موقع الشيخ عبد الحق التركماني - السلام شعار أهل الإسلام

/ 21 حزيران 2025

للتواصل 00447432020200

السلام شعار أهل الإسلام

نشرت بواسطة : إدارة الموقع تاريخ غير محدد 853

عباد الله: إنَّ من شعار أهل الإسلام، ومن أكثر الكلمات التي تدور على ألسنتهم، هي تلك الكلمة الطيبة (السلام عليكم)، والسلام من أسماء الله عز وجل {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ‌الْمَلِكُ ‌الْقُدُّوسُ ‌السَّلَامُ}، أي المعظَّم المنزَّه عن صفات النقص كلها، ولا يماثله أحد من الخلق، فهو المتنزِّه عن جميع العيوب، والمتنزِّه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال. صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إنَّ السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه الله في الأرض، فأفشوا السلام بينكم) «السلسة الصحيحة» (1607)، فالابتداء بهذه الكلمة عند اللقاء، وإفشائها بين الناس فيه معان:

الأول: ذكر اسم الله عز وجل فهو السلام سبحانه، واسم الله يذكر على الأعمال توقعًا لاجتماع معاني الخيرات والبركات فيها، وانتفاء عوارض الفساد.

الثاني: السلامة والأمن، ففي هذه الكلمة إعلام المُسَلَّمِ عليه أنه مسالم له، لا يناله منه أذى، لهذا كان الامتناع عن السلام قصدًا وتعمدًا من دلائل العداوة والبغضاء.

الثالث: طلب السلامة والخير له، ففيه معنى الدعاء أي حفظك الله وكلأك، كما يقال (الله معك ومصاحبك). ولما كانت هذه التحية جامعة لهذه المعاني الشريفة فهي اسم من أسماء الله، وفيها دعاء بالسلامة والخير وإعلان للسلام والأمن، بما يقتضي البعد عن الغدر والخيانة والأذى، فقد اصطفاها الله عز وجل، اصطفى هذه التحية لبني آدم كلهم في الدنيا، وجعلها يوم القيامة خاصة بعباده المؤمنين. أما في الدنيا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خلق الله آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم قال اذهب فسلم على أولئك من الملائكة، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله) «صحيح البخاري» (3873). لهذا يشفع للمسلم أن يبدأ بالسلام من يلقاه مسلمًا كان أو كافرًا، وقد كان الصحابي الجليل أبو أمامة رضي الله تعالى عنه لا يمر بمسلم ولا يهودي ولا نصراني إلا بدأه بالسلام. وكان عبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وفضالة بن عبيد، هؤلاء الثلاثة من الصحابة الأجلاء يبدأون أهل الشرك بالسلام. كما هو مذهب كثير من الصحابة والتابعين وأئمة السلف، وبه قال الإمام إسحاق بن راهويه وشيخ الاسلام ابن تيمية رحمهم الله تعالى جميعا. وذلك أنَّ النهي الوارد عن السلام على غير المسلمين، إنما هو في الحرب، في حال العداوة والحرب، لأنَّ السلام أمان، ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن السلام على اليهود عندما ذهب لقتال بني قريظة، نهى أصحابه عن السلام عليهم وقال لهم: إنكم لاقون اليهود غدًا، فلا تبدأوهم بالسلام) «الأدب المفرد» (1102). وقد صح هذا من حديث ابن عمر، وحديث أبي بصرة الغفاري، رضي الله تعالى عنهما. أما في الآخرة فالسلام تحية الملائكة للمؤمنين في الجنة، قال الله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) ‌سَلَامٌ ‌عَلَيْكُمْ ‌بِمَا ‌صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)} [الرعد]، وقال سبحانه: {‌وَسِيقَ ‌الَّذِينَ ‌اتَّقَوْا ‌رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (٧٣)} [الزمر]، وقال ربنا عز من قائل عن أهل الجنة: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ ‌يَلْقَوْنَهُ ‌سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (٤٤)} [الأحزاب]، وقال سبحانه وتعالى: {‌لَا ‌يَسْمَعُونَ ‌فِيهَا ‌لَغْوًا ‌وَلَا ‌تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (٢٦)} [الواقعة]، وقال سبحانه: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ‌تَحِيَّتُهُمْ ‌فِيهَا ‌سَلَامٌ (٢٣)} [إبراهيم]. ذلك لأنَّ الجنة هي دار السلام، فهي دار الأمن والأمان والسلامة من جميع الآفات، وفوق ذلك رضى الله عز وجل فلا يسخط عليهم أبدًا.

عباد الله: إذا علمنا هذا فلا عجب أن يكون أول ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، في أول خطبة له في مجتمع المدينة، وقد دخلها مهاجرًا هو إفشاء السلام. يقول عبد الله بن سلام وكان حبرًا من أحبار اليهود فأسلم رضي الله تعالى عنه: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جئت فلما تبينت وجهه، عرفت أنَّ وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما قال: (أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) «سنن ابن ماجه» (3251). فأعلن النبي صلى الله عليه بهذا تأسيس مجتمع آمن مسالم، فيه التكافل والتراحم وتقوى الله عز وجل وعبادته.  هذا هو طريق الجنة، أسأل الله تعالى أن يعيننا على سلوكها.

أيها المؤمنون: لما كان السلام بهذه المنزلة، فقد كثرت الأحاديث والأثر في فضله، وعظيم الثواب عليه، وفي محاسنه، وجميل آثاره على الفرد والمجتمع، فهو سبب للمحبة والألفة ولسلامة الصدر وطهارته من الحقد والغل، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) «صحيح مسلم» (93). وفي إفشائه أجر كبير يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: السلام عليكم كتبت له عشر حسنات، ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة، ومن قال السلام عليكم ورحمة الله بركاته: كتبت له ثلاثون حسنة) «صحيح الترغيب والترهيب» (2710)، فهو لهذا خير الأعمال، أو من خير الأعمال، فقد سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الاسلام خير؟ يعني أي خصال الاسلام خير؟ قال صلى الله عليه وسلم (تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) «صحيح البخاري» (12). وإفشاؤه أخوة الإيمان سبب لبركة الله عز وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم موصيًا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم، يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك) «سنن الترمذي» (2698). عباد الله: وللسلام أحكام وآداب، ينبغي على المسلم أن يتعلمها من دروس أهل العلم، ومن كتب الفقه، وشروح الأحاديث، يضيق المقام عن ذكرها، فاسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل السلام في الدنيا ومن أهل للسلام في الآخرة. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشكره وهو الكفيل بالزيادة لمن شكر إعزازًا لمن آمن به وأقر وإرغامًا لمن جحد به وكفر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأنصاره وأتباعه إلى يوم الدين.

إخوة الإيمان: ذلك هو فضل هذه الكلمة المباركة (السلام عليكم)، وتلك هي أهميتها ومنزلتها وآثارها، فكم هو محروم من حرم نفسه منها؟ وكم هو بخيل من بخل بها؟ بل قال رسول الله صلى عليه وسلم:  (أبخل الناس الذي يبخل بالسلام) «صحيح الأدب المفرد» (1042). والبخل بالسلام من أمارات الكذب والترفع، ومن الجفاء والغلظة، ومن سوء السلوك، لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم حتى على الأطفال إذا لقيهم. ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم (مر على صبيان يلعبون فسلم عليهم) «صحيح البخاري» (6247)، ففي هذا دليل على التواضع والرحمة، كما أن فيه تربية الناشئة على آداب الإسلام وأحكامه. وترك السلام عمدا دليل على هجر المسلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) «صحيح البخاري» (5727)، هذا في ترك السلام لسبب دنيوي، وهو تصرف قبيح مذموم، وهو من هجر المسلم وتضييع حقوقه، وأقبح منه أن يُلَبَّسَ بلباس الدين، وقد انتشر هذا بين كثير من الشباب المسلم ممن ابتلوا بأفكار الغلو في التكفير والغلو في التبديع، وهاتان فرقتان متنافرتان، لكن يجمع بينهما الغلو والتنطع في الدين، والكبر والعجب وسوء الظن في المسلمين، والتعالي عليهم واحتقارهم، وإبطال حقوق الأخوة الإيمانية لأدنى شبهة أو مخالفة لرأيهم وأهوائهم، والتعصب لشيوخهم، وفرض آرائهم واجتهاداتهم على أهل السنة خاصة، وامتحانهم بموافقتهم في كل صغيرة أو كبيرة، فهؤلاء الغلاة غلاة التكفير وغلاة التبديع من سوء فهمهم وسوء أخلاقهم وسوء تصرفهم، أنهم لا يسلمون إلا على من يوافق رأيهم وحزبهم، وينزلون ما ذكره أهل الاسلام من ترك السلام على أهل البدع والضلالة، ينزلونه على إخوانهم من أهل التوحيد والسنة، وعلى أقرانهم في الدراسة، وعلى المصلين في المساجد.

احذروا يا أهل الدين والتقوى، احذروا من هذه المسالك المنحرفة، والتزموا أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم في إفشاء السلام على كل من تلقونه، عرفتموه أو لم تعرفوه، واعلموا أنَّ من أشراط الساعة، (أن يُسلِّم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة)، أي لكونه يعرفه خاصة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر في حديث صحيح عند الإمام أحمد (3848). جعلني الله وإياكم من أهل السلام والسلامة والإسلام والأمن والأمان.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، ويجعله حجَّة لنا لا علينا.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد