موقع الشيخ عبد الحق التركماني - إجماع فِرَق المسلمين على أنَّ ما يصرِّح به عدنان إبراهيم هو الكفر المبين

/ 19 أبريل 2024

للتواصل 00447432020200

إجماع فِرَق المسلمين على أنَّ ما يصرِّح به عدنان إبراهيم هو الكفر المبين

نشرت بواسطة : إدارة الموقع / 28 ديسمبر 2015 2666

الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القويُّ المتينُ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوث بالحقِّ المبين، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أما بعد:

فمنذ سنوات يبثُّ المتفلسف عدنان إبراهيم من مكتبه الصغير في النمسا ـ الذي يسمِّيه مسجد الشورى ـ جهالاته وضلالاته وكفرياته على شبكة الانترنت، ورغم كثرة هذيانه، وقوة نعيقه؛ فلم ينل شيئًا من الاهتمام والانتشار والشهرة التي يطمح إليها، فنبَّهه أخيرًا شياطينُه من الإنس والجنِّ إلى طريق قصيرة سريعة إلى الشهرة العالمية؛ ألا وهي الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتشكيك في كثير من الأصول الثابتة، والأحاديث الصحيحة، وتشويه التاريخ الإسلامي، فأنبرى للردِّ عليه جماعة من أهل العلم والديانة والحمية الإسلامية، فبلغ مبتغاه، ونال مراده، وقابل أولئك طائفةٌ ممَّن لا يجرؤون على الجهر بمثل آرائه بحكم بيئتهم؛ فاحتفوا به، وأثنوا عليه، ومنهم: طارق السويدان، الذي جعل قناته الفضائية منبرًا له خلال شهر رمضان (1433)، وسلمان العودة الذي أثنى عليه ثناءً كبيرًا واصفًا إياه بالموسوعي وأنَّ: (له مواد مفيدة في تعزيز الإيمان)!

ولا شكَّ أن هذا التسويق الإعلامي من قبل السويدان والعودة وغيرهما؛ يراد به تقوية وترسيخ ما يدَّعيه ذلك الزنديق من أنَّ خلافه إنما هو مع من يصفهم بالمتشددين، والمتخلِّفين، والمقلِّدين، والمتحجِّرين، من السلفية والوهابية وأتباع ابن تيمية! والحقيقة أنَّ خلاف عدنان إبراهيم ليس مع أهل السنة والجماعة الذين ينبزهم بتلك الألقاب فحسب، بل خلافه وانحرافه وضلاله عن جماعة المسلمين من حيث كونهم مسلمين، أي: جميع أهل الملَّة والقبلة من أهل السنة والجماعة، والمعتزلة، والأشاعرة، والماتريدية، والصوفية، والإباضية، والزيدية، وكذلك أتباع المذاهب الفقهية، من: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، وكذلك الجماعات الإسلامية المعاصرة، كالإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية، وحزب التحرير، وجماعة التبليغ والدعوة، والديوبنديَّة، وكذلك المجامع الفقهية، ولجان الفتوى والجامعات الإسلامية، وكذلك بعض من لا يُعدُّون في الثنتين والسبعين فرقةً؛ كالشيعة الإمامية الاثني عشرية، ومجموع هؤلاء يمثلون الأمة الإسلامية التي تبلغ تعدادها مليارًا ونصف مليار مسلم، ولا يخرجُ عنهم إلا طوائفُ يسيرةٌ لا يمكن تتبعها في هذه العجالة المختصرة، وإلا أفرادٌ قلائلُ ممَّن شذُّوا عن الفرقة التي ينتمون إليها، والجماعة التي ينتسبون إليها.

أقول: فهذا الزنديق عدنان إبراهيم يُصرِّح ـ بالتقرير والتفصيل والدعوة والمحاججة ـ بما هو كفرٌ صُراحٌ عند جميع المسلمين على اختلاف فرقهم ومذاهبهم وجماعاتهم، وليس كما يزعم هو مِنْ مخالفته لطائفةٍ من المسلمين، ولا كما ادَّعاه سلمان العودة من أنَّ لديه: (جرأةً في بعض الأحيان على نتائج معينة)، وأنه يُطلقُ: (كلماتٍ ربَّما تَركها أَولَى)! بل هذا الزنديق يصرِّح ـ كما سيأتي ـ بما هو كفرٌ بواحٌ عند جميع المسلمين على وجه الأرض؛ إلا من شذَّ منهم.

ولا شكَّ أن إغفال أصل الخلاف مع هذا المتفلسف الزنديق، وحصره في مسائل من أصول الدين وفروعه ـ التي وقع الخلاف فيها بين الفرق الإسلامية ـ يُضعف جانبَ الردِّ عليه، ويعطيه فرصةً أكبر للتشغيب والإضلال، كما يعطي أنصاره ـ الذين يَجْبُنونَ عن التصريح بما يصرِّح هو به ـ مساحةً أكبر للاعتذار عنه والتهوين من انحرافاته وضلالته وكفريَّاته. فيبدو الأمر كما لو أن عدنان إبراهيم مسلم، متديِّن، صدرت منه انحرافات، وضلالات، أو أخطاء كما يقع من أي عالمٍ صحيح الإسلام!

لهذا رأيتُ كتابة هذا المقال، لأوثِّق فيه نموذجًا واحدًا من اعتقاداته التي يكفِّره بها جميعُ الفرق الإسلامية، وأبدأ ذلك بذكر كلامه في تقرير عدم لزوم الدخول في طاعة النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم ودينه على أهل الكتاب، والإحالة إلى مصدره بصوته، ولن أناقش شبهاته الواهية ولا أباطيله الفاضحة، بل أكتفي بذكر نقولات موثَّقة في حكم العلماء من مختلف الفرق الإسلامية بكفر هذه المقولة الشنيعة وكفر قائلها.

أولًا: نصُّ كلام عدنان إبراهيم في أن الكتابيَّ ـ يهوديًّا أو نصرانيًّا ـ ليس ملزَمًا بأكثر من أن يُقرَّ بنبوة محمدٍ، لكنه ليس ملزمًا بأنْ يتَّبعه، وأن يتديَّن بشرعه:

قال الدكتور عدنان إبراهيم ـ رئيس جمعية لقاء الحضارات في النَّمسا ـ ما نصُّه: «ما انتهى إليه اجتهادي في هذه المسألة المشْكِلة جدًّا، وطبعًا أعرفُ أنَّ هذا الاجتهاد حقيقٌ أن أُكفَّرَ عليه وبسببه من كثيرٍ من المسلمين الذين ينتظرون فرصة كهذه، لكن باختصار: الذي بانَ لي أنَّ الكتابيَّ ـ يهوديًّا أو نصرانيًّا ـ ليس ملزَمًا بأكثر مِنْ أنْ يُقرَّ بنبوة محمدٍ، يقول: نعم هذا نبيٌّ. لكنه ليس ملزمًا بأن يتَّبعَه، وأن يتديَّن بشرعه، لأنَّه إنْ آمنَ بأنه نبيٌّ ورسولٌ، هو مخيَّرٌ بعد ذلك أن يقيم كتابه، لكن أن يقيم كتابه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}، لا تقل: لي القرآن. الله قال: {مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} انتبه، في آيةٍ أخرى يقول: {أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}. إيَّاك أن تخلط، وتقول لي: معناها أُنزل إليكم القرآن. هذا كلامٌ فارغ، أُنزل إليكم وليس أُنزل إلينا. إذا آمنَ الكتابيُّ بمحمدٍ في هذا، فلا يعتبر كافرًا بمحمدٍ، لكنه ليس ملزمًا بالاتِّباع إنْ اتَّبعَهُ فله أجران، النبي يقول: «ثلاث يأتون أجرهم مرتين، رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي». والمعنى: أنه إن لم يؤمن بي لكن لم يكفر ـ لم يتبعني ولم يكفر ـ: فله أجرٌ واحدٌ. لكن إنْ كفَرَ بمحمدٍ، وجَدَّفَ على محمدٍ، واعتبرَه مُهرطقًا وكذابًا؛ شرعُ محمدٍ يقول: إنه قد كفر بما أنزل الله، لأن الذي أَنزل ما أَتى به محمدٌ هو الذي أنزل التوراة والإنجيل». انتهى موضع الشاهد من كلام عدنان إبراهيم. وقد قرر عقيدته هذه مرارا، وكرر الكلام فيها تكرارا، وفي ذيل هذه المقالة روابط لمقاطع مختلفة من خطبه ومحاضراته.

ثانيًا: ملخَّص كلام عدنان إبراهيم:

1- إن أهل الكتاب ليسوا ملزمين بأكثر مِنَ الإقرار بنبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

2- حصرَه كفر أهل الكتاب بكُفر التكذيب بأصل نبوَّته، فلا يعدُّ امتناعهم عن الدخول في دينه وشريعته كفرًا.

3- إنَّ اتِّباع أهل الكتاب لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ودخولهم في دينه والتزامهم بطاعته؛ ليس شرطًا في إيمانهم ونجاتهم، بل ذلك فضيلة إن فعلوه فلهم في ذلك أجران.

4- إقرارُ أهل الكتاب على دينهم المحرَّف، وشرعهم المبدَّل.

5- تصريحه بأنَّ اعتقاده هذا نتيجة علم وبحث ودراية، وليس سقطةَ لسانٍ، ولا خطأً عند ارتجال الكلام.

6- تصريحه بعلمه وإدراكه أن كلامه هذا كفرٌ صريحٌ موجب لتكفيره من كثير من المسلمين. والصحيح: عند جميع المسلمين ـ كما يتضح من الفقرة التالية ـ إلا من شذَّ ممَّن ينتسب إلى الإسلام، كما ذُكِرَ عن أحد المنتسبين إلى فرقة الإباضية مثل قول عدنان إبراهيم، وقد اتفقَّ الإباضية على تكفيره؛ كما سيأتي في النقل عن الإمام ابن حزم رحمه الله.

ثالثًا: أنَّ سلف عدنان إبراهيم في قوله هذا هم العيسويَّة من فرق اليهود:

قال العلامة المتكلِّم أبو بكر محمد بن الطيب، المعروف بابن الباقلاني (ت: 403هـ) ـ من أئمة الأشاعرة ـ في كتابه «التمهيد» ص 218: «باب الكلام على العيسوية منهم الذين يزعمون أن محمدًا وعيسى عليهما السلام إنما بعثا إلى قومهما، ولم يبعثا بنسخ شريعة موسى عليه السلام. يقال لهم: إذا أوجبتم تصديق محمد وعيسى عليهما السلام في قولهما إنهما نبيَّان من عند الله؛ فما أنكرتم من وجوب تصديقهما في قولهما: إنهما قد بعثا إلى كل أسود وأبيض، وأنثى وذكر، وبنسخ شريعة موسى وكل صاحب شرع قبلهما؟! فإن كان قد كذبا في هذا القول مع ظهور المعجزات على أيديهما فما أنكرتم أن يكونا كاذبين في سائر أخبارهما، وهذا يبطل النبوة جملة، فإن قالوا: نحن لا نكذب محمدًا وعيسى عليهما السلام في هذا القول لو قالاه، لأنهما لو كذبا في بعض ما يخبران به عن الله سبحانه لم يكونا نبيين، ولكننا نكذب النصارى والمسلمين في ادعائهم ذلك عليهما، فالكذب واقع من ناحية أمتيهما، ولم يقع من جهتهما! يقال لهم: إذا جاز الكذب على النصارى والمسلمين في هذا الخبر الذي يدعونه على محمد وعيسى عليهما السلام فلم لا يجوز عليهم الكذب في جميع ما نقلوه عنهما، وفي نقلهم أعلامهما، ولم لا يجوز مثل ذلك على اليهود أيضًا؟! ونقله البلدان والسير، وهذا يعود إلى إبطال القول بالأخبار جملة، وفي إطباقنا وإياهم على فساد ما أدى إلى ذلك دليل على فساد قولهم، وصحة قول المسلمين والنصارى في هذا الباب».

وقال الأصولي المتكلِّم الشهير أبو حامد محمد بن محمد الغزَّالي الأشعري الصوفي (ت: 505هـ) في كتابه: (الاقتصاد في الاعتقاد): «العيسوية: حيث ذهبوا إلى أنَّه صلى الله عليه وسلم رسولٌ إلى العرب فقط لا إلى غيرهم، وهذا ظاهر البطلان فإنَّهم اعترفوا بكونه رسولاً حقًّا، ومعلومٌ أنَّ الرسول لا يكذب، وقد ادعى هو أنه رسول مبعوث إلى الثقلين، وبعث رُسُلَه إلى كسرى وقيصر وسائر ملوك العجم، وتواتر ذلك منه، فما قالوه محال متناقض».

وقال المتكلِّم الأشعريُّ الأصولي فخر الدين الرازي (ت: 606) في «التفسير الكبير» {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]: «وقال طائفة من اليهود ـ يقال لهم العيسوية، وهم أتباع عيسى الأصفهاني ـ: إن محمدًا رسول صادق مبعوث إلى العرب، وغير مبعوث إلى بني إسرائيل. ودليلنا على إبطال قولهم هذه الآيةُ. لأنَّ قوله: {يا أيها الناس} خطاب يتناول كل الناس، ثم قال: {إني رسول الله إليكم جميعًا}، وهذا يقتضي كونه مبعوثًا إلى جميع الناس، وأيضًا: فما يعلم بالتواتر من دينه أنه كان يدعي أنه مبعوث إلى كل العالمين. فإما أن يقال: إنه كان رسولاً حقًّا أو ما كان كذلك، فإن كان رسولًا حقًّا، امتنع الكذب عليه. ووجب الجزم بكونه صادقًا في كل ما يدعيه، فلما ثبت بالتواتر وبظاهر هذه الآية أنه كان يدعي كونه مبعوثًا إلى جميع الخلق؛ وجب كونه صادقًا في هذا القول، وذلك يبطل قول من يقول: إنه كان مبعوثًا إلى العرب فقط، لا إلى بني إسرائيل».

وقال الأصولي أبو الحسن علي بن أبي الآمدي الأشعري الشافعي (ت: 631)، في كتابه: (غاية المرام في علم الكلام): «وأما العيسوية فيمتنع عليهم ـ بعد التسليم بصحة رسالته وصدقه في دعوته ـ إلا الإذعان لكلمته، إذ لا سبيل إلى القول بتخصيص بعثته إلى العرب دون غيرها من الأمم، مع ما اشتهر عنه، وعُلم بالضرورة والنقل المتواتر من دعوته إلى كلمته طوائف الجبابرة وغيرهم من الأكاسرة، وتنفيذه إلى أقاصي البلاد وملوك العباد، وقتال من عانده، ونزال من جاحده، ثم ذلك معتمد على سند الصدر الأول من المسلمين، مع علمنا بأن ذلك الجم الغفير، والجمع الكثير، ممن لا يتصوَّر عليهم التواطؤ على الباطل عادةً، لا سيما لما كانوا عليه من شدة اليقين، ومراعاة الدين، فلو لم يعلموا منه ضرورةً أنه مبعوث إلى الناس كافة، وإلى الأمم عامة، من الأسود والأبيض، وإلا لما نقلوا ذلك، رعاية للدين، مع أنه ترك الدين، وكذلك أيضًا: من جاء من بعدهم على سنتهم، وهلم جرًّا إلى زمننا هذا، ولو لم يكن نبيًّا على العموم لزم أن يكون قد كذب في دعواه، وأبطل فيما أتاه، وذلك محال في حق الأنبياء، وحقِّ من ثبت عصمتهم بالمعجزات وقواطع الآيات».

قال عبد الحق التركماني: ثم إنَّ بعض المنتسبين إلى الإباضية من الخوارج تلقَّف هذا القول، فصرَّح الأئمة بتكفيره، كما سيأتي في النقل عن البغدادي وابن حزم.

رابعًا: إجماع فرق المسلمين على كفر ما قرَّره عدنان إبراهيم وعلى وجوب تكفير قائله:

قال الأصولي المتكلِّم أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي الأشعري الشافعي (ت: 429هـ) في كتابه: (الفَرْق بين الفِرَق): «الفصل الخامس عشر من فصول هذا الباب: في ذكر اليزيدية من الخوارج، وبيان خروجهم عن فرق الاسلام. هؤلاء أَتباع يزيد بن أبي أُنيسة الخارجي،.. وكان على رأي الإباضية من الخوارج، ثم إنه خرج عن قول جميع الأمَّة؛… وكان مع هذه الضلالة يتولى من شهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة من أهل الكتاب، وإنْ لم يدخل في دينه، وسماهم بذلك مؤمنين، وعلى هذا القول يجب أن يكون العيسوية والرعيانية من اليهود مؤمنين، لأنَّهم أقروا بنبوة محمد عليه السلام، ولم يدخلوا في دينه. وليس بجائز أن يُعدَّ في فرق الإسلام من يعدُّ اليهودَ من المسلمين،..».

ويقول العلامة الفقيه أبو محمد ابن حزم الظاهري (ت: 456هـ) في «الفصل في الملل والأهواء والنحل» 3/142: «ولا يختلف اثنان من أهل الأرض ـ لا نقول: من المسلمين، بل من كلِّ ملةٍ ـ في أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع بالكفر على أهل كلِّ ملةٍ غير الإسلام الذين تبَّرأ أهلُه من كل ملةٍ حاشى التي أتاهم بها عليه السلام فقط».

ويقول أيضًا 3/237: «وقد نصَّ الله عزَّ وجلَّ على أن اليهود يعرفون النبيَّ صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءَهم، وأنهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، وقال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33]، وأخبر تعالى عن الكفار فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزُّخرُف:87]، فأخبر تعالى أنهم يعرفون صِدْقه ولا يكذِّبونه، وهم اليهود والنصارى، وهم كفار بلا خلافٍ من أحد من الأمة، ومن أنكر كفرهم فلا خلاف من أحدٍ من الأمة في كُفره وخروجه عن الإسلام».

ويقول أيضًا 4/144: «ذكَرَ بعضُ من جمع مقالات المنتمين إلى الإسلام أن فرقة من الإباضية رئيسهم رجل يدعى يزيد بن أبي أنيسة ـ وهو غير المحدث المشهور ـ كان يقول: إنَّ من كان من اليهود والنصارى يقول: «لا إله إلا الله محمد رسول الله إلى العرب لا إلينا»؛ كما تقول العيسوية من اليهود؛ قال: فإنهم مؤمنون أولياء الله تعالى، وإن ماتوا على هذا العقد، وعلى التزام شرائع اليهود والنصارى… قال أبو محمد [ابن حزم]: إلا أنَّ جميع الإباضية يكفِّرون من قال بشيء من هذه المقالات، ويبْرَؤون منه، ويستحلُّون دمه وماله».

قال عبد الحق التركماني عفا الله عنه: لا يجوز لمسلمٍ أن يستحلَّ دم أحدٍ من الناس ولا ماله ولا عرضه، كائنًا من كان، لمجرِّد اعتقاده كُفره، فالتكفير حكم اعتقادي، أما العقوبات فمن اختصاص السلطة والقضاء.

وقال ابن حزمٍ أيضًا في «مراتب الإجماع» 119: «واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا».

وقال العلامة الفقيه المحدِّث القاضي عياض بن موسى اليحصبيُّ السبتي المالكي (ت: 544هـ) ـ عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته ـ، في: «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» 2/280: «وقائل هذا كله كافر بالإجماع على كفر من لم يكفِّر أحدًا من النصارى واليهود، وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شكَّ. قال القاضي أبو بكر [هو الباقلاني ـ من أئمة الأشاعرة ـ]: لأنَّ التوقيف والإجماع اتفقا على كفرهم، فمن وقف في ذلك فقد كذَّب النصَّ والتوقيفَ، أو شك فيه، والتكذيب أو الشك فيه لا يقع إلا من كافرٍ».

وقال أيضًا 2/286: «ولهذا نُكفِّر من لا يُكفِّر من دان بغير ملَّة المسلمين من الملل أو وقف فيهم أو شكَّ أو صحَّح مذهبهم، وإن أظهر بعد ذلك الإسلامَ واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك».

وقال العلامة محيي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي (ت: 676هـ) في «روضة الطالبين وعمدة المفتين» 10/70: «وأنَّ من لم يُكفِّر مَن دان بغير الإسلام كالنصارى أو شكَّ في تكفيرهم أو صحَّحَ مذهبهم فهو كافرٌ وإنْ أظهر مع ذلكَ الإسلام واعتقده».

وقال النوويُّ أيضًا في «شرح صحيح مسلم» 2/188 (154) ـ في شرح حديث: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» ـ: «وأما الحديث ففيه نسخ الملل كلها برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يسمع بي أحد من هذه الأمة» أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة، فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما؛ وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى».

وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية الحنبلي (ت: 728) في «مجموع الفتاوى» 27/463-464: «وهذا كما أن الفلاسفة ومن سلك سبيلهم من القرامطة والاتحادية ونحوهم يجوز عندهم أن يتديَّن الرجل بدين المسلمين واليهود والنصارى، ومعلوم أن هذا كلُّه كفر باتفاق المسلمين فمن لم يُقرَّ ظاهرًا وباطنًا بأن الله لا يقبل دينًا سوى الإسلام فليس بمسلم، ومن لم يقر بأن بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم لن يكون مسلمًا إلا من آمن به واتبعه باطنًا وظاهرًا، فليس بمسلم».

وقال أيضًا 28/524: «ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغَّ اتِّباع غير دين الإسلام، أو اتِّباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب».

وقال أيضًا 35/201: «إن اليهود والنصارى كفارٌ كفرًا معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام».

وقال العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ) في «أحكام أهل الذمة» 1/533: «وقد جاء القرآن وصحَّ الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين كان قبله، وأن من التزمَ ما جاءت به التوراة والإنجيل ولم يتَّبع القرآن فإنه كافر، وقد أبطل الله كل شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل، وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام، فلا حرام إلا ما حرمه الإسلام، ولا فرض إلا ما أوجبه الإسلام».

وقال العلامة ملا علي القاري الحنفي (ت: 1014هـ) في «الرد على القائلين بوحدة الوجود» ص: 155: «فقد نَصَّ العَلامَة ابنُ المقَّريُّ: أَنَّ من شكَّ فِي كفر اليَهُود وَالنَّصَارَى، وَطَائِفَة ابن عَرَبِي، فَهوَ كَافِرٌ، وَهوَ أَمر ظاهر وحكم باهر، وأما من توقَّف فَلَيسَ بمعذورٍ فِي أمره بل توقفه سَبَب كفره».

وقال العلامة منصور بن يونس البهوتي الحنبلي (ت: 1051هـ) في «كشاف القناع عن متن الإقناع» 6/170 في باب حكم المرتدِّ: «(أو لم يكفِّر من دَان، أي تديَّن، بغير الإسلام كالنصارى واليهود، أو شكَّ في كُفرهم، أو صحَّح مذهبهم؛ فهو كافر، لأنه مكذِّب لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]». وقال: «من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يعبد فيها، وأن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه أو أعانهم على فتحها، وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر». وقال أيضًا في موضع ثالثٍ: «من اعتقد أن زيارة أهل الذمة في كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد». ونقله العلامةُ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (ت: 1421هـ) في فتوى طويلة له في هذه المسألة، كما في «مجموع فتاويه» 3/18 (386)، وأيَّده، فليراجعه من أحبَّ البسط.

وقال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب الحنبلي (ت: 1206هـ) كما في «مؤلفاته في العقيدة» ص: 213: «الثالث: مَنْ لَمْ يُكفِّر المشركين أو شكَّ في كفرهم، أو صحَّحَ مذهبهم كَفَرَ إجماعًا».

وقال العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين الحنبلي (ت: 1282هـ) في «الانتصار لحزب الموحِّدين والرد على المجادل عن المشركين» ص: 43: «قد أجمع العلماء على كفر من لم يُكفِّر اليهود والنصارى أو يشك في كفرهم».

وفي «موسوعة فتاوى دار الإفتاء المصرية» من موقع وزارة الأوقاف المصرية، ما يلي: «ولكن أين هي الكتب السماوية الصحيحة التي يُسْتَفَاد منها وقد أقَرّ القرآن بأنها حُرِّفت، وبتحريفها كَـفَـرَ اليهود والنصارى بِرِسَالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، قال تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]».

وسئل العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز (ت: 1420هـ) كما في «مجموع فتاويه» 28/46-47: ما حكم مَن لم يكفِّر اليهود والنصارى؟ فأجاب رحمه الله: «هو مثلهم، مَن لم يكفِّر الكفار: فهو مثلهم، الإيمان بالله هو تكفير من كفر به، ولهذا جاء في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من وحَّد الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله»، ويقول جل وعلا: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256]. فلا بد من الإيمان بالله، وتوحيده والإخلاص له، والإيمان بإيمان المؤمنين، ولا بد من تكفير الكافرين، الذين بلغتهم الشريعة ولم يؤمنوا، كاليهود، والنصارى، والمجوس، والشيوعيين، وغيرهم، ممن يوجد اليوم، وقبل اليوم، ممن بلغتهم رسالة الله ولم يؤمنوا، فهم من أهل النار كفار، نسأل الله العافية».

وقال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني (ت: 1420هـ) في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» 1/291-292 رقم (157)، في شرحه لحديث: «والذي نفسي بيده، لا يَسمعُ بي رجلٌ من هذه الأمةِ، ولا يهوديٌ، ولا نصرانيٌ، ثم لم يُؤمنْ بي، إِلا كانَ من أهلِ النارِ»، قال:«والحديث صريح في أن من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وما أرسل به، وبلغه على الوجه الذي أنزله الله عليه، ثم لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم؛ أن مصيره إلى النار، ولا فرق في ذلك بين يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو لا ديني».

وسئلت «اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» 2/18 الفتوى رقم (9438): لقد صرح القرآن الكريم بتكفير أهل الكتاب إلا الذين آمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم (القرآن)، أما الذين قالوا من اليهود: إن عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، والعياذ بالله. وصرح القرآن الكريم بتكفيرهم: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة:73]. ولكن مع هذه الحجة القطعية وجدنا بعض العلماء يقولون: إن أهل الكتاب ليسوا كفارًا، وإنما كانوا أهل الكتاب فقط.. أفيدونا عن هذه المسائل. فأجابت اللجنة بقولها: من قال ذلك فهو كافر؛ لتكذيبه بما جاء في القرآن والسنة من التصريح بكفرهم، قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران:70] وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:17] وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]، وقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30]، وقال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1]، وقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]… إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز. نائب رئيس اللجنة: عبد الرزاق عفيفي. عضو: عبد الله بن غديان».

وقال العلامة الفقيه الأصولي بكر بن عبد الله أبو زيد (ت: 1429هـ) في «معجم المناهي اللفظية» ص: 166: «والحكم بكفر من لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب: من الأحكام القطعية في الإسلام، فمن لم يكفرهم فهو كافر؛ لأنه مكذب لنصوص الوحيين الشريفين». ويراجع كتابه المفرد في هذه المسألة: «الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان»، فإنه نفيس في بابه.

وقال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في «موقفنا العقدي من اليهود والنصارى» ص: 7-9: «فإن من أخطر القضايا التي نبَّهتُ عليها في أكثر من كتاب لي: محاولة خصوم الفكر الإسلامي التشكيك في (المُسلَّمات) وبذل الجهد في تحويل (اليقينيَّات) إلى (ظنِّيَّات) و(القطعيات) إلى (مُحتملات) قابلة للأخذ والردِّ، والجذْب والشدِّ، والقِيلِ والقالِ. وحسْبهم الوصول إلى هذه النتيجة (زحزحة الثوابت) أو مُناطحتها بُغية (تذويبها) حتى لا تقف سدًّا منيعًا أمام الذين يُريدون أن يَهدموا حُصون الأمة، أو على الأقل: يخترقوا أسوارها. وقد وجدنا في عصرنا مَن يشكك في تحريم الخمر أو الربا، أو في إباحة الطلاق وتعدُّد الزوجات بشروطه، بل مَن يُشكك في حجية السنة النبوية، بل وجدنا مَن يدعو إلى أن نطرح علوم القرآن كلها، وكل مواريثنا من الثقافة القرآنية، ونُلقيها في سلة المهملات، لنبدأ قراءة القرآن من جديد قراءة معاصرة، غير مُقيدة بأي قيد ولا ملتزمة بأي علم سابق، ولا بأية قواعد أو ضوابط مما قرَّره علماء الأمة على توالى القرون.

والليالي من الزمان حُبالَى ***** مُثْقَلاتٌ يَلِدْنَ كُلَّ عَجِيبِ!

ومما ولدتْه الليالي الحاملة بالعجائب: ما يذهب إليه بعض الناس الذين أقحموا أنفسهم على الثقافة الإسلامية، دون أن يتأهَّلوا لها بما ينبغي من علْم القرآن والسنة ولغة العرب وعلومها، وأصول الفقه، وتراث السلف، فدخلوا فيما لا يُحسنون، وخاضوا فيما لا يعرفون، وأفتوا بغير علم، وحكموا بغير بَيِّنَةٍ، ودعوا على غير بصيرة، وقالوا على الله ما لا يعلمون. ومن ذلك: زعمهم أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ليسوا كُفَّارًا، فإن كانوا يقصدون أنهم ليسوا مُلحدينَ مُنكرينَ للألوهية والوحْي، فهذا ادِّعاء صحيح، ولا يجوز الخلاف فيه. وإن كانوا يقصدون أنهم ليسوا كفارًا بدينِ محمد ورسالته وقرآنه ـ وهو المراد من إطلاق الكفر عليهم ـ فهذه دعوى باطلة من غير شك. فإن كُفر اليهود والنصارى من أوضح الواضحات بالنسبة لأي مسلم عنده ذرَّة من علم الإسلام، وممَّا أجمعتْ عليه الأمة على اختلاف مذاهبها وطوائفها، طوال العصور، لم يُخالف في ذلك سُنِّيٌّ ولا شِيعيٌّ ولا مُعتزلي ولا خارجي، وكل طوائف الأمة الموجودة اليوم من أهل السنة والزيدية والجعفرية والإباضية، لا يَشُكُون في كفر اليهود والنصارى وكل مَن لا يُؤمن برسالة محمد عليه الصلاة والسلام. فهذا من المسلمات الدينية المتَّفق عليها نظرًا وعملًا، بل هي مِن (المعلوم من الدين بالضرورة) أي ممَّا يتفق على معرفته الخاص والعام، ولا يحتاج إلى إقامة دليل جزئي للبَرْهَنَةِ على صحته. وسرُّ ذلك: أن كفر اليهود والنصارى لا يدل عليه آية أو آيتان، أو عشرة أو عشرون، بل عشرات الآيات من كتاب الله، وعشرات الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما يشهد بذلك كل مَن قرأ القرآن أو درس الحديث. وما كنت أظنُّ أن أجد مسلمًا يُعارض صريح كتاب الله تعالى وقواطع النصوص برأيه وهواه».

وسئلت لجنة الفتوى في جامعة القرآن الكريم في السودان: ما هو قول أئمة الدين في كفر النصارى، أهم كفارٌ أم لا؟ وهل يتعارض القول بكفرهم مع وصف القرآن لهم بأنهم أهل كتاب؟ وما حكم من يعتقد أن النصارى مؤمنون؟ فأجابت اللجنة: «إن أهل الكتاب كفارٌ بنصوصٍ من غير ما آيةٍ، وهو معلومٌ من الدين بالضرورة، والتكلّم في ذلك من الفضول، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89]، وقال تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88]، ولا يتعارض القول بكفرهم مع وصف القرآن لهم بأنهم أهل كتاب. فمن يعتقد أن النصارى مؤمنون كافرٌ مثلهم؛ لأنه ينكر الآيات المكفِّرة لهم».

وجاء في (بيان مجمع الفقه الإسلامي السوداني حول أفكار الترابي) بتاريخ الأحد 23 ربيع الأول 1427هـ، 23 أبريل 2006م ما نصُّه: «وقد ذهب صاحب تلك الدعاوى الباطلة ـ أي الدكتور حسن الترابي ـ إلى أن اليهود والنصارى ليسوا مشركين أو كفارًا، فنقول جوابًا على ذلك: قد دلَّ القرآن والسنة والإجماع على أنَّ من دان بغير الإسلام فهو كافرٌ، ودينه مردود عليه وهو في الآخرة من الخاسرين، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]، وجاء النص القاطع بأنَّ أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، أو أشركوا مع اللّه غيره، أو جحدوا نبوة نبي من الأنبياء: أنهم كفرةٌ، ولا يدفع عنهم الكفر إيمانهم أو التزامهم بكتبهم، فلو آمنوا حقًّا بالنبي والكتاب لآمنوا بجميع الأنبياء والرسل» ثم ذكر البيان بعض الآيات الصريحة في تقرير هذا المعنى، ثم قال الموقعون عليه: «نقول: إن كفر اليهود والنصارى يعدُّ من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الإسلام، فمن أنكر كفر اليهود والنصارى أو شك في ذلك فهو كافر» ونقلوا كلام القاضي عياض، ثم قالوا: «ولا يتنافى اعتقادنا بكفرهم مع برِّنا إياهم، وعدلنا معهم، وقيامنا بما أوجب اللّه علينا نحوهم في قوله سبحانه: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]».

وجاء في فتاوى الشبكة الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف القطرية رقم الفتوى: (2924) السؤال: ما حكم أهل الكتاب في الوقت الحاضر في الإسلام هل هم مؤمنون أم كافرون؟ الإجابــة: «دلَّ القرآن والسنة والإجماع على أن من دان بغير الإسلام فهو كافر، ودينه مردود عليه وهو في الآخرة من الخاسرين..» وخُتمت الفتوى بعد ذكر الأدلة القرآنية الصريحة بما نصه: «وجميع ما سبق يعدُّ من الأمور المعلومة بالاضطرار من دين الإسلام، فمن أنكر كفر اليهود والنصارى أو شك في ذلك فهو كافر».

خاتمة:

هذا ما تيسَّر جمعه في هذه العجالة، وفيه دلالة كافية على أنَّ علماء الإسلام تتابعوا في نقل إجماع فرق المسلمين كلها على كفر اليهود والنصارى، وكفر من لم يكفِّرهم. وليست هذه النقولات اكتشافًا جديدًا، بل هي معروفة مشهورة منشورة في كثيرٍ من الكتب والبحوث والفتاوى، وإنما أردتُ بجمعها وإعادة نشرها التنبيهَ إلى الأمر الذي ابتدأتُ به هذا المقال، وهو أن الزنديق عدنان إبراهيم يصرِّح ـ بالمحاججة والاستدلال ـ بنقض وإبطال أصلٍ عظيمٍ من أصول الإسلام، قد دلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع أهل القبلة والملَّة. فينبغي على أهل العلم والدعوة والغيرة على الإسلام والسنة؛ أن يبرزوا كفره البواح هذا، ويجلُّوه للناس، ويعيدوا الكلام في إدانته به ويكرروه؛ ليجهضوا بذلك محاولاته في إشغالهم بطعوناته في بعض الصحابة الكرام أو الأحاديث الصحيحة أو التاريخ الإسلامي، فضلال عدنان إبراهيم وكفره أعظم من هذا كله وأخطر، نسأل الله تعالى أن يفضحه في الدنيا والآخرة، إنه على كلِّ شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا به، وهو المستعان.

كتبه:

عبد الحق التركماني

صفر 1434هـ

تم تغيير عنوان المقال في 19/5/1434

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد