موقع الشيخ عبد الحق التركماني - حق الله وحق عباد الله

/ 26 كانون الأول 2024

للتواصل 00447432020200

حق الله وحق عباد الله

نشرت بواسطة : إدارة الموقع تاريخ غير محدد 4955

حق الله وحق عباد الله

إن هذا الدين العظيم دينَ الإسلام هو دين الله تعالى للأولين والآخرين، وقد أتمه الله عز وجل ببعثة محمدٍ وكمَّله ورضيه لعباده فأقام به الحجة على الناس ما بقيت على هذه الأرض حياة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، فالخير كله مجموع في هذا الدين، لا صلاح ولا سعادة في هذه الحياة الدنيا، ولا فوز ولا نجاة في الآخرة إلا به: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة.

عباد الله: لو أردنا أن نعرِّف بدين الإسلام بعبارة موجزة دالة عليه، لجاز لنا أن نقول: أن أصول هذا الدين ومقاصده وشرائعه تتلخص في كلمتين جامعتين: حق الله عز وجل، وحقُّ عبادِ الله. وإن شئت فقل: حق الخالق وحق المخلوق. فلا قيام للدين إلا بأداء هذين الحقَّين، بتصحيح معاملة رب العالمين وتصحيح معاملة المخلوقين.

أما حق الله عز وجلَّ فهو توحيد الله تعالى والبراءة من الشرك وأهله، حقُّ أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يتبَّع ما شرع بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه. وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل، قال: قال لي رسول الله: «يا معاذ، هل تدري ما حق الله على العباد؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن حقَّ الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا» ثم قال: «هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «أن لا يعذبهم».

فمن أدَّى حقَّ الله فقد ضمن الله تعالى له الخيرَ كلَّه في الدنيا والآخرة: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}، {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

أما الأصل الثاني: فهو حقوق عباد الله، وقد جاء الإسلام بصيانتها والمحافظة عليها وحذر أشد التحذير من الاعتداء عليها، وأمر بإقامة العدل بين الناس، وذلك من مقاصد الرسالة وغاياتها، قال ربنا سبحانه في سورة الحديد: {قَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} فالكتاب للهداية في الدين، والميزان لإقامة العدل بين الناس، قال ابن عباس: في «الميزان» إنه العدل.

وقد ذكر الله تعالى حقوق العباد في أصول وصاياه وأوامره لعباده، فذكر جملة كبيرة منها في مواضع من كتابه، وقرنها بحقه في أن يعبد ولا يشرك به،كما في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ، وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ، لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا، ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

عباد الله: ومن تعظيم ديننا لحقوق الناس ما بيَّنه الفقهاء في كتبهم من أنَّ ما كان حقًّا خالصًا لله تعالى يسقط بالتوبة من الشرك وترك الصلاة، فالله تعالى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ، أما حقوقُ العباد فلا تسقط بالتوبة، قال العلماء: حقوق العباد الخالصة وذلك كالديون والأملاك وحق الوراثة وغير ذلك مما يتعلق بالأموال نقلاً وبقاءً، فهذه كلها حقوق العباد خالصة والاعتداء على حقوق العباد ظلم، ولا يقبل الله تعالى توبة عبد قد أكل حقًّا من حقوق العباد إلا إذا أداه أو أسقطه صاحبه وعفا عنه. وقال بعض العلماء:  وأما تبعات العباد فلا يكفِّرها التوبة بل لا بد من استحلال أربابها، لأن حقوق العباد لا يقال لها ذنوب.

عباد الله: إن أول ما يسأل عن العبد يوم القيامة هو حقُّ الله ثم حقوق العباد، وأعظم حق لله تعالى بعد الشهادتين هو الصلاة، وأعظم حق لعباد الله هو حق الحياة، لهذا قال رسول الله: «أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء» ن صححه الألباني.

فلننظر إلى حالنا نحن المسلمين في هذا العصر، بل منذ عصور طويلة: كم دخل على المسلمين من نقص وتقصير وتضييع لحق الله عز وجل: ففي بلاد الإسلام يمارس الشرك جهارًا نهارًا، يُستغاث بالقبور ويطاف بها ويسجد إليها، ويسب الله ورسوله في بعض البلاد جهارًا نهارًا، أما الصلاة: فيؤذن المؤذن للصلاة فلا تكاد تجد أثرًا في الشوارع والأسواق، فالناس في أعمالهم ومصالحهم. فلما ضيَّع الناس حق الله عز وجل ضيَّعوا الحقوق فيما بينهم، ضاعت قيمة الحياة فتجرأ الناس على القتل، وضاعت أهمية حقوق الناس في وعي الفرد والمجتمع، وفي ممارسة الحكومات الطاغية الظالمة: فاعتدي على أموال الناس بالسرقة والسلب والنهب، وضيق عليهم في أعمالهم وتجاراتهم ومصالحهم، فانتشرت البطالة وعم الفقر، وصارت دول الإسلام نموذجًا للفساد والمظالم بين  دول العالم، وكل ذلك: بما كسبت أيدي المسلمين من تضييع حقوق الله تعالى أولاً، ثم حقوق الناس ثانيًا: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فلا صلاح لحالهم، وإصلاح لواقعهم، إلا بالرجوع إلى الله عزَّ وجل بإقامة العبودية الخالصة له، وتنفيذ وصاياه في حفظ حقوق العباد وصيانتها: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد