موقع الشيخ عبد الحق التركماني - إمام في كنيسة!

/ 25 أبريل 2024

للتواصل 00447432020200

إمام في كنيسة!

نشرت بواسطة : إدارة الموقع / 9 أبريل 2011 1550

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

ربَّما يكون المتهوِّك عثمان طوالبة ـ هداه الله وأصلحه ـ قد نال مبتغاه، وحقَّق أمله ـ بعد سنوات من استرضاء غير أهل ملَّته ـ؛ بحصوله على وظيفة إمامٍ في كنيسةٍ! فقبل سنوات تطوَّع بالصلاة في كنيسة مدينة Landskrona، وأذَّن تحت الصليب ـ كما رأيناه في الصور التي نشرت في الصحف ـ، فاستحقَّ الآن أن يكرَّم من قبل إحدى كنائس ستوكهولم بالتوظيف الرسمي، حتَّى لا يكون ممَّن خسر ثواب عمله هذا في الدنيا والآخرة معًا!

وقد تمَّ هذا التوظيف بتأييدٍ ومباركةٍ من قبل تنظيم الإخوان المسلمين ـ كما هو بيِّنٌ في تصريحٍ لرئيس الرابطة الإسلامية في السويد عمر مصطفى، نُشر في الموقع الرسمي للرابطة بتاريخ 18/3/2011 ـ، أي قبل توظيفه بأسبوعين. ولا عجبَ في هذا، فهو نتيجة لازمة لعقيدتهم ومنهجهم ودعوتهم في أوروبا، وقد قدَّموا لنا من قَبْلُ: طارق رمضان (1) ـ سبط حسن البنَّا، وابن أحد الخواصِّ من تلاميذ البنَّا: سعيد رمضان ـ، وأسَّسوا مجلس الإفتاء الأوربي لصناعة الفتاوى الشاذَّة ـ كتحليل بعض صور الربا وجواز أن تكون المسلمةُ فراشًا للكافر يجامعها وينجبُ منها! ـ، ولولا أنَّ شيخهم الدكتور يوسف القرضاوي ـ وفَّقه الله تعالى للحق وأعانه على قوله ـ وقَفَ بشدَّةٍ أمام مشروعهم: «الإسلام الأوروبي» الذي يبذلون جهدهم لتحقيقه؛ لرأينا ما هو أسوأ وأقبح، فإن طالت بنا الأيام لرأينا المزيد ممَّا يدمي قلب كلِّ غيورٍ على دينه، وقد أخرج البخاري في الصحيح عن أنس بن مالك أنَّه قال: لا يأتي عليكم عامٌ، أو يومٌ، إلا الذي بعده شرٌّ منه، حتى تلقوا ربكم عزَّ وجلَّ، سمعتُه من نبيِّكم صلى الله عليه وسلم. لهذا قلتُ لجماعة من طلبة العلم في الكويت، وقد سألوني عمَّا يكون إذا مات القرضاوي، فقلتُ لهم: «سنَلْطُمُ!»، فضحكوا، لظنِّهم أنِّي أمزحُ!

لقد أثار خبر توظيف طوالبة إمامًا في الكنيسة غضب واستياء المتديِّنين من أهل الملَّتين: الإسلام والنصرانية على حدٍّ سواء، لأنَّ كلَّ متديِّن، صادق في تديُّنه؛ لا يرضى أن يمسخ دينه، وتستباح حرماته، ويكون ألعوبة بيد أصحاب الأغراض:

فكلُّ يهودي متديِّن يعتقد ـ ضرورةً، ولا بدَّ ـ أن اليهودية هي الدين الحق، وما عداها فباطل، وأن كل من لم يدن بها فهو كافرٌ من أهل النار.

وكلُّ نصراني متديِّن يعتقد ـ ضرورةً، ولا بدَّ ـ أن النصرانية هي الدين الحقُّ، وما عداها فباطل، وأن كل من لم يدن بها فهو كافر من أهل النار.

وكلُّ مسلم متديِّن يعتقد ـ ضرورةً، ولا بدَّ ـ أن الإسلام هو الدين الحقُّ، وما عداه فباطل، وأن كل من لم يدن به فهو كافر من أهل النار.

فلا يرضى بدعوات تقارب الأديان، أو وحدة الأديان، أو الخلط بينهما، وكسر الحواجز العقيدية بينها، وإذابة خصائصها؛ إلا ملحدٌ، مستخفٌّ بالأديان كلها، لهذا رأينا عالمة اللاهوت والراهبة السويدية Annika Borg تبادر إلى كتابة مقالة لاستنكار هذه الواقعة، ومما قالت فيها: (من المهم الاحترام بين الأديان. أستطيع أن أتصور أن الإمام ينال الآن الكثير من الانتقادات من إخوانه وأخواته. يمكنني أن أفهم ذلك. الاحترام والتعاون لا يعني أننا يجب أن يوظِّف بعضنا البعض ـ وأنا لكوني كاهنًا أنثى؛ لا أعتقد أنني أكون صالحًا [مقبولاً] للعمل في التجمع الإسلامي ـ، والاحترام لا يعني أن لدينا دينًا واحدًا، وأن نخفي تحت السجَّادة جميعَ الاختلافات في المفاهيم عن الله والمعتقدات)!

وصدق الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله حين قال: (ثِقْ بالمتديِّن وإن كان على غير دينك، ولا تثقْ بالمستخفِّ وإن كان على دينكَ).

لقد ذكَّرني هذا الحدثُ بأحوال المسلمين في جزيرة صِقِلِيَّة بعد أن احتلَّها النورمان سنة (483هـ/ 1090م)، مما نجد توصيفًا لبعضها عند الرحالة الثقة محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسيُّ (ت: 614هـ)، في رحلته المسماة: (تذكرة بالإِخبار عن اتِّفاقات الأسفار)، فمن ذلك ما ذكره من أحوال مدينة اطرابنش، وقد دخلها سنة (580هـ/1185م)، فأطال في وصف أحوال المسلمين فيها، وأنا أنقل كلامه بطوله لندرته ولما فيه من العبرة والعظة، والله المستعان:

قال ابن جبير رحمه الله: (وفي مدة مقامنا بهذه البلدة تعرَّفنا ما يُؤلم النفوسَ تعرُّفُه من سوء حال أهل هذه الجزيرة مع عبَّاد الصليب بها دمَّرهم الله، وما هم عليه معهم من الذُّلِّ والمسكنة، والمقام تحت عهدة الذمة، وغلظة الملك، إلى طوارىء دواعي الفتنة في الدين على من كتب الله عليه الشقاء من أبنائهم ونسائهم. وربما تسبَّب إلى بعض أشياخهم أسباب نكالية تدعوه إلى فراق دينه، فمنها: قصَّة اتفقت في هذه السنين القريبة لبعض فقهاء مدينتهم التي هي حضرة ملكهم الطاغية، ويعرف بابن زرعة، ضغطته العمال بالمطالبة حتى أظهر فراق دين الإسلام والانغماس في دين النصرانية، ومهر في حفظ الإنجيل ومطالعة سير الروم وحفظ قوانين شريعتهم، فعاد في جملة القسيسين الذين يُستَفْتَوْن في الأحكام النصرانية، وربما طرأ حكم إسلاميٌّ فيُستفتى أيضًا فيه لما سبق من معرفته بالأحكام الشرعية، ويقع الوقوف عند فتياه في كلا الحُكْمين! وكان له مسجدٌ بإزاء داره أعادَه كنيسةً، نعوذ بالله من عواقب الشقاوة وخواتم الضلالة، ومع ذلك فأُعلمنا أنه يكتم إِيمانه؛ فلعله داخل تحت الاستثناء، في قوله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النَّحلُ: 106]).

قال عبد الحق التركماني عفا الله عنه: لا واللهِ، لا يدخلُ مثل هذا تحت الاستثناء المذكور في هذه الآية إلا على مذهب غلاة المرجئة.

قال ابن جبير رحمه الله: (ووصل هذه الأيام إلى هذه البلدة زعيم أهل هذه الجزيرة من المسلمين، وسيدهم القائد أبو القاسم ابن حمود، المعروف بابن الحجر، وهذا الرجل من أهل بيت بهذه الجزيرة توارثوا السيادة كابرًا عن كابر، وقرر لدينا مع ذلك أنه من أهل العمل الصالح، مريد للخير، محب في أهله، كثير الصنائع الأخروية من افتكاك الأُسارى، وبثِّ الصدقات في الغرباء والمنقطعين من الحجاج، إلى مآثر جمة، ومناقب كريمة، فارتجَّت هذه المدينة لوصوله، وكان في هذه المدة تحت هجران من هذا الطاغية ألزمه داره بمطالبة توجهت عليه من أعدائه، افتروا عليه فيها أحاديث مزورة، نسبوه فيها إلى مخاطبة الموحِّدين أيدهم الله، فكادت تقضي عليه لولا حارس المدَّة، وتوالت عليه مصادرات أغرمته نيفًا على الثلاثين ألف دينار مؤمنيَّة، ولم يزل يتخلَّى عن جميع دياره وأملاكه الموروثة عن سلفه حتى بقي دون مال، فاتفق في هذه الأيام رضا الطاغية عنه، وأمره بالنفوذ لمهم أشغاله السلطانية، فنفذ لها نفوذ المملوك المغلوب على نفسه وماله، وصدرت عنه عند وصوله إلى هذه البلدة رغبة في الاجتماع بنا، فاجتمعنا به، فأظهر لنا من باطن حاله، وبواطن أحوال هذه الجزيرة مع أعدائهم ما يُبكي العيون دمًا، ويُذيب القلوب ألمًا، فمن ذلك أنه قال: كنت أودُّ لو أُباعُ أنا وأهل بيتي، فلعل البيع كان يخلِّصُنا مما نحن فيه، ويؤدي بنا إلى الحصول في بلاد المسلمين. فتأمَّل حالاً يؤدي بهذا الرجل ـ مع جلالة قدره، وعظم منصبه ـ إلى أن يتمنَّى مثل هذا التمنِّي مع كونه مثقلاً عيالاً وبنين وبنات، فسألنا له من الله عزَّ وجلَّ حُسْنَ التخلُّص مما هو فيه، ولسائر المسلمين من أهل هذه الجزيرة. وواجب على كل مسلم الدعاءُ لهم في كل موقفٍ يقفُه بين يدَي الله عز وجل، وفارقناه باكيًا مبكيًا، واستمال نفوسنا بشرف منزعه، وخصوصية شمائله، ورزانة حصاته، وشمول مبرَّته وتكرمته، وحسن خلقه وخليقته. وكنَّا قد أبصرنا له ولإخوته ولأهل بيته بالمدينة ديارًا كأنها القصورُ المشيدة الأنيقة، وشأنهم بالجملة كبير لا سيما هذا الرجل منهم. وكانت له أيام مقامه هنا أفعال جميلة مع فقراء الحجاج وصعاليكهم، أصلحت أحوالهم، ويسَّرت لهم الكراء والزاد، والله ينفعه بها ويجازيه الجزاء الأوفى عليها بمنِّه.

ومن أعظم ما مُنِيَ به أهلُ هذه الجزيرة: أن الرجل ربما غضب على ابنه، أو على زوجه، أو تغضب المرأة على ابنتها؛ فتلحق المغضوبَ عليه أنفةٌ تؤدِّيه إلى التطارح في الكنيسة، فيتنصَّر ويتعمَّد، فلا يجد الأب للابن سبيلاً، ولا الأمُّ للبنت سبيلاً. فتخيَّل حال من يُمنَى بمثل هذا في أهله وولده، ويقطع عمره متوقعًا لوقوع هذه الفتنة فيهم! فهم الدهرَ كلَّه في مداراة الأهل والولد خوف هذه الحال.

وأهل النظر في العواقب منهم يخافون أن يتَّفق على جميعهم ما اتَّفق على أهل جزيرة أقريطش من المسلمين، في المدة السالفة، فإنه لم تزل بهم الملكة الطاغية من النصارى، والاستدراج الشيء بعد الشيء، حالاً بعد حالٍ، حتى اضطروا إلى التنصُّر عن آخرهم، وفرَّ منهم من قضى الله بنجاته، وحقَّت كلمة العذاب على الكافرين، والله غالب على أمره؛ لا إله سواه.

ومن عظم هذا الرجل الحمودي المذكور في نفوس النصارى أبادهم الله أنهم يزعمون أنَّه لو تنصَّر لما بقي في الجزيرة مسلم إلا وفعل فعله، اتِّباعًا له، واقتداءً به، تكفَّل الله بعصمته جميعَهم ونجَّاهم مما هم فيه بفضله وكرمه.

ومن أعجب ما شاهدناه من أحوالهم التي تقطع النفوس إشفاقًا، وتذيب القلوبَ رأفةً وحنانًا: أن أحدَ أعيان هذه البلدة وجَّه ابنه إلى أحد أصحابنا الحجَّاج راغبًا في أن يقبل منه بنتًا بكرًا، صغيرة السنِّ، قد زاهقت [أي: قاربت] الإدراكَ، فإن رضيها تزوجَّها، وإن لم يرضها زوَّجَها ممن رضي لها من أهل بلده، ويخرجها مع نفسه راضيةً بفراق أبيه وإخوتها، طمعًا في التخلُّص من هذه الفتنة، ورغبةً في الحصول في بلاد المسلمين. فطابَ الأبُ والإخوةُ نفسًا لذلك، لعلَّهم يجدون السبيلَ للتخلُّص إلى بلاد المسلمين بأنفسهم، إذا زالت هذه العقلة المقيِّدة عنهم، فتأجَّر هذا الرجلُ المرغوبُ إليه بقبول ذلك، وأعنَّاه على استغنام هذه الفرصة المؤدية إلى خير الدنيا والآخرة. وطال عجبنا من حالٍ تؤدِّي بإنسانٍ إلى السماح بمثل هذه الوديعة المعلَّقة من القلب، وإسلامها إلى يد من يغرِّبُها، واحتمال الصبر عنها، ومكابدة الشوق إليها، والوحشة دونها. كما أنا استغربنا حال الصبيَّة، صانَها الله ورضَّاها بفراق من لها، رغبةً في الإسلام، واستمساكًا بعروته الوثقى، والله عز وجل يعصمها ويكفلها ويؤنِّسها بنظم شملها، ويُجمل الصُّنعَ لها بمنِّه، واستشارها الأبُ فيما هم به من ذلك؛ فقالت له: إنْ أمسكتني فأنتَ مسؤولٌ عنِّي! وكانت هذه الصبيةُ دون أمٍّ، ولها إخوانٌ وأختٌ صغيرة أشقاء لها). انتهى كلام ابن جبير رحمه الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.

وكتبه:

عبد الحق التركماني

السويد في 9/4/2011م


(1) والظاهر أن عثمان طوالبة على سنَّته وطريقته، فقد قال في مقابلة له مع صحيفة سويدية بتاريخ 7/1/2008: (رغم أهمية الصلوات الخمس للمسلمين يجوز لنا بالواقع جمعها كلها في وقت واحد إذا لم يكن لدينا وقت). وجاء في المقابلة أيضًا: (القرآن هو مجرد كتاب كما يقول عثمان طوالبة متيقنًا، ومجرَّد نصوصه لا تكفي، ولا يؤمنُ طوالبة بأن أي شيء في الإسلام يعدُّ كاملاً، ولكنه خاضع قطعًا للتطور، والدين لا شيء بدون الناس، ويجب أن يكتمل مع ما يواجهنا في علاقتنا بالآخرين)!!

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد