موقع الشيخ عبد الحق التركماني - الموقف الشرعي من الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام في بلاد الغرب

/ 26 أبريل 2024

للتواصل 00447432020200

الموقف الشرعي من الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام في بلاد الغرب

نشرت بواسطة : إدارة الموقع / 1 يوليو 2010 1010

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

في يوم الثلاثاء 12/5/2010م، استضافت جامعة أبسالا الرسام السويدي لارس فيلكس لإلقاء محاضرة استفزازية بعنوان: (الفن لا يمكن أن يكون في نفسه شيئًا آخر غير العنف والقسوة والظلم)، أراد هذا الأرعن الفاشل أن يعرض من خلالها تلك الصور القبيحة التي خطتها يده الآثمة، وزعم ـ كاذبًا ـ أنَّها تمثل الرسول الكريم محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهي في الحقيقة لا تمثل إلا نفسيته المريضة الحاقدة، فمن الخطإ الشنيع الذي يقع فيه بعض المسلمين القول بأن هذا الرسام ـ أو غيره ـ قد رسم صورًا لمحمدٍ، فهم لا يرسمون ولا يصوِّرون ولا يتصوَّرون إلا (مذمَّمًا)، أما نبيُّنا الكريم فهو (محمَّد) صلى الله عليه وسلم، وهذه المحاولات البائسة للإساءة إلى مقامه الشريف مصروفٌ عنه بما خصَّه الله تعالى: من الذكر الرفيع، والخُلق العظيم، والخَلق الحسَن الجميل، والاسم المبارك الطيب، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؟! يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ). أخرجه البخاري في الصحيح (3340).

فمثل هذا الحاقد المسيء لا ينبغي أن يعامل إلا بالتجاهل والإهمال، حتى يموت بغيضه، ولا ينال ما خدعته به نفسه الخبيثة والشيطان من أماني المال والشهرة، وليس هو بالمتطاول الأول، ولن يكون الأخير، لكن من المؤسف أن لارس قد صدَّق على بعض المسلمين ظنَّه فكانوا ـ وهم لا يشعرون ـ عونًا له في نيل بعض ما تمناه من الاهتمام والشهرة، فحضر بعضهم مجلسه ذاك، فلما كان لارس في أثناء محاضرته؛ هجم عليه بعضهم، وحدث تضارب وفوضى في القاعة، وتدخلت الشرطة، وانتهى الأمر باعتقال بعض الشباب المسلمين. فيا لسعادة لارس فيلكس، فقد نال مبتغاه، وصار موضوع الصفحة الأولى في جميع الصحف السويدية، وزاد السويديون رعبًا من المسلمين الذين يهددون حريتهم وديمقراطيتهم، وصار تصورهم عن الإسلام أكثر سلبيةً وتشويهًا.

إن مثل هذا الحدث يتكرر في البلاد الغربية، ومع ذلك فإن أكثر المسلمين لا يعرفون ما هو التصرف الشرعي السليم الذي يجب عليهم التزامه، لهذا بادرنا في مركز البحوث الإسلامية في السويد إلى كتابة خلاصة مركزة لبيان الحكم الشرعي بدليله، وسارعنا إلى إرساله إلى كثير من الجهات الرسمية والصحف السويدية، كما نشرناه بين الجالية الإسلامية ليكونوا على بينة من أمرهم، ولا يخالفوا حكم الله تعالى جهلاً وإهمالاً، ويتورطوا في الأعمال المشينة وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا.

وقد رأيت أن أترجم تلك النشرة إلى اللغة العربية، ليعم النفع والفائدة بها ـ إن شاء الله تعالى ـ، وعنوانها: (ماذا يقول القرآن عن واقعة لارس فيلكس في مدينة أبسالا). وتحته بعد المقدمة أربع نقاط موجزة:

1- عندما تم الإعلان عن محاضرة لارس فيلكس؛ كان الواجب على المسلم أن لا يلتفت إليه، ولا يبدي أيَّ اهتمام به. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55]، ويقول سبحانه: {قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 1-3].

2- إنه من المحرمات القطعيَّة أن يذهب المسلم إلى تلك المحاضرة، ويكون معهم. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]. قال العلامة السعدي في تفسير هذه الآية: (أي: لا يحضرون الزور، أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير، والصور ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه، وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الآية بالأولوية).

3- إذا افترضنا أن أحدًا من المسلمين وجد نفسه في ذلك المكان؛ فالواجب في حقه مفارقته فورًا، من غير صياحٍ ولا سبٍّ ولا شتمٍ ولا لكْمٍ ولا ضربٍ. قال ربنا سبحانه: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140]، وقال عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].

4- ومن أحب أن يقول لأولئك القوم المسيئين كلمةً قبل أن يفارقهم؛ فالواجب عليه أن يتأدَّب بما أمره به ربُّه الكريم، فيقول لهم: (لنا أعمالنا، ولكم أعمالكم. سلام عليكم. لا نبتغي الجاهلين). وبرهان هذا في كتاب الله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55].

فهذه أربعة أحكام صريحة في كتاب الله تعالى تتعلق بهذه الواقعة ومثيلاتها، وهي محكمةٌ لم يدخل عليه نسخٌ كما بيَّنه المحقِّقون من العلماء، فالواجب على المسلم أن يتحاكم إلى شرع الله ويرضى بحكم ربه؛ مهما كان غضبه شديدًا، وغيرته عظيمة، وحماسته كبيرة، وقد قال ربُّنا سبحانه مذكِّرًا ومحذِّرًا: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47]. وقال عزَّ وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]، ففي مخالفة حكمه عزَّ وجلَّ الخيبة والخسران، كما أن فيه إساءة لسمعة المسلمين، وتنفيرًا لغير المسلمين من الدين الحق.

وأخيرًا: فليسأل كل مسلم وكل مسلمة نفسه: هل أنا مِمَّن يتَّبع حقًّا ما أمره الله تعالى به في كتابه العزيز؟!

وكتبه:

عبد الحق التركماني

نشر في سنة : 2010

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد