شروط لا إله إلا الله: العلم
عباد الله: مما لا يخفى على مسلم أن شهادة أن لا إله إلا الله هي المدخل إلى دين الإسلام، وهي أصل الدين، وأساس الملة، وهي التي بدأ بها الرسل عليهم الصلاة والسلام أقوامهم، فأول شيء بدأ به الرسول قومه أن قال قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا. فهي كلمة التوحيد، وكلمة الإخلاص والتقوى، وهي الكلمة الطيبة، والعروة الوثقى، وهي ثمن الجنة، قد شهد النبي لقائلها بالجنة والفوز العظيم فقال: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له وجبت له الجنة) ن. ولكي ينال العبدُ هذه الثمرة، ويتحقق له هذا الوعد: فلا بدَّ أن يقول هذه الكلمة صادقًا من قلبه عالمًا بمعناها، ويعمل بمقتضى ذلك. فهذه الشهادة العظيمة لا تنفع صاحبها إلا إذا حقَّق شروطها، ألا ترون يا عباد الله أن الصلاة لا تنفع صاحبها إذا صلاها من غير وضوء، فالوضوء شرط لصحة الصلاة، لا تصح الصلاة ولا تقبل إلا به، فكذلك هذه الكلمة الطيبة: لا تقبل ولا تنفع صاحبها إلا باجتماع شروطها، وقد قيل لوهب بن منبه رحمه الله: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
وقد استخرج العلماء هذه الشروط من نصوص القرآن والسنة، وبينوها بأدلتها، وهي سبعة: العلم بمعناها، واليقين، والقبول، والانقياد، والصدق، والإخلاص، والمحبة لها.
فحري بنا ـ إخوة الإيمان ـ أن نعتني بتعلمها والتفقه فيها، ولأهميتها نخصها بسلسلة من الخطب، سائلين المولى عز وجل القبول والنفع والفائدة.
فأول شــروط شهادةِ لا إله الله: العلمُ بمعناها نفيًا وإثباتًا. هذا العلم المنافي للجهل، وقد أمر الله تعالى به في كتابه فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}(محمد 19). فأمر الله تعالى بالعلم قبل العمل، وخصَّ بالأمر أهمَّ معلوم وأجلَّه: وهو أنه لا إله إلا الله، وقد تضمنت هذه الكلمة نفيًا وإثباتًا، فالشطر الأول من هذه الكلمة نفيٌ، فقوله: (لا إله) هذا نفيُ العبادة عما سوى الله عز وجل، وإبطال كل معبود من دون الله من الأحياء والأموات، ومن الأصنام والأوثان والقبور وغيرها. والشطر الثاني إثبات، فقوله: (إلا الله) إثبات لاستحقاق الله تعالى على وجه الاختصاص والتفرد بالعبادة، فدل اجتماع النفي والإثبات: على أن لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، وبهذا أرسل الله رسله وأنزل كتبه قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقال نوح وهود وصالح: {يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره}. وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وقال تعالى في وصيَّته لهذه الأمة خاصة وللناس عامة: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} وقال في موضع آخر {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا}. فهذه الآيات وغيرها كثير في كتاب الله، صريحة الدلالة على أن الأنبياء والمرسلين جميعًا دعوا قومهم إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله: أنه لا معبود بحق إلا الله. فلم يكونوا يدعون إلى كلمة لا معنى لها، ولم يكن المشركون يجهلون معناها، بل كانوا يردونها لعلمهم بمعناها، وأن إقرارهم بها يوجب إفراد الله بالعبادة، وإبطال ما هم عليه من الشرك والوثنية.
وقال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(الزخرف 86). أي بلا إله إلا الله {وهم يعلمون} بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم. أي: لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم فإنه تنفع شفاعته عند الله بإذن الله لـه. ومن أدلة السنـَّـة: الحديث الثابت في صحيح مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة).
قال السعدي رحمه الله في تفسيره: العلم لا بدَّ فيه من إقرار القلب بمعنى ما طُلب منه علمه، وتمامه: أن يعمل بمقتضاه. وهذا العلم الذي أمر الله به وهو العلم بتوحيد الله فرضُ عينٍ على كلِّ مسلم، لا يسقط عن أحد، كائنًا من كان، بل كلٌّ مضطر إلى ذلك. والطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا الله، أمور:
أحــدهــما: بل أعظمهما: تدبُّر أسمائه وصفاته وأفعاله الدالة على كماله، وعظمته، وجلاله، فإنها توجب بذل الجهد في التأله له، والتعبد للرب الكامل، الذي له كل حمد ومجد، وجلال وجمال.
الـثـانـي: العلم بأنه تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير، فيعلم بذلك أنه المنفرد بالألوهية.
الـثـالث: العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية. فإن ذلك، يوجب تعلق القلب به، ومحبته، والتأله له وحده لا شريك له.
الـرابــع: ما نراه ونسمعه من الثواب لأوليائه القائمين بتوحيده من النصر، والنعم العاجلة، ومن عقوبته لأعدائه المشركين به، فإن هذا داع إلى العلم بأنه تعالى وحده المستحقُّ للعبادة كلها.
الخامس: معرفة أوصاف الأوثان والأنداد التي عبدت مع الله، واتخذت آلهة، وأنها ناقصة من جميع الوجوه، فقيرة بالذات، لا تملك لنفسها ولا لعابدها، نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً، ولا ينصرون من عبدهم، ولا ينفعونهم بمثـقال ذرة، من جلب خير، أو دفع شر، فإن العلم بذلك، يوجب العلم، بأنه لا إله إلا الله، وبطلان إلهية ما سواه.
الـسـادس: اتفاق كتب الله على ذلك وتواطؤها عليه.
الـسـابــع: أن خواص الخلق، الذين هم أكمل الخليقة أخلاقاً وعقولاً، ورأيًا وصواباً وعلمًا وهم الرسل والأنبياء والعلماء الربانيون قــد شهدوا لله بذلك: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
الـثـامـن: ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية، التي تدل على التوحيد أعظم دلالة، تنادي عليه بلسان حالها، بما أودعها من لطف صنعته، وبديع حكمته، وغرائب خلقه. فهذه الطرق التي أكثَرَ الله من دعوة الخلق بها إلى أنه لا إله إلا الله، وأبداها في كتاب وأعادها، عند تأمل العبد في بعضها لا بد أن يكون عنده يقين وعلم بذلك، فكيف إذا اجتمعت وتواطأت واتفقت، وقامت أدلةً للتوحيد من كل جانب. فهناك يرسخ الإيمان والعلم بذلك في قلب العبد، بحيث يكون كالجبال الرواسي لا تزلزله الشبه والخيالات، ولا يزداد على تكرار الباطل والشبه إلا نموًّا وكمالاً. هــذا وإن نظرت إلى الدليل العظيم، والأمر الكبير وهو تدبر هذا القرآن العظيم والتأمل في آياته فإنه الباب الأعظم إلى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره.
- لا يوجد تعليقات بعد