إذا أنكرتم مسلسل عمر فلا تنسوا آلام المسيح!
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فلا يزال مسلسل عمر ـ رضي الله تعالى عنه وعن أبي بكر الصديق وسائر إخوانهما، وقبَّح الله مُمثِّليهم ـ: يُعرضُ، ولا يزال كثير من أهل العلم والدين والإيمان يواصلون استنكارهم لهذه الجريمة النكراء ـ التي صدرت ممَّن ينتسبون إلى السنة ـ في حقِّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قال العلماء الربَّانيون والمتديِّنون كلمتَهم ـ من قبلُ ومن بعدُ ـ فأسقطوا الإثم عن الأمَّة، وبرَّؤوا الذمة ـ جزاهم الله خيرًا ـ، لكني أعنقد أنَّ عامَّة المسلمين لم يفهموا حتَّى الآن الفكر الحركي، ولا استوعبوا مشروعَه، ولا أدركوا مقاصدَه وغاياته، بل إن أكثر أهل العلم والإيمان لا يتجاوز في ردِّه لما يُخرجه علينا الحركيون من الضلال ـ شيئًا بعد شيء، حتى يَعمَل في الأمة عملَه ـ؛ لا يتجاوز ردَّ الواقعة المعيَّنة دون النفوذ إلى أعماق فكرهم ومشروعهم.
من هنا رأيتُ أن أذكِّر الجميع بفتوى سابقة للشيخ الأكبر لفريق مسلسل عمر: الدكتور يوسف القرضاوي ـ هداه الله تعالى وأصلحه ـ في التشجيع على مشاهدة فيلم: (آلام المسيحThe Passions Of The Christ ) عندما عُرض في السينما بقطر ربيع سنة (2004). وهو للممثل والمخرج الأسترالي الصليبي المتعصِّب: ميل غيبسون، الذي قال عن عمله: (لا أعتبر الفيلم ناجحًا إلا إذا تنصَّر مشاهدوه)!
لا أحتاج إلى شرح مضمون الفيلم فعنوانه ينطقُ بالكفر البواح بإثبات صلب المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وهو تكذيب صريح لكتاب الله تعالى: {وقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157].
وكان لفتوى القرضاوي أكبر الأثر في إقبال العامة على مشاهدته، فقد نشرت صحيفة (ميدل ايست أونلاين) بتاريخ 29/4/2004م ما نصه: (آلام المسيح يحقِّق نجاحًا كبيرًا في قطر. تأييد الشيخ يوسف القرضاوي لعرض الفيلم يرفع من عدد مشاهديه رغم الانتقادات الموجهة لعارضيه «بقلة الغيرة على الدين») وكتب مراسلها في الدوحة: فيصل البعطوط: (الفيلم يقترب من تحقيق الرقم القياسي الخاص بتيتانك. قال مسؤول قطري في قطاع السينما إن فيلم “آلام المسيح” المثير للجدل يقترب من تحقيق رقم قياسي في المشاهدة في قطر وهو يطوي الأسبوع السادس من عرضه في الدوحة مشيرًا إلى أن تأييد الشيخ يوسف القرضاوي لعرض الفيلم أسهم في الإقبال عليه… لكن عرض الفيلم في قطر لم يسلم من انتقادات شديدة على مواقع الانترنت وفي بعض الصحف واتهم المعارضون إدارة سينما قطر “بقلة الغيرة على الدين”. بيد أن الداعية الإسلامي المعروف الشيخ يوسف القرضاوي أباح مشاهدة الشريط للبالغين “كونهم لا يؤمنون بأن عقيدة الصلب صحيحة” وتحفظ على رؤية الصغار للفيلم “حتى لا تنطبع صورة صلب المسيح في نفوسهم”…). ونقلت فتوى القرضاوي وتأييده وكالات أخبار أخرى، منها: موقع الـ MSN في 29/4/2004 تحت عنوان: (إقبال شديد على آلام المسيح في قطر بتأييد من القرضاوي)، وجريدة السياسة الكويتية، في عددها (12731) بتاريخ 30/4/2004م.
فما الذي حمل القرضاويَّ على الفتوى بجواز مشاهدة هذا الكفر البواح ـ مع تأكيده على نفي عقيدة الصلب وعدم جواز تمثيل الأنبياء ـ؟!
الذي حمله على ذلك: أن الفيلم أثار غضب اليهود، لأنَّ فيه اتهامًا لليهود بصلب المسيح عليه السلام. فما كان من القرضاوي إلا أن شجَّع المسلمين على مشاهدة الفيلم نكايةً ومعاندةً لليهود، وإن كان في ذلك تكذيب لصريح القرآن، ونقض لأصل من أصول الإيمان! ونقرأ في الخبر السابق عن القرضاوي: (وأشار إلى أن الفيلم “يجسد جريمة من جرائم اليهود التي ارتكبوها طوال ألفي سنة وآخرها قتل الشيخ القعيد أحمد ياسين”. وقال “رغم أننا نعتقد أنه لم يصلب فهناك جريمة أُرتكبت، والذين مهدوا لهذه الجريمة وساعدوا بتقديم المسيح إلى الصلب هم اليهود”.).
هل أدركتم ـ الآن ـ أنَّ القوم يتَّخذون الدِّينَ وسيلةً للمغالبة على الدُّنيا، أو بتعبيرهم: الصراع الحضاري، والمدنية، والنهضة، والحرية، والثورة، والمساواة،…
وهل أدركتم مغزى سلمان العودة في قوله: (لو ظهر مسلسل عمر بدون شخصيات سيكون هزيلاً)! [العربية نت: 22/7/2012]
إذن فلا تنسوا هذا، وفكِّروا فيه جيِّدًا!
ولا تنسوا أن أحد أركان فكرهم: أبو الأعلى المودودي يصف الصلاة بأنها: (تمارين رياضية، ودورة تدريبية)، يعني: لتهيئة الإنسان للقيام بمشروع إعمار الأرض.
ولا تنسوا أنه كلما أقبل رمضان بادرونا بمواعظهم المملَّة عن فوائد الصوم الصحية والنفسية والاجتماعية.
ولا تنسوا أنهم إذا ذكروا الركن الرابع: الزكاة، تكلموا عن العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات، وفي أيام الشيوعية: عن اشتراكية الإسلام! وألَّفوا في (اشتراكية الإسلام) كتبًا.
ولا تنسوا أنهم يفسرون الركن الخامس (الحجَّ) بأنه مؤتمر سياسي عالمي. [يراجع للتوسع والتوثيق مقال: فتنة ولا أبا الحسن لها].
وليس للشيخ القرضاوي وتلميذه الصغير سلمان العودة ومن تبعهما من الحركيين أسوةٌ ولا قدوةٌ من أحدٍ من أئمة الإسلام وعلمائه الصالحين في الدعوة إلى الله تعالى بالتمثيل والفنِّ، وإنَّما أسوتُهم وقدوتُهم مبتدعُ التصوير الفنِّي في القرآن الكاتب الشهير سيد قطب ـ تجاوز الله عنَّا وعنه ـ، فإنَّهم اليومَ ينفِّذون عمليًّا ما أسَّس له سيد قطب نظريًّا من تفسير القرآن ووصفه بمفردات اللَّهو والسِّحر والشعوذة: (الفن، والشعر، والتمثيل، والمسرح، والسينما، والتصوير، والرسم، والألوان، والموسيقى، والسِّحر، والهينمة، والتعويذة)، ولم يدَّخر بعض تفاصيلها: (الوتر، والإيقاع، والجَرس، والمقطوعة، والأصداء، والنَّغَم، والألحان، والتشخيص، والمشاهد المسرحية والسينمائية، والبطل، والنظَّارة، والستار، والريشة، والظلُّ، ووحدة الرَّسم، واللوحة الطبيعيَّة، وتناسق الإخراج، وتناسق التصوير، والتناسق الفنيُّ…إلخ). ووصف آياتٍ من سورة الفجر بـ: (الموسيقى الرَّخيَّة المتماوجة)، ووصف آياتٍ منها بـ: (العرض العسكريِّ الذي تشترك فيه جهنَّم بموسيقاه العسكرية المنتظمة الدقَّاتِ)، ووصف بالموسيقى: سورة النازعات، والضحى، والليل، والعاديات، وغيرها كثير كما في كتابه (التصوير الفني في القرآن) ص: 97، 111-115، طبع دار الشروق، القاهرة، طبعة (16)، (2002م).
ووصف سيد قطب القرآنَ العظيم عامَّةً بالتمثيل والموسيقى التصويرية فقال: (القرآن يرسم صورًا، ويعرضُ مشاهدَ يتوافر لها أدلُّ مظاهر التناسق الفنِّيِّ في في ماء الصورة، وجوِّ المشهد، وتقسيم الأجزاء، وتوزيعها في الرُّقعة المعروضةِ) [التصوير الفني في القرآن: ص 114].
ولمَّا كان سيد قطب في زمن ليس فيه (إم بي سي)، ولا (روتانا)، ولا شيء من القنوات الفضائية التي سُخِّرتْ اليومَ لأتباع فكره وتفسيره للإسلام؛ فقد لجأ إلى أشهر أهل الفنِّ في زمانه للتثبُّت من صحة توصيفاته للقرآن، وسجَّل ذلك بقوله (ص: 102): (تفضَّل الموسيقي المبدع الأستاذ محمد حسن الشجاعي [ت: 1963م] بمراجعة هذا الجزء الخاصِّ بالموسيقى في القرآن الكريم، وكان له الفضلُ في ضبط بعض المصطلحات الفنيَّة الموسيقيَّة). وبقوله (ص: 114): (تفضَّل الأستاذ الفنَّان ضياء الدين محمد مفتِّش الرسم بوزارة المعارف بمراجعة هذا القسم الخاصِّ بتناسق الصور). ولعلَّ سيد قطب أراد بهذا أن يَجُبَّ الغيبة عن نفسه، لئلا يظنَّ به ظانٌّ أنه يقصد بما وصف به القرآن من التمثيل والموسيقى والمشاهد المسرحية والسينمائية..إلخ؛ أنَّه يقصِد الجانب النظريَّ المحض، فبيَّن بتصريح لا يقبل التأويل أنَّه يقصِد ما يعرفُه الناسُ في واقعهم من حقائق الموسيقى والتمثيل والرسم والمسرح والسينما.
فاليوم (مسلسل عمر)، وغدًا: (مسلسل القرآن)!
واستعدوا لما هو أضلُّ وأشنعُ وأقبحُ، فالقوم يتدرَّجون في إخراج ما لديهم، لكن لا تزال طائفة من الأمة ظاهرةٌ بالحقِّ حتَّى يأتي أمر الله، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كتبه:
عبد الحق التركماني
15 رمضان 1433
- لا يوجد تعليقات بعد