نعمة الإسلام والسنة والعلم والرحمة

عباد الله: احمدوا الله تعالى على نعمه واشكروه على آلائه، وإنَّ أعظم نعمة عليكم توجب الشكر والحمد لله عز وجل هي نعمة الإسلام، أن هداكم إلى دين التوحيد، وهداكم إلى صراطه المستقيم.
نعم يا عبد الله أنت تعبد الله وغيرك يعبد الحجر والشجر، أنت تعرف ربك وتعرف الغاية التي خُلقت من أجلها، فتعمل لها وتسعى إليها وغيرك حيوان في هذه الأرض لا يعرف لماذا خُلق وإلى ماذا سينتهي أمره. هذه نعمة عظيمة يجب أن نستحضرها، ونعرف قدرها وتلهج ألسنتها بذكرها وشكر الله تعالى وحمده عليها. ثم أكبر نعمة وأعظم نعمة بعد نعمة الإسلام، أن هدانا الله تعالى إلى السنَّة، وقد تفرقت الأمم في أهواء وفرق ومذاهب شتى، فهدانا الله تعالى إلى طريق السنَّة والجماعة، ومنهاج السلف الصالح الطيب منهاج الصحابة، ومن سار على نهجهم بإحسان وأئمة الدين وأعلام المسلمين. فيا لها من نعمة عظيمة تميز بها أهل السنَّة والجماعة عن غيرهم ممَّن تشعَّبت بهم الطرق وتقاذفت بهم الآراء والأهواء، فتميَّزوا عن غيرهم من أهل القبلة بصفات وخصائص، اختصُّوا بها فضلًا من الله وتكرمًا، وببركة اتباعهم لنهج نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، فمن تلك الصفات صفات أهل السنَّة والجماعة صفات الملتزمين بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: تعظيم التوحيد توحيد الله عز وجل، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة والإخلاص له والبراءة من الشرك وأهله. فهذا الأمر من أعظم ما يميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم، به يعتنون وبه يهتمون وإليه يدعون وحوله يدندنون، فإن هذا التوحيد هو حق الله تعالى على العباد، خلق الخلق من أجله، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات]. لهذا لم يكلفهم الله عز وجل إلا بهذا التوحيد وبالقيام بحقوقه وواجباته، كما قال ربنا سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)} [البينة]. وبه أرسل الله رسله، وأنزل كتبه، وأقام من أجله سوق الجنة والنار، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، وأخبر الله تعالى عن كل من رسله أنهم بدأوا دعوتهم لأقوامهم بهذا الأمر الإلهي العظيم: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، وبهذا بدأ نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم دعوته وبه ختمها فكان يقول للناس: (يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) «مسند أحمد» (16023). وفي اللحظات الأخيرة من حياته وهو على فراش الموت كان يحذر مما يناقض التوحيد، يحذر من الشرك وأسبابه ووسائله، ويقول: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر مما صنعوا)، كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها «صحيح البخاري» (1265).
ومن صفات أهل السنة والجماعة الاعتصام بالكتاب والسنة، والتحاكم إليهما وتقديمهما على كل رأي وذوق وقياس وهوى، وطاعة الله في اتباع كتابه وطاعة الرسول في اتباع سنته، قال ربنا سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)} [النساء]، وقال ربنا سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (٧٠)} [النساء]. لهذا يحذر أهل السنة والجماعة من مخالفة الكتاب والسنة ومعصية أمر الله وأمر رسوله، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)} [الأحزاب]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (٢٣)} [الجن]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)} [النساء]. لهذا كان من صفات أهل السنة والجماعة أيضا أنهم لا يدعون إلا إلى الكتاب والسنة، كما بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمهما أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم، فبذلك يكون اجتماع الكلمة ووحدة الأمة فلا يدعون إلى طائفة ولا إلى حزب، ولا يربطون الناس بشيخ من المشايخ، ولا شخص من الأشخاص، مهما علت منزلته وكان مؤثرًا ومقدرًا. فإن الله تعالى أمرنا بالجماعة والائتلاف ونهانا عن الفرقة والاختلاف، وربنا واحد، ورسولنا واحد، وكتابنا واحد، وديننا واحد، وأصول الدين ليس بين السلف وأئمة الإسلام فيها خلاف ولا يحل فيها الافتراق، لأن الله تعالى يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فالواجب على كل مسلم أن يحب ما أحب الله ورسوله، وأن يبغض ما أبغض الله ورسوله، مما دل عليه في كتابه، فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقول إلا بما في كتاب الله عز وجل، ومن نصَّب شخصا كائنا من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) «مجموع الفتاوى» 20/8.
فيا عباد الله: هذه صفة أهل السنة والجماعة أنهم يدورون حيث دار الكتاب والسنة، اعتصامهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وأنَّ ذلك مصدرهم ومولدهم. فيا عباد الله إذا رأيتم من ينتسب إلى السنة، وإلى الدعوة السلفية، وهو يوالي ويعادي على اتباع عالم من العلماء أو شيخ من المشايخ، ويمتحن الناس في دينهم ويلزمهم بأقوال شيخه أو شيوخه فاعلم أنه ليس على الجادة من السنة والسلفية، وأنه قد خالف أصلًا من أصلها، وتشبه بأهل الفرقة والتحزب والضلالة، اسأل الله سبحانه أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشكره وهو الكفيل بالزيادة لمن شكر إعزازًا لمن آمن به وأقر وإرغامًا لمن جحد به وكفر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأنصاره وأتباعه إلى يوم الدين.
عباد الله: ومن صفات أهل السنة والجماعة أنهم يحبون الخير للناس أجمعين، ويحرصون على إيصال الحق إليهم، ويرحمونهم ويعذرونهم، لا يستكبرون ولا يتعالون، ولا يرون لأنفسهم على الناس حقًا. وأهل السنة والجماعة كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية: (وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة ويطيعون الله ورسوله فيتبعون الحق ويرحمون الخلق) «مجموع الفتاوى» 3/279. كما أخبر ربنا سبحانه عن عباده المتقين: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (٩)} [الإنسان]، وأسوتهم وقدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي دعا الناس إلى الحق بالرحمة والرفق والإحسان والتسامح، فكان كما وصفه سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم]، وقال أيضًا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء]. فكان صلى الله عليه وسلم خير معلم وخير مؤدب وخير مربي، وعلى نهجه أئمة الدين والصالحون، وهو منهج أهل السنة والجماعة الذي يتميزون به عن أهل البدع والتشدد والغلو والظلالة، كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: (هم أول من كفر المسلمين، يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة، ويكفرون من خالفهم فيها، وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة، ويطيعون الله ورسوله فيتبعون الحق ويرحمون الخلق) «مجموع الفتاوى» 3/279. فإذا رأيتم يا عباد الله من ينتسب إلى السنة والسلفية، ويسلك مسالك التشدد والتنطع والكذب والاستعلاء على خلق الله بسوء الأخلاق، وقبيح الألفاظ يفرق بين عباد الله بالظلم والبغي والغيبة والنميمة، فاعلموا أنه ليس بمتأدب بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وليس بسائر على نهج السلف الصالح الطيب، فلا تنخدعوا به، فتلك نماذج من صفات أهل السنة والجماعة في العلم والتوحيد واتباع السنة وتعظيمها، ومفارقة أهل البدعة والأهواء والآراء، وكذلك في الدعوة إلى الحق ورحمة الخلق وحسن الخلق وحسن عرض الإسلام والدعوة إليه.
فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن اتصفوا بهذه الصفات، فنالوا تلك الدرجة الرفيعة في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
- لا يوجد تعليقات بعد