موقع الشيخ عبد الحق التركماني - شروط لا إله إلا الله: اليقين

/ 26 أبريل 2024

للتواصل 00447432020200

شروط لا إله إلا الله: اليقين

نشرت بواسطة : إدارة الموقع / 11 فبراير 2011 1877

عباد الله: ما زلنا مع شروط لا إله إلا الله، فقد بينا أن كلمة التوحيد ليست كلمات يطلقها الإنسان من غير معنى ومقصد وغاية، بل لا بد لها من شروط كما أن لكل عبادة شروطًا لا تصح إلا باجتماعها، فذكر شرط العلم بمعناها المنافي للجهل، واليوم نذكر شرط اليقين المنافي للريب والشك، فهو شرطٌ من شروط شهادة التوحيد، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يعْلَمُهُمْ إلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَينَاتِ فَرَدُّوا أَيدِيهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إلَيهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [إبراهيم:9، 10]، فهم كفروا لأنهم شكوا في صحة دعوة الرسل لهم.

وقال تعالى: ﴿إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات:15]. فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا، أي لم يشكوا فأما المرتاب فهو من المنافقين.

وفي الحديث الثابت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقي الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة )، وفي رواية: (لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة). مفهوم الحديث أن من لقي الله تعالى بشهادتي التوحيد شاكًّا فيهما لا يدخل الجنة ولا يكون من أهلها. وعن أبي هريرة أيضاً من حديث طويل: (من لقيتَ من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة).

عباد الله: اليقين أعلى مراتب العلم، فالعلم قد يكون معرفة، وهذه المعرفة قد يتطرق إليها الشك والريب والتردد والاضطراب، فإذا سلم العلم من هذه العوارض، ووصل إلى درجة الرسوخ والثبوت والاستقرار التام: عند ذلك يكون يقينًا، حيث لا يخالطه شكٌّ ولا ريب، ولا أي شائبة من الشبهات.

اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون.

وخص ربنا سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين فقال وهو أصدق القائلين: {وفي الأرض آيات للموقنين} الذرايات: 20 وخص أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالمين فقال: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} البقرة: 45. وأخبر عن أهل النار: بأنهم لم يكونوا من أهل اليقين فقال تعالى: {وإذا قيل: إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم: ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين} الجاثية: 32. ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورًا وإشراقًا، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وهمٍّ وغمٍّ، فامتلأ محبة لله وخوفًا منه، ورضًى به، وشكرًا له، وتوكلًا عليه، وإنابة إليه. فاليقين لا يساكن قلبًا فيه سكون إلى غير الله.

قال ذو النون: اليقين يدعو إلى قصر الأمل، وقصر الأمل يدعو إلى الزهد، والزهد يورث الحكمة، وهي تورث النظر في العواقب. قال: وثلاثة من أعلام اليقين: قلة مخالطة الناس في العشرة، وترك المدح لهم في العطية، والتنزه عن ذمهم عند المنع. وثلاثة من أعلامه أيضًا: النظر إلى الله في كل شيء، والرجوع إليه في كل أمر، والاستعانة به في كل حال.

وقال الجنيد: اليقين هو استقرار العلم الذي لا ينقلب ولا يحول، ولا يتغير في القلب.

وقال أحد الصالحين: إذا استكمل العبد حقائق اليقين صار البلاء عنده نعمة، والرخاء عنده مصيبة.

وهذا لا يكون إلا بسكون القلب إلى خبر الله في كتابه ووحيه على لسان نبيه، ووثوقه به، والله تعالى قد أقام لعباده الأدلة والأمثال والبراهين على صدق أخباره، فيحصل لهم اليقين من الوجهين: من جهة الخبر في القرآن والسنة، ومن جهة الدليل الذي أرشدهم الله إليه والبرهان الذي أقامه لهم، وهذا كعامة أخبار الإيمان والتوحيد والقرآن فإنه سبحانه مع كونه أصدق الصادقين يقيم الأدلة والبراهين لعباده حتَّى تمتلئ قلوبهم بنور اليقين.

إخوة الإيمان: إن اليقين بخبر الله وموعوده، اليقين المطلق بأن الله هو الحق ووعده حق وكتابه حق ورسوله حق، وأن الجنة حق والنار حق، هذا اليقين هو الذي يحمل على الصدق والثبات، وعلى البذل والعطاء، وعلى الجد والاجتهاد في عبادة الله وطاعته،  لهذا كان اليقين قرين الصبر، فإذا اجتمع الصبر واليقين: تحقق باجتماعهما الإمامةُ في الدين قال الله تعالى وبقوله يهتدي المهتدون: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة: 24.

والله تعالى لما أمر نبيه الكريم بالصبر على الدعوة والثبات في طريقها وإقامة العبودية للواحد الأحد، حذَّره من مسالك من خلت قلوبهم من اليقين فقال عزَّ من قائل: {اصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} أي: قد ضعف إيمانهم، وقل يقينهم، فخفَّت لذلك أحلامهم وقلَّ صبرهم، فإياك أن يستخفَّك هؤلاء فإنك إن لم تجعلهم منك على بال وتحذر منهم، وإلا استخفوك وحملوك على عدم الثبات على الأوامر والنواهي، والنفس تساعدهم على هذا، وتطلب التشبه والموافقة، وهذا مما يدل على أن كل مؤمنٍ موقنٍ: رزينُ العقل، يسهل عليه الصبر، وكلَّ ضعيفِ اليقين: ضعيفُ العقل خفيفه. فاليقين بمنزلة اللب، والعقل بمنزلة القشور.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد