موقع الشيخ عبد الحق التركماني - التنديد بالعملية الانتحارية الأولى في السويد

/ 10 تموز 2025

للتواصل 00447432020200

التنديد بالعملية الانتحارية الأولى في السويد

نشرت بواسطة : إدارة الموقع 17 كانون الأول 2010 629

الحمد ﷲ الذي حرَّم على نفسه الظلم، وجعله محرّمًا بيننا، وأمرنا بالعدل والإحسان، وجعل ذلك من صفات أهل التقوى والإيمان، ونهانا عن الغدر والخيانة والاعتداء والبغي والعدوان، وأخبر بأنه لا يحبّ الخائنين، ولا يحبّ المعتدين، ولا يحب المفسدين. وأشهد أن لا إله إلا اﷲ وحده لا شريك له، القائل في الحديث القدسي ـ فيمن قتل نفسه ـ: (بادرني عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنة) «صحيح البخاري» (3276)، وأشهد أن محمًدًا عبده ورسوله القائل فيما صحّ عنه: (من قتل نفسه بشيٍء في الدّنيا؛ عُذِّب به يوم القيامة) «مسند أحمد» (16386)، اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فقد صُدمنا وفُجعنا كغيرنا في هذا البلد الآمن بالعملية الانتحارية البائسة التي وقعت في ستوكهولم يوم السبت الماضي الخامس من محرَّم الحرام سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة وألف، وهذه أول عملية انتحارية تُنفَّذ في أرض السويد، وللأولية أهميتها ودلالتها، فقد قال رسول االله: (من سنَّ  في الإسلام سنَّة سيِّئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) «أخرجه مسلم» (1017)، وقال: (ليس من نفس تُقتَل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كِفلٌ من دمها، لأنَّه أول من سنَّ  القتل) «أخرجه البخاري ومسلم» (6890). فالذي سبق إلى هذا الشرّ وجرأ من بعده عليه، يتحمّل مسؤولية ذلك أمام اﷲ عز وجل، وكذلك الذين أدخلوا هذه العمليات الانتحارية في الإسلام، وجرّؤوا الشباب المسلم عليها، وزعموا أنها مشروعة ومن أعلى صور الجهاد في سبيل اﷲ؛ لا شكّ أنهم سنّوا في الإسلام سنة سيئة، فعليهم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. 

عباد الله: هناك الكثير مما يجب أن نقوله ونبيّنه بهذه المناسبة، وأنا أقول (يجب) لأنّ اﷲ عز وجل أمر أهل العلم ببيان الحقّ والصدع به، رضي من رضي، وغضب من غضب، وحذّر من كتمان العلم، ومدح {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ ‌وَيَخْشَوْنَهُ ‌وَلَا ‌يَخْشَوْنَ ‌أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٣٩)} [الأحزاب].

فلا بدَّ من بيان تحريم العمليات الانتحارية بالأدلة الشرعية، ولا بدَّ من بيان حرمة استهداف المدنيين والآمنين، وأن هذه العمليات الإرهابية لا يقرها دين ولا خلق ولا عقل، وأن الإسلام جاء بضوابط أخلاقية حتى في حالة الحرب والقتال، ووضع أسسًا للتعايش بين البشر وإن اختلفت أديانهم واشتدت العداوة بينهم، فعظّم أمر الدماء، وأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق، ونهى عن نقضها، وعن الفساد في الأرض. وأننا نحن المسلمين نعيش في هذه البلاد بموجب عقد الأمان الذي نحظى به بالإقامة والمواطنة وننال الحقوق والرعاية، فيجب علينا الوفاء، ويحرم علينا الغدر والخيانة، كما يجب إبطال شبهات أهل التكفير والتفجير، وبيان جهلهم بالشريعة، وخروجهم عن إجماع المسلمين وجماعتهم. 

نعم ـ إخوة الإيمان ـ هناك الكثير مما يجب علينا أن نبّينه ونوضحه، لكننا لا نستطيع التطرق لكل ذلك في هذه الخطبة القصيرة، وقد تطرقنا إلى مثل هذه المسائل والنوازل في خطب سابقة، وسنستمر في ذلك إن شاء اﷲ تعالى. لكني أريد في هذه الخطبة أن أبين بطلان شبهة واحدة من شبهات أهل الغلو، وجميع شبهاتهم باطلة، بل فكرهم وتصورهم وتصرّ فهم كله مبني على جهل وضلال وباطل، فلا تظنوا أننا نقرّ بأصل ضلالهم، ولكن نريد نقض شبهةٍ واحدة حتى يتبين لكم جهلهم بأحكام ديننا الحنيف. وذلك أنهم يدعون أن لدولة السويد قوات مسلحة تشارك في احتلال أفغانستان، وبالتالي يجوز استهداف السويد حتى المدنيين الأبرياء. ونحن نقول على فرض أن هذه الدعوى صحيحة، وعلى فرض أن استهداف المدنيين يجوز، وعلى فرض أنه يجوز للأفراد والجماعات التصرف كأنهم دول وحكومات، مع أننا نعلم أن كلّ هذا محرمٌ؛ لكنا نقول: لو فرضنا صحة ما تدّعون، فقد واﷲ خالفتم حكم اﷲ، ولم تتحاكموا إلى القرآن الكريم، وجهلتم فقه أئمة الإسلام.  ألم تقرؤوا قول ربنا الكريم في كتابه العزيز ـ إن كنتم قرأتموه يوًمًا ـ في سورة الأنفال، في الآية الثانية والسبعين: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ ‌مِنْ ‌وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢)}. وإليكم شرح هذه الآية: لقد كانت الهجرة إلى المدينة ـ قبل فتح مكة ـ واجبة، فكان الذين يسلمون ولا يهاجرون يحرمون من حقوق وامتيازات الانتماء إلى دولة الإسلام في المدينة، إلا في شيء واحد: وهو طلب النصرة والعون في مواجهة اعتداء عليهم بسبب انتمائهم إلى الإسلام، فحينئذٍ يجب على المسلمين في المدينة الاستجابة لطلبهم لما بينهم من رابط الديانة الذي هو سبب الاعتداء، إلا إن كان بين المسلمين وبين أولئك الأعداء المعتدين معاهدة هدنةٍ وسلام، فلا يجوز للمسلمين في هذه الحالة نصرة إخوانهم المسلمين، لما في ذلك من نقض العهد، والغدر والخيانة، فيجب عليهم أولًا ـ إن أرادوا الدخول في الحرب ـ إبلاغ الطرف الآخر بإلغاء المعاهدة بشكل واضح وصريح، كما جاء في موضع سابق من هذه السورة في الآية الثامنة والخمسين: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ ‌مِنْ ‌قَوْمٍ ‌خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (٥٨)}

لقد التزم المسلمون ـ يوم كانوا يتبعون دينهم عن علم وفقه، لا عن تقليد وعاطفة ـ بهذا الأمر القرآني، واستخرجوا منه أحكامًا لوقائع أخرى أشدّ قسوة على قلوبهم، وأضرب لهذا مثالا واحدًا من كلام أحد أئمة الإسلام الكبار هو الإمام الشافعي حيث قال في كتابه (الأمّ): (وإذا دخل جماعة من المسلمين دار الحرب بأمانٍ، فسبى أهل الحرب قوًمًا من المسلمين؛ لم يكن للمستأمنين قتال أهل الحرب عنهم، حتى ينبذوا إليهم، فإذا نبذوا إليهم فحذروهم، وانقطع الأمان بينهم؛ كان لهم قتالهم. فأما ما كانوا في مدة الأمان فليس لهم قتالهم). انتهى كلام الشافعي 4/293.  إن هذا النص القرآني يحتم علينا ـ نحن المسلمين المقيمين في دولة غير إسلامية ـ أن نلتزم بعهد الأمان الذي دخلنا فيه، سواء بالإقامة المؤقتة، أو الدائمة، أو المواطنة، ورغم أن طبيعة العلاقة بيننا وبين الدول التي نعيش فيها تختلف عن صورتها في العصور السابقة، حيث نعيش في دول علمانية، ونحظى بحقوق المواطنة كاملة، فإن الحكم الدينيّ والأخلاقيّ يبقى واحًدًا، ولا يختلف في هذا أحدٌ من فقهاء الإسلام في هذا العصر. فيجب علينا الوفاء بالعهود والمواثيق، ويحرم علينا الغدر والخيانة. كما يحرم علينا بنصّ القرآن الكريم أن نكون طرفا في حرب ضد الدول التي نقيم فيها، حتى وإن كانت غايتنا نصرة إخواننا المظلومين في الدين. ومن اختار من المسلمين أن يتصرف بما ينافي هذا، فيجب عليه أولًا ـ بنص القرآن الكريم ـ أن يبلّغ الجهات الرسمية في الدولة التي يقيم فيها، تبليغًا صرًيحًا واضحًا بأنه اختار التخلي عن الجنسية التي يحملها أو الإقامة التي يتمتع بها، وأنه يقطع علاقته بتلك الدولة، ويعلن أنه في حالة حرب معها. ويجب عليه ـ بنص القرآن الكريم ـ أن يتأكّد من أن الجهات الرسمية قد علمت ببلاغه، وفهمت مراده، وصارت على بينة من قراره واختياره وهذا معنى قوله تعالى: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}. فإذا علمتم هذا ـ يا عباد اﷲ ـ فكيف يجوز لنا أن نخون أهل هذه البلاد ونغدر بهم ونحن نعيش بأمانهم، ونتمتع بالأمن في الدين والحقوق والحريات المصانة. فإن جهلنا حكم الدين وضللنا في فهمه، فأين نحن من الأخلاق؟ وإن فقدنا أخلاقنا: فأين عقولنا؟ اللهم سلِّم، اللهم سلِّم.

اللهم اهد ضالَّ المسلمين، وعلِّم جاهلهم، وردَّهم إلى دينك ردًّا جميلًا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين. 

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد