موقع الشيخ عبد الحق التركماني - الاعتزاز بنعمة الإسلام

/ 21 آب 2025

للتواصل 00447432020200

الاعتزاز بنعمة الإسلام

نشرت بواسطة : إدارة الموقع تاريخ غير محدد 1356

الاعتزاز بنعمة الإسلام

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأكرمنا به أيّما إكرام، وشرَّفنا بالدين الحق بين الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الداعي إلى دار السلام، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أنقذنا الله بنور دعوته من الظلم والظلام، ووعد من اتبعه وأطاعه بعلوّ المقام، صلى الله عليه وسلم أتم سلام، وعلى آله وأصحابه الكرام.

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنَّ تقوى الله خير ما يتواصى به المؤمنون.

عباد الله: إنَّ لله على الناس نعمتين: نعمة عامة على كل مخلوقٍ بخلقه وإيجاده وبإعداده وإمداده، نعمة النطق والرزق والصحة والعافية والأهل والولد، وغير ذلك مما لا يعدّ ولا يحصى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}. ونعمة خاصة اختصّ الله بها أوليائه: نعمة التوحيد والإيمان والهداية إلى الدين الحق. وهذه نعمة لم ينلها كل أحد، فحريّ بمن نالها أن يعرف قدرها ويعتز بها، ويحمد الله تعالى عليها.

نعم أخا الإسلام: إنّ أعظم نعمة لله عليك أن جعلك من أهل معرفته وعبادته وتوحيده، ومن أمة هي خير الأمم وأشرفها على الله: {‌كُنْتُمْ ‌خَيْرَ ‌أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. غيرك يتيه في حيرته، ويتخبط في ضلالته، لا يعرف ربَّه وخالقه، لا يعرف عبادة ولا توحيدًا ولا إخلاصًا، ولا يتبع دينًا قويمًا ولا يهتدي بشريعة هادية سمحة جامعة. فهذه المنة وهذه النعمة أعظم المنن والنعم التي امتن الله بها على عباده كما قال ربنا سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (١٦٤)} [آل عمران]. هذه النعمة والمنّة سبب للفرح والسعادة والثقة بالنفس وانشراح الصدر كما قال ربنا سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)} [يونس]. ولكنّ معرفة هذه النعمة تحمل على التواضع لله والاعتراف له سبحانه وتعالى بالجميل والإحسان، لا على الكبر والتعالي على الناس كما قال سبحانه: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} فالمسلم الحق يرحم الخلق ويتمنى حصول هذه النعمة للناس جميعًا. وبهذه النعمة امتنّ الله تعالى على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: {‌أَلَمْ ‌نَشْرَحْ ‌لَكَ ‌صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٦) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)} [الشرح] فمن عرف نعمة الله عليه بالإيمان وانشراح الصدر وتكفير السيئات ورفع الدرجات: توجَّه إلى الله تعالى واجتهد بالعبادة والدعاء ورغب فيما عند الله واثقًا أنه سميع مجيب.

ومن كمال هذه النعمة أخوة الإيمان: أنّ وعدك الله بالحياة الطيبة في الدنيا والجزاء الحسن في الآخرة لمن أخذ بهذه النعمة وعمل بها: {‌مَنْ ‌عَمِلَ ‌صَالِحًا ‌مِنْ ‌ذَكَرٍ ‌أَوْ ‌أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)} [النحل]. هذا وعد من الله، والله لا يخلف الميعاد، وعدٌ بأمرين جامعين، وخيرين عظيمين: حياة طيبة في الدنيا وهي قوله تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}. وحياة طيبة في الآخرة وهي معنى قوله تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. هذه الحياة الطيبة أساسها وقوامها على أمرين اثنين، أمرين عظيمين جليلين يسيرين على من يسرهما الله عليه:

الأمــر الأول: الإيمان بالله تبارك وتعالى.

والأمر الثاني: عمل الصالحات وفقَ ما شرعه الله تبارك وتعالى وما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

فمن عرف قدر هذه النعمة، وأتى بهذين الشرطين: الإيمان الخالص الصحيح والعمل الصالح الموافق لشرع الله، متّعه الله بهذه النعمة، وأسعده بها، لهذا كان أسعد الناس بهذه الحياة الطيبة أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، وإمامهم وخاتَمهم نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإخوانه من الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه ثم أصحاب رسول الله وأصحاب إخوانه من الأنبياء والمرسلين وأولهم وفي مقدمتهم أبو بكر الصديق رضي الله تبارك عنه وأرضاه، الذي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: (لو كنت متّخذًا من أمتي خليلاً لاتخذتُ أبا بكر خليلاً) «رواه البخاري» (3456)، ثم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ثم إخوانهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ثم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فيا أخا الإسلام: هؤلاء هم القوم ـ ونعم القوم هم ـ عرفوا قدر نعمة الله عليهم، ففرحوا بها، واعتزوا بها، وتمسكوا بأسباب استمرارهما، فلازموا طريق الإخلاص والعمل الصالح، فكانوا أسعد الناس، وأشرحهم صدرًا، وأصلحهم بالًا، وأعظمهم طمأنينة وراحة.

فيا عبد الله: قد أكرمك الله وشرّفك بأن جعلك من أتباع هذه الطائفة، ومن أفراد هذه الأمة الموعودة، فلا تحتقرنَّ نفسك، ولا تجعل إليها مدخلاً للشعور بالنقص وضعف الهمة واحتقار النفس. فإن رأس مالك علاقتك بالله. فلا تجعل أحدًا يفسد عليك هذه العلاقة، إنها علاقة قائمة على أصول ثلاثة: الحب والخوف والرجاء كما قال ربنا سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣)} [الزمر]، وكما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥)} [آل عمران]. ويقول الله تعالى في الحديث القدسي الصحيح: (أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منهم، وإن اقترب إليّ شبرًا اقتربت إليه ذراعًا، وإن اقترب إليّ ذراعًا اقتربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً) «رواه البخاري» (6970).

نعم عباد الله: إنها نعمة مستمرة ما كنت في طريق العودة إلى الله والتوبة إليه والإنابة إليه، فهي نعمة قائمة لا تنقطع عنك ما دامت علاقتك بالله سبحانه وتعالى، بالشكر على النعمة، والصبر عند البلاء، والتوبة والاستغفار عند الذنب والغفلة.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتمّ علينا نعمه، ويحيينا حياة طيبة بالتوحيد والإسلام والسنة، ويجعل عاقبتنا إلى مرضاته وجناته بمنّه وكرمه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد