موقع الشيخ عبد الحق التركماني - في رثاء الشيخ محمد حسن كاكه حمه رحمه الله

/ 28 مارس 2024

للتواصل 00447432020200

في رثاء الشيخ محمد حسن كاكه حمه رحمه الله

نشرت بواسطة : إدارة الموقع / 23 يوليو 2011 1175

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

تلقيت بأسًى بالغٍ، وحزن شديدٍ نبأَ وفاة الأخ الكريم، والصديق الوفي، والشيخ النبيل الأستاذ محمد حسن كاكه حمه الكردي، وذلك منتصفَ الليلة التي صبيحتها يوم الخميس 19/8/1432هـ، الموافق لــ: 21/7/2011م؛ فإنَّا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم، اللهم أجرنا في مصيبتنا هذه، واخْلُف لنا خيرًا منها.

رحمكَ الله ـ يا أبا عبد الله! ـ وغفر ـ بكرمه سبحانه ـ ذنبَك، وأكرم نُزُلك، ووسَّع مدخلك، وأبدلك دارًا خيرًا من دارك، وأهلاً خيرًا من أهلك، وأعلى درجتك في عليِّين، وجعلك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فقد كنتَ على منهاج النبوة دينًا وخُلُقًا، صادق اللهجة؛ تصدُقُ وتتحرَّى الصِّدقَ، صالحًا تقيًّا نقيًّا، سليمًا من الحقد والحسد والبغي، هكذا عرفتُكَ وحسبتُكَ، ولا أزكيك على الله تعالى، وإني لأرجو أن يكون الله عزَّ وجلَّ قد أكرمك بالرابعة فجعلك من الشهداء، فقد قُتلتَ مبطونًا بمرض السرطان وأنت صابر محتسب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن ماتَ في البطن فهو شهيد» أخرجه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «الشهداء خمسةٌ: المطعونُ، والمبطونُ، والغريقُ، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله» أخرجه البخاري ومسلم.

رجعتْ بي الذكرياتُ إلى أول يوم لقيتُ فيه الفقيد رحمه الله، فإذا بي في ساحة إعدادية الدراسات الإسلامية في كركوك، ومحمد حسن يتمشَّى في أطرافها، يراجع حفظه من القرآن، فسلمتُ عليه برفقة بعض الأصحاب ممن يعرفونه، غاب عنِّي أسماؤهم، ثم تكرر اللقاء به، فوجدته يقرأ في كتب الدكتور مصطفى محمود، فأنكرتُ عليه، وجرت بيننا لقاءات وحوارات لا أذكر شيئًا من تفاصيلها، ثم تخرَّج في تلك السنة (1987م)، والتحق بالمعهد العالي لإعداد الأئمة والخطباء في الأعظمية ببغداد، فلا أذكر أني لقيته إلا في السنة التي بعدها، بعد أن تخرجتُ من الثانوية، والتحقتُ بكلية الشريعة بجامعة بغداد؛ فإذا بي أجدُ صاحبي محمد حسن كاكه قد ظهرتْ عليه سمات طالب العلم، واهتدى إلى منهج السلف الصالح، وعرفَ الحقَّ فلزمه، وأكبَّ على كتب التوحيد والسنة، فعاتبني عتابًا لطيفًا رقيقًا على تقصيري ـ أيام الثانوية ـ في دعوته إلى منهج السلف، وتجدَّدت بيننا اللقاءات، فكنتُ أزوره في الأعظمية، وكان يزورني في محلِّ إقامتي، في مسجد خربٍ مهجورٍ، في أحد الأزقة الخلفية لجامع حيدر خانه، وربَّما زرنا شيخنا الشيخ صبحي البدري السامرائي ـ حفظه الله ـ بمنزله، وأخبرني مرَّةً أن الشباب السلفيين في المعهد العالي يقومون ـ سِرًّا ـ بتصوير كتاب: (إرواء الغليل) للألباني رحمه الله، فطلبتُ أن يُشركني معهم، ففعلَ جزاه الله خيرًا، فكانت تلك النسخة بحوزتي حتى هاجرتُ من العراق سنة (1995م).

ودامت الصلة بيننا على أحسن حال وأوثقها، حتى جاءت نازلة غزو الكويت، وما أعقبها من قلاقل وفتن بدَّدت شملنا حتى صرنا في البلاد أيادي سبأ، فخرجتُ إلى تركيا وأقمت هناك نحو سنة، وانتقل محمد حسن للإقامة في موطنهم الأصلي في جمجمال ـ بين كركوك والسليمانية ـ، وفي سنة (1992) علمتُ أنه يعمل مدرسًا في مسجد عمر بن الخطاب في السليمانية، فزُرتُه هناك، وتجدَّدت الصلة بيننا، لكنها لم تدم طويلاً، فقد خرج بعد ذلك بنحو سنتين إلى السودان، ثم إلى اليمن، واستقر هناك منذ سنة (1996)، وعمل مدرسًا، وواصل أثناء ذلك طلب العلم، فحصل على الماجستير، وسجَّل على مرحلة الدكتوراه، لكنه اضطر للعودة إلى بلده، بسبب مرض السرطان الذي اشتدَّ عليه، وكانت عودته ـ فيما أظن ـ في أواخر سنة (2006).

كانت الصلة بيننا أثناء إقامته في اليمن وانتقالي إلى السويد سنة (1996)؛ عبر البريد والهاتف والفاكس، كتب لي خلال ذلك بقصة خروجهم من العراق، فكان مما ذكره أنه تعرَّف في السودان على الشيخ البصير الوقور حسين عشيش، قال محمد حسن كاكه: (فتعلمتُ منه كيف يكون التقوى)، وكانت هذه كلمة مؤثرة، قدَّرتُ من خلالها أنه تأثر بسمت ذلك الشيخ واستقامته وخلقه، رحمهما الله جميعًا.

وابتلي الفقيد رحمه الله ببنت مصابة بشلل دماغي، وقد سعى في علاجها في اليمن فلم يستفد شيئًا، فقدم بها إلى مكة في رمضان (1419هـ)، والتقينا هناك، فأخبرني عن حال ابنته، واطلعني على خطاب شفاعة كتبه له الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وكان سبقني بزيارته، فاستقبله خير استقبال، وكتب إلى مدير مستشفى النور التخصصي بمكة المكرمة طلبًا بعلاج ابنته، صدر عن مكتب سماحته بتاريخ: 23/9/1419، ورقم: 3518/1، ومما جاء فيه:

«ولِمَا شَرَع الله من الشفاعة الحسنة وللتعريف بالأخ محمد وبيان حاجة ابنته إلى العلاج من فضيلة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي المعروف لديَّ، ولما جاء في رسالة الأخ من أسباب؛ فإني أرجو من سعادتكم التكرم بعلاج ابنته في المستشفى لديكم، وإذا كان لا يتوافر علاجها في المستشفى فأرجو الإفادة عن إمكانية علاجها في مستشفى آخر في المملكة أو خارجها».

وانشغل رحمه الله بمراجعة المستشفى، لكنه لم يستفد شيئًا، ولا أذكر سبب ذلك، فوعدته بالسعي لنقل ابنته إلى السويد، وبذلت في ذلك جهودًا كبيرةً، وأخذت بأسباب كثيرة، لكن لم يكتب الله تعالى النجاحَ لشيء منها، حتى يئسنا من الأمر، فكتب إليَّ رحمه الله رسالةً أرَّخها في 27/2/1420هـ، 11/6/1999م، ختمها بقوله:

«وأخيرًا: جزاك الله خيرًا على ما بذلت من جهدٍ في قضيتي، هذا الذي أملكه لك الآن من مقابلة جميلك معي، وأسأل الله أن يمكنني من شكرك عليه فعلاً، لا قولاً فقط».

لله درُّك من رجلٍ يا أبا عبد الله، فقد بلغت بالشكر غايته بثباتك على الأخوَّة، ووفائك للصداقة، وحفظك للمودة، وقد ميَّزك الله عز وجل بالصدق والوفاء والحياء وحسن السمت وجميل الأخلاق، وابتلاك بما يبتلي به عباده الصالحين من الفقر والأمراض والأوجاع والشدائد والمحن، وحفظك وأعانك وسدَّدك بالصبر والثبات والاحتساب والاستعفاف، فاللهَ سبحانه أسألُ أن يجعلك ممَّن قال فيهم:

{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 20-24]…

فاللهم لا تحرمني أجره، ولا تفتنِّي بعده، آمين، آمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وكتبـــــه:

أبو مَسْلَمة عبد الحق بن ملا حقي التركماني

في مكتبه بالسويد ظهر السبت: 21/8/1432هـ، الموافق 23/7/2011م.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد