موقع الشيخ عبد الحق التركماني - بابٌ: مَنْ ترَكَ صلاة الفجر يومَ الحجِّ الأكبر

/ 21 تشرين الثاني 2024

للتواصل 00447432020200

بابٌ: مَنْ ترَكَ صلاة الفجر يومَ الحجِّ الأكبر

نشرت بواسطة : إدارة الموقع 16 آب 2018 1610

بابٌ:

مَنْ ترَكَ صلاة الفجر يومَ الحجِّ الأكبر

عند المسجد الحرام وهو محرِمٌ بالحجِّ!

(فلو علِمَتِ العامَّةُ أنَّ تفويتَ الصلاة كتفويت شهرِ رمضانَ باتفاق المسلمين؛ 

لاجتهدوا في فِعْلِها في الوقت)

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.

أما بعد: فقد كنتُ أقرأ في وصايا بعض العلماء الأجلاء لحجَّاج بيت الله الحرام الوصيةَ لهم بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، فكنتُ أتعجَّبُ من أن يحتاج (الحاجُّ) إلى هذه الوصيَّة، وقد شدَّ الرِّحال إلى بلد الله الحرام، وأنفق النفقات، وتحمَّل المشقات، وكلُّ همِّه إقامة الركن الخامس من أركان الإسلام، فكيف يسهو عن إقامة أهم الأركان وأجلها وأعظمها بعد الشهادتين؟! لا شكَّ أنه يكون أحرص على إقامة الصلاة، خاصة مع اجتماع كلِّ البواعث والأسباب ـ المعنوية والمادية ـ المعينة على إقامتها على أكمل وجهٍ وأحسنه.

وربما كان سبب تعجُّبي قلة خبرتي بنوازل الحج ومشكلاته، إذ لم أحجَّ إلا حجَّة الإسلام، ثم يسَّر لي الحجَّ للمرة الثانية في العام الماضي (1438)، فابتليتُ بلاءً عظيمًا بمعاينة هذه الحال، لا عند أحد الحجَّاج، بل عند العشرات ـ وربَّما المئات ـ منهم، والأنكى في ذلك أن فيهم بعض المشايخ والدعاة وأئمة المساجد!

خلاصة الواقعة:

أنني كنتُ مع المتعجِّلين من مزدلفةَ بعذر المرض المزمِن، فأتممنا الرميَ وطواف الإفاضة قُبيل أذان الفجر، وركبنا جميعًا في الحافلات للانتقال إلى خيامنا في منًى، وكان المتوقَّع أن نصل خلال عشرين دقيقة، لكن تأخَّرنا بسبب الزحام الشديد، حتى أسفَرَ جدًّا، وبقي على شروق الشمس نحو أربعين دقيقة.

عند ذلك بدأتُ أشعر بالخطر، فنبَّهت (الحجَّاجَ!) إلى ضرورة أن ننزل للصلاة، لكن لم يُعرْ أحد منهم أيَّ اهتمام، وتعجَّبوا من استعجالي وقَلَقِي، وقالوا: الوقت طويل! وانتظرتُ حتى بقي نصف ساعة، فجدَّدت التنبيهَ والمطالبةَ، فازدادوا تعجبًا من استعجالي! فلما بقي عشرون دقيقة؛ أيقنت أنه لا بدَّ من المبادرة، فبدأت أصيح فيهم: الصلاةَ… الصلاةَ.. هل نضيع صلاة الفجر في يوم النحر عند بيت الله الحرام؟! وما معنى حجِّنا بدون الصلاة؟!

وطلبتُ من مرشد الحافلة ـ وهو من طلاب العلم والدعاة وحفَّاظ القرآن ـ أن يُلزِمَ السائقَ بفتح الأبواب حتى نصلي في الطريق، فقابل مطالبتي ببرود تامٍّ، وكأنه قد غفل عن قول الله عزَّ وجلَّ: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}. فعلمتُ أنَّنا مضيِّعو الصلاة لا محالةَ، فبدأتُ بمطالبة السائق بفتح الباب، فلما تأخر بدأتُ بالضرب الشديد على الباب حتى فَتَحَ، فبادرتُ ـ أنا وصاحبٌ لي ـ إلى الصلاة في الطريق، قُبيل شروق الشمس بنحو خمس دقائق.

وعلمتُ بعد ذلك: أن بقية الحجاج لم يصلوا في الطريق، بل ذهبوا إلى محل إقامتهم، في تمهُّلٍ! وسكينةٍ! ووقارٍ! فصلُّوا الفجر بعد الشروق بنحو نصف ساعة!

ومن المضحكات المبكيات أنني رأيتُ في الحافلة أحدَ المشايخ صلَّى جالسًا في مقعده، مستدْبِرَ القبلة! فلا أدري كيف أفتى نفسه بالترخُّص بهذا الفعل الشنيع؛ وهو محرِمٌ، يوم الحج الأكبر، عند البيت الحرام، وفي عقر دار الإسلام، من غير إكراهٍ، ولا ضرورةٍ، ولا ضررٍ؟!

كيف سمحت له نفسه بهذه الموبقة وهو يعلمُ ما أوجبَه الله تعالى على المجاهدين في ساحات القتال من إقامة الصلاة على وقتها، وذكر ذلك في كتابه العزيز، حتى يكون حكمًا لازمًا للمسلمين إلى يوم القيامة.

ولولا أنَّني كنتُ محرمًا لكان لي معه شأنٌ آخرُ!

لا أريدُ هنا ذِكْرَ الآيات والأحاديث وأقوال السَّلف والأئمة في تعظيم قدر الصلاة، والمحافظة عليها في أوقاتها، وعظم إثم من أخرجها عن وقتها بغير عذرٍ، فكل هذا معلوم مشهور، وفيه كتب ورسائل وفتاوى كثيرة، لكني أريد تقييد مسألتين من المسائل التي استفدتُها من هذه المصيبة الكبرى، والبلاء العظيم:

1ـ أهمية التركيز على بيان مكانة الصلاة، والتذكير بحقِّها، وخطورة تضييعها أو التهاون في إقامتها في وقتها. وأن ذلك يقتضي التكرار والتأكيد في مختلف الأوقات والمناسبات والأحوال، كما هو منهج القرآن الكريم، ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وتعليمه، حتَّى إنَّه ختَمَ حياتَه المقدَّسة وهو يردِّد هذه: «الصلاةَ! الصلاةَ!».

2ـ أن بعض المشايخ وطلاب العلم والدعاة، من حملة الشهادات العلمية في التخصصات الشرعية، ومن أئمة المساجد وغيرهم؛ لم ترسَخْ في أنفسهم أهمية الصلاة، ولم يعرفوا قدرها حقَّ المعرفة، فهم في ذلك من بابة الذين يضيِّعون الصلوات لأدنى الأسباب، وأتفه المعاذير. ولم ينفعهم العلمُ، وإلَّا فإنَّا نجد في كثير من عوامِّ المسلمين ـ في موسم الحجِّ وفي غيره ـ يحافظون على الصلاة أشدَّ المحافظة، فعلمنا أن ذلك ليس بكثرة (المعلومات)، بل بالإخلاص والتقوى وتعظيم الله تعالى، وصدق الاستعداد ليوم المعاد: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.

ورضي الله تعالى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب الذي كتَبَ إلى عُمَّاله بهذه الكلمات: «إنَّ أهمَّ أموركم عندي: الصلاةُ، مَنْ حفِظَها، وحافَظَ عليها؛ حفِظَ دينَه، ومَنْ ضيَّعَها؛ فهو لسواها أَضيعُ».

وقال الداعية الإصلاحي الشيخ أحمد الروميُّ الأقْحِصاريُّ الحنفيُّ (ت: 1041) في كتابه: «مجالس الأبرار»:

«قيل لابن عمر: ما أكثرَ الحاجَّ! فقال: وما أقلَّهم. وقال أيضًا: الرَّكب كثير والحاجُّ قليل.

وإنَّما قال ذلك لظهور البدع والمنكرات الكثيرة بين الحاجِّ، فأعظمها فتنةً، وأكبرها مصيبةً، وأكثرها وقوعًا وبليَّةً: تركُ أكثرهم الصَّلاة، ومن لم يتركها يضيِّع وقتَها ويجمعها على غير الوجه الشَّرعيِّ، وذلك حرام بالإجماع، ومن علم أنَّه إذا خرج إلى الحجِّ تفوته صلاةٌ واحدةٌ يحرم عليه الحجُّ رجلًا كان أو امرأة؛ لأنَّ من يترك صلاة واحدة لا يكفِّرها أقل من سبعين حجَّة، فيكون كمن ضيَّع ألف دينار في طلب درهم واحد. فإذا كان كذلك، فعلى الحاجِّ أن يُلازم الصَّلاة في وقتها بالجماعة عند التَّيسُّر، وبالانفراد عند التَّعسُّر، مع الاحتياط عن التَّيمُّم حال كفاية الماء للوضوء والشُّرب له ولرفيقه باعتبار غلبة الظَّنِّ، وعن الوضوء بماء نجس، وعن الصَّلاة قبل وقتها، ومع الاجتهاد في أمر القبلة في موضع الاشتباه».

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وكتبه:

عبد الحق التركماني

الخامس من ذي الحجة: 1439

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد