موقع الشيخ عبد الحق التركماني - لماذا نغضب لأمهات المؤمنين؟

/ 30 حزيران 2025

للتواصل 00447432020200

لماذا نغضب لأمهات المؤمنين؟

نشرت بواسطة : إدارة الموقع 24 ايلول 2010 1184

عباد الله: يقول ربنا سبحانه في كتابه العزيز: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}، هذه بعض آية من سورة الأحزاب تقرِّر بنصٍّ صريح ودلالة قطعية واضحة منزلةَ رسول الله في أمَّته، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه التي بين جنبيه، فنفس كلِّ إنسان أقرب وأولى وأعزُّ عنده. كلُّ إنسان يحبُّ نفسه، ويعتزُّ بنفسه، وينتصر لنفسه، ويدافع عن نفسه، هذا أمر فطريٌّ لا مجال للاختلاف فيه. فالله ربنا عز وجل يخبرنا خبرًا فيه تعليم وتأديب وأمر وتوجيه: أنَّ هذا النبيَّ الكريم محمدَ بنَ عبد الله هو أولَى بالمؤمنين من أنفسهم، فالمؤمن الحقّ يحبُّ محمدًا أشدَّ حبًّا من حبه لنفسه، إنَّه يوالي النبي أكثر من موالاته لنفسه ولعرضه ولعشيرته ولقومه، وينتصر للنبي أعظم من انتصاره لنفسه، ويغضب لرسول الله غضبًا أكبر من غضبه لنفسه، فالنبي أولى بكل مؤمن صادق من نفسه التي بين جنبيه، وكيف لا يكون رسول الله بهذه المنزلة ـ بأبي هو وأمي ـ وهو الواسطة بين الله وعباده في التبليغ والبيان، فبدعوته وجهاده وببذله وتحمله وصبره وعطائه بلَغَنا هذا الدين، وهُدينا إلى الصراط المستقيم، فرسول الله أعظم الخلق مِنَّةً على المؤمنين من كل أحدٍ، فإنه لم يصل إليهم مثقالُ ذرة من الخير، ولا اندفع عنهم مثقالُ ذرة من الشر، إلا على يديه وبسببه، فلذلك: وجب عليهم إذا تعارض مراد النفس، أو مراد أحد من الناس، مع مراد الرسول، أن يُقدَّم مرادُ الرسول، وأن لا يُعارض قولُ الرسول بقول أحد، كائنًا من كان، وأن يَفْدُوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم، ويُقدِّموا محبَّته على الخلق كلهم، وألا يقولوا حتى يقول، ولا يتقدَّموا بين يديه. وهو أبٌ للمؤمنين، بل هو أولى لهم من آبائهم وهو أحب وأعز وأكرم من كل أبٍ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد) «سنن أبي داود» (8).

إخوة الإيمان: هذه الأوَّلية، هذه المنزلة الرفيعة تستوجب حكمًا آخر هو من لوازم وضروريات هذا الولاء والمحبة والإعزاز والتوقير لهذا النبي الكريم، لهذا جاء مقرونًا بما قبله: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}، نعم: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ، لأن من آمن بهذا النبي وأحبه وعظمه ووقَّره: لا بدَّ بالضرورة أن يحب زوجاته ويعتقد فيهن من الاحترام والتوقير والعفة والطهارة ما يليق بهذا النبي الكريم الذي اختار تلك الزوجات الكريمات ليكنَّ شريكات في حياته، أمينات على بيته، مختصات بأحوال وأحكام لا تنالها غيرهنَّ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ}. فهنَّ أمهات المؤمنين، وزوجات سيد الأنبياء والمرسلين.

عباد الله: أعلمتم لماذا نغضب لرسول الله، ولعِرْض رسول الله، لماذا نغضب لزوجات الرسول، لأنهن أمهاتُنا بنصِّ كتابِ ربنا، ولا يرضى صاحبُ غِيرة وشرف أن تُسبَّ أمه، ويُطعن في أمه، وتُقذف أمه بالفجور والفاحشة. وأي أذًى أعظم من الطعن في شرف الزوجة والأم، لهذا كان الطعن فيهن طعنًا في نبينا وحبيبنا محمد، فإن فيه عارًا وغضاضةً عليه ـ بأبي هو وأمي ـ وأذى له أعظم من أذاه بنكاحهن بعده، يقول ربنا سبحانه: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)} [النور]، فإن كانت عائشة أو غيرها من أمهات المؤمنين: خبيثة، فالنبي خبيث ـ والعياذ بالله ـ. لهذا كان الطعن في عِرض رسول الله كفرًا بواحًا، لا يمكن أن يصدر من مسلم، بل لا يصدر إلا من قلب كافر حاقد، مليء بالبغض والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يستحقُّ عليه لعنة الله وغضبه وعقابه في الدنيا والآخرة: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} [الأحزاب]. فالذين يؤذون رسول الله في عِرضه ليسوا من المؤمنين ولا من المسلمين، روى الإمامُ قِوَامُ السنة التَّيْمِيُّ في كتابه «الحُجَّة في بيانِ المَحَجَّة» مِن طريقِ عُروة عن عائشة رضيَ اللهُ عنها، أنَّها ذُكِرَتْ عند رجلٍ، فسبَّها! فقيل له: أليست أُمَّك؟! قال: ما هي بأمٍّ! فبَلَغَها ذلك، فقالت: (صَدَق، إنَّما أنا أمُّ المؤمنين، وأمَّا الكافرين فلستُ لهم بأمٍّ) 2/402 (376).

عباد الله: إن بعض من رقَّ دينُه، وغلب عليه حب الدنيا، وانحرف في المعتقد، وتربى في أحضان المناهج والدعوات الفاسدة: يتساءل إلى متى ينشغل المسلمون بمثل هذه القضايا؟ التي هي سبب تخلفنا وتفرقنا في زعمه؟ لماذا لا يصرفون النظر عنها حتى يعملوا من أجل الدنيا وإعمار الأرض؟ فنقول لمثل هذا المأفون: وهل أنت في استعداد أن تتقبل برحابة صدر وراحة بال القذف والشتيمة والسب في أمك؟ إن هذه القضية يراها الملاحدة واللادينيون ومن تشبَّه بهم من أدعياء الإسلام قضية سخيفة ومضيعة للوقت، ويراها عبادُ الله المؤمنون وأولياؤُه المتقون: قضية عقيدة ودين، قضيةً تبنى عليها الولاء والبراء، ويبتغى في الانتصار لها مرضاةُ الله تعالى وجناته، ويخشى من خذلانها وتضييعها عقابُ الله ونيرانه، إنه والله لأمرٌ عظيمٌ عند ربِّ السماوات والأرض الذي لا تخفى عليه خافية: {‌وَمَا ‌كَانَ ‌لَكُمْ ‌أَنْ ‌تُؤْذُوا ‌رَسُولَ ‌اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (٥٣) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٥٤)} [الأحزاب].

عباد الله: يجب على كل واحد منَّا أن يجعل هذه الإساءات المتكررة إلى كتاب ربنا، وإلى نبينا وديننا وعقيدتنا، من أعداء الإسلام من الكفار الأصليين، أو الذين يدعون الانتساب إلى الإسلام من الزنادقة والرافضة: يجب أن يجعل هذه الوقائع فرصة للمراجعة وتجديد الصلة بالله وبدينه، والاعتزاز بالنبي وأمهات المؤمنين والصحابة الكرام، وإدراك خطر الفرق الضالة على الإسلام والمسلمين. فلله تعالى حكمة بالغة في مثل هذه الوقائع، فقد كان كثير من المسلمين يجهلون حقيقة دين الرافضة، ولا يدركون مدى عظيم خطرهم وكبير شرهم، لكن أعمالهم خلال السنوات العشر الأخيرة فضحتهم أيما فضيحة، فلله الحمد والمنَّة: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} لفسدت الأرض بدعوات التقريب مع الشيعة وتمييع الدين وكسر حواجز الخلاف في العقيدة وأصول الدين: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٢٥١)} [البقرة]. فلله الحمد والمنَّة.

أسأل الله سبحانه أن ينتصر لدينه ولنبيه ولعباده المؤمنين، وينتقم ممن طعن في دينه، وعادى نبيه وأوليائه، إنه قوي عزيز.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد