد المسلسلات» للسيوطي (ت: 911).
«الآيات البينات في شرح وتخريج المسلسلات» للقاضي عبد الحفيظ بن محمد بن الطاهر الفهري الفاسي (ت: 1383).
«العجالة في الأحاديث المسلسلة» لمحمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1411).
وحديث «مسلسل تلقين الأذان» لم يرد له ذكرٌ في شيء من كتب «المسلسلات»، ولا في شيء من كتب الإجازات والأثبات والفهارس، بله أن يكون له ذكر في شيء من كتب الحديث ودواوين السنة، وهذا دليل قاطع على أنه كذب موضوع، لا أصل له، اخترعه بعض المخرفين بأَخَرةٍ.
إن الواجب على من يروي هذه الإجازة، ويروج لها، أن يتَّقي الله تعالى، ويتوب إليه، ويتبرأ من هذا الكذب. ولا يحلُّ لطلاب العلم حضور تلك المجالس والدورات، ولا قبول الإجازة، ولا تحملها، لأنها شهادة بالباطل والزور.
قال الحقُّ سبحانه: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)﴾ [الحج].
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)﴾ [الفرقان].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كذبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، مَنْ كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار». أخرجه البخاريُّ.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تكذبوا عليَّ فإنَّه من كذب عليَّ فليلج النارَ». أخرجه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من حدَّث عنِّي بحديثٍ يُرَى أنه كذبٌ، فهو أحد الكاذبين». أخرجه مسلم.
والله المستعان، وعليه التكلان، لا حول ولا قوة إلا به.
كتبه:
أبو مسلمةَ عبد الحق بن ملا حقي التركماني
ليستر في يوم الخميس 25 صفر 1446، الموافق: 29 آب 2024
-
عبدالله كاندي
2 ايلول 2024جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
-
عبد الكريم جلول السهلاوي
29 آب 2024قبلنا