موقع الشيخ عبد الحق التركماني - من تواضع أبي العبَّاس المرسي!

/ 27 أبريل 2024

للتواصل 00447432020200

من تواضع أبي العبَّاس المرسي!

نشرت بواسطة : إدارة الموقع / 4 سبتمبر 2011 1091

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

ذكَّرني حالُ بعض المعاصرين وأتباعهم بحال أبي العباس المُرْسِي ودراويشه!

قال ابن عطاء الله السكندري (ت: 709هـ) في كتابه: (لطائف المِنَن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن) (ص: 185، تحقيق: عبد الحليم محمود، دار المعارف، القاهرة):

(وكنت في مبدإ الشبيبة عملتُ فيه [يعني في شيخه أبي العباس أحمد المرسي] قصيدةً، وأُنشدتْ بين يديه، فلما فُرغ من إنشادها، قال: أيَّدك الله بروح القدس! وهي هذه…)، ثم ساقها، وهي طويلة، وفيها:

لا تقل لي إن هذا زمن *** عسر فيه وجود من سلم

أولياء الله لم ينقرضوا *** إن حزب الله غير منهزم

قد رأينا كلهم في واحد *** ذي بهاء ووفاء وهمم

في أبي العباس مجموع الذي *** مُنِحُوه من علم وحكم

بأبي العباس زاحت كُربة *** عن قلوب الخلق وانجابت ظلم

وبه شمس الهدى قد ظهرت *** وبه درُّ العلوم قد نظم

أيُّ نور بدا لأهله *** أي علم قد بدا لمن فهم

ولقد فضَّله ربُّ العلا *** وكساه حللاً من النِّعم

قل لأقوام أرادوا شأوه *** أقصروا إن الإله قد قسَم

ليس هذا الأمر أمرًا هيِّنًا *** فتنالوه بجدٍّ وهمم

إنما هي قسمة قد قسمت *** أعطيت أحمد في حال العدم

نازعوا الله تعالى حكمه *** إذْ أرادوا ستر ذا النور الأتم

إن يكونوا أنكروا شمس الضحى *** إذ تبدَّى النور منها واستتم

ومنها قول ابن عطاء:

وقديمًا قال فيه شيــخه *** وهو قطب الأرض ذو العلم الأعم

إنما أنت أنا فاعلــم بذا *** إن هذا لــيس أمرًا مكتتم

وساق بقية الأبيات، ثم قال ابن عطاء: (وحين انتهى في الإنشاد إلى قولنا:

قد رأينا كلهم في واحد *** ذي بهاء ووفاء وهمم

في أبي العباس مجموع الذي *** مُنِحُوه من علم وحكم

قال الشيخ رضي الله عنه: والله لقد قال لي الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: يا أبا العباس! فيك ما في الأولياء، وليس في الأولياء ما فيك!)

قال ابن عطاء: (ولما انتهى في إنشادها إلى قوله:

وقديمًا قال فيه شيخه *** وهو قطب الأرض ذو العلم الأعم

إنما أنت أنا فاعلم بذا *** إن هذا ليس أمرًا مكتتم

قال الشيخ رضي الله عنه: والله لقد قال لي الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: يا أبا العباس ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا، وأنا أنت!) ثم ذكر ابن عطاء أن شيخه أبا العباس أحمد المرسي أمره ـ بعد ذلك بسنين ـ بإنشاء قصيدة أخرى في مدحه، ساقها بطولها، وفيها غلوٌّ شديدٌ في مدحه، منها قوله:

قد كمُلتْ فيه الفضائل كلها *** وتجمعت فيه على أُخراها

ومنها:

الله أبقى للبرية أحمدا *** وأقامه فيها لكي يرعاها

إن تنكروا الآيات وهي ظواهر *** فلقد تبدَّت واستبان سناها

هم يعلمون بأنه قطب الورى *** لكنه غلب على النفوس هواها

أو ما ترى قوم النبي محمد *** جحدوا ولجوا في الجحود سفاها

مع علمهم أن النبي محمدًا *** كان الرسول أتى لها بهداها

فأدام غيظهم المليك ولم تزل *** في حالة يرضى بها مولاها

ليس من عجبٍ أن يغلو ابن عطاء في شيخه، فهذا حال الصوفية مع أشياخهم، لكن العجب في أن تنال هذه القصيدة رضا الشيخ، بل يستحسنها جدًّا، حتى أنه تعنَّى حفظها، وصار يردِّدها، عشقًا لنفسه، وتعظيمًا لذاته، فقد قال ابن عطاء بعدها (ص: 188): (وكان يعجبه منها:

كم من قلوبٍ قد أميتت بالهوى *** أحيا بها من بعد ما أحياها

فكان يستعيد القصيدة إلى هذا البيت، فإذا انتهى في الإنشاد إليه استعاده، جعل الله مدحنا هذا موضوعًا في الميزان، وموجبًا للرضوان، بمنِّه وكرمه) انتهى كلام ابن عطاء.

قال أبو مَسْلَمة غفر الله له: أما ابن عطاء الله السكندري، فهو أحمد بن محمد بن عبد الكريم الإسكندري ثم القاهري (ت: 709هـ)، صاحب (الحكم العطائية) الشهيرة، كان من أئمة التصوف والوعظ في زمانه، شديد الخصومة ـ بفجورٍ وبغيٍ ـ للإمام المصلح شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية النميري (ت: 728هـ) رحمه الله.

وأما شيخه أبو العباس: فهو أحمد بن عمر المرسي ـ بضم الميم نسبة إلى مرسية مدينة في الأندلس ـ (ت: 686هـ)، صوفي أقام في الإسكندرية، وورث طريقة شيخه أبي الحسن الشاذلي، وكان يقول فيه: أبو العباس بطرق السماء أعلم منه بطرق الأرض. وذكر اليونيني في (ذيل مرآة الزمان) عن أبي العباس، أنه قال: رأيتُ عمر بن الخطاب رضوان الله عليه في المنام، فقلت: يا أمير المؤمنين! ما علامة حب الدنيا؟ قال: خوف المذمة، وحبُّ الثناء.

قال أبو مسلمة: هذه الرؤيا ـ إن صحت ـ فهي رؤيا تأديبية، لم يستفد منها أبو العباس شيئًا!

وشيخُ هذا هو: أبو الحسن علي بن عبد الله الشاذلي (ت: 656هـ)، رأس الطائفة الشاذلية، وصاحب الأوراد المسماة (حزب الشاذلي)، ولد في بلاد (غمارة) بريف المغرب، وسكن (شاذلة) قرب تونس، فنسب إليها. وقد أخرجه أهل المغرب، وكتبوا إلى نائب الإسكندرية: أنه يقدم عليكم مغربي زنديق، وقد أخرجناه من بلدنا فاحذروه! فدخل الإسكندرية فآذوه، (فظهرت له كرامات أوجبت اعتقاده!)؛ فتمكَّن من خداعهم، ونَشْر باطله بينهم. والله المستعان.

وكتبه:

أبو مَسلَمة عبد الحق التركماني

بريطانيا 6/10/1432هـ

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد