موقع الشيخ عبد الحق التركماني - شروط لا إله إلا الله: القبول والانقياد

/ 21 تشرين الثاني 2024

للتواصل 00447432020200

شروط لا إله إلا الله: القبول والانقياد

نشرت بواسطة : إدارة الموقع 18 شباط 2011 2104

الحمد لله الذي خشعت له القلوب وخضعت، ودانت له النفوس ورقت، وعنت له الوجوه وذلت، أحمده سبحانه حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده، وتركنا على المحجّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم عليه، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: كلمة التوحيد، وشهادة الحقِّ: لا إله إلا الله، هي أغلى وأعظم كلمة في هذا الوجود، هي أساس الدين ولبه وحقيقته، عليها نحيا، وعليها نموت، ولتحقيق معناها نعمل ونجتهد، وعليها نلقى الله، وبها ندخل الجنة بإذن الله وفضله ومنِّه. هذه الكلمة العظيمة لها دلالتها، ولها لوازمها، ولها مقاصدها، فهي متضمنة لمعنى التوحيد وحقيقته، فلا بد من العلم بها علما يقينيًّا لا شك فيه، ولا بد من قبولها والانقياد لها، والمحبة لها، والصدق في قولها، والإخلاص بها لله عز وجل. وهذه هي شروط لا إله إلا الله التي لا تقبل كلمة التوحيد من أحد إلا باجتماعها في قلب العبد. لهذا عُنينا بشرحها وتفسيرها، فذكرنا العلم، وذكرنا اليقين، ونحن اليوم مع شرطين من شروط لا إله إلا الله: وهما القبول والانقياد.

نعم يا عباد الله، لا ينفع العلم بمعنى كلمة التوحيد، ولا ينفع اليقين بصحة ذلك العلم وثبوته: حتى يقبل المسلمُ تلك الكلمة الطيبة، يقبلها بقلبه، وبلسانه، وينقاد لمعناها ودلالتها على توحيد الله عز وجل بعمله وسلوكه، فالقبول ينافي للرد، والانقياد يوجب التسليم ظاهرًا وباطنًا.

عباد الله: إن كثيرًا من الكفار ـ خاصة من أهل الكتاب ـ علموا بمعنى لا إله إلا الله، وأيقنوا بها، وعلموا أن محمدًا رسولُ الله، وأيقنوا بصحة نبوته: لكنه لم يقبلوا بهذه الحقيقة، ولم ينقادوا لهذه الدعوة، فكفروا استكبارًا وحسدًا. قال ربنا سبحانه: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة:109]. نعم تبيَّن لهم الحق، فعلموا بالحق، وأيقنوا بأنه الحق، ولكنه رفضوه حسدًا لاستكبارهم وغرورهم. والاستكبار من أهم أسباب ردِّ كلمة التوحيد وعدم الانقياد لها، وقد قال الله تعالى عن المشركين الأولين: ﴿إنَّهُمْ كَانُوا إذَا قِيلَ لَهُمْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ يسْتَكْبِرُونَ * وَيقُولُونَ: أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ﴾ [الصافات: 36]. يقولون هذا الكلام احتقارًا لشأن النبي الكريم، يتهمونه بالجنون وبالسحر والكذب وبأنه شاعر، والحقيقة أن سبب كفرهم هو جحودهم وغرورهم واستكبارهم.

إخوة الإيمان: إذا علمنا هذا، فلنعلم أن من صفات المؤمنين الصادقين القبول لكلمة التوحيد بقلب راضٍ ونفس مطمئنة، كما قال ربنا سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. وقالوا سمعنا أي قبلوا ما أنزل الله على رسوله بقلب عالم موقن صادق، ثم ماذا بعد ذلك؟ وأطعنا: أي انقادوا وسلموا، فالتزموا بالإيمان علمًا واعتقادًا وقولاً وعملاً.

وقال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}، وقال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}. وقال عز وجل: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، فالله تعالى قد أمرنا أن نسلم وجوهنا له سبحانه، وأخبر انه لا أحد أحسنُ ممن يسلم وجهه لله، وإسلام الوجه: معناه القبول والانقياد، معناه الخضوع والاستسلام لله ولكتابه ولدينه. فمن فعل ذلك وهو محسن، محسن بإخلاص القلب واتباع السنة: فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

إخوة الإيمان: من هنا نعلم أن كل مسلم لا بدَّ أن عنده أصل القبول والانقياد لله تعالى ولدينه، لكنَّ المؤمنين يتفاوتون في مراتب القبول والانقياد تفاوتًا كبيرًا، فكلما زاد المؤمن قوة في الإيمان والصدق والإخلاص: كلما ارتفع في مراتب القبول والانقياد والتسليم. والضعف في القبول والانقياد لله ولرسوله، ضعف القبول والانقياد لكتاب الله وسنة النبي من علامات ضعف الإيمان ورقة الدين. ولهذا تجد بعض المسلمين إذا أخبرته بما قال الله وقال رسول الله، يبدأ بالمناقشة والتأويل بل التشكيك والرد: بعقله وهواه، وبالعادات والتقاليد التي نشأ عليها، أو بالأفكار والسياسة والمبادئ التي تأثر بها. فلا يقابل قول الله وقول رسوله بالقبول والانقياد والتسليم المطلق. وهذا بسبب ضعف الإيمان، بسبب شبهات في القلب، بسبب مرض القلب بالجهل والشكوك والشبهات. أما المؤمن الحق، المؤمن الصادق فيبادر إلى القبول المطلق، والانقياد المطلق لكلام الله وكلامه رسوله، ولا يتحقق الإيمان عند أحد إلا بهذا، كما قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يؤْمِنُونَ حَتَّى يحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لا يجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيتَ وَيسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء:65]. فلا بد أن تجعل كتاب الله وسنة الرسول حكمًا في كل عقيدة وقول وعمل، ثم ماذا بعد ذلك؟ لا بد أن ترضى بحكم الله وبحكم رسوله، ثم ثالثًا لا بد أن تسلم تسليماًا كاملاً بقلبك وقولك وسلوكك، فبهذا تكون من المؤمنين الصادقين: ﴿ثُمَّ لا يجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيتَ وَيسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. قال ابن تيمية رحمه الله في تفسير هذه الآية: «فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته، فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يشجر بينهم من أمور الدين والدنيا، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه، ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة». وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يكُونَ لَهُمُ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا﴾ [الأحزاب:36].

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من الذين المسلمين المنيبين الصادقين، ويطهر قلوبنا من الشبهات والشهوات، بمنه وكرمه.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد