موقع الشيخ عبد الحق التركماني - هذه العبادات فأين ثمارها وآثارها

/ 21 حزيران 2025

للتواصل 00447432020200

هذه العبادات فأين ثمارها وآثارها

نشرت بواسطة : إدارة الموقع تاريخ غير محدد 1008

عباد الله! هذه الساعات هي الساعات الأخيرة من موسم عظيم من مواسم الخيرات والبركات، فاليوم هو اليوم الثالث والأخير من أيام التشريق، وبغروب شمس هذا اليوم ينقضي وقت ذبح الأضاحي، وينتهي عيد الأضحى المبارك، وفي هذا اليوم ينفِر من منًى بقيةُ الحجاج، وقد انفضَّ ذلك الجمع المبارك، وهم يذكرون الله تعالى ويستحضرون قصر عمر هذه الحياة، وقُرب لقاء الله والحشر إليه، كما الحقُّ جلَّ وعلا: {‌وَاذْكُرُوا ‌اللَّهَ ‌فِي ‌أَيَّامٍ ‌مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣)} [البقرة].  فالأيام المعدودات: هي أيام التشريق، وهي أيام منًى ورمي الجمرات. {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}، أي: من نفِر من الحاج في اليوم الثاني من أيام التشريق {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}، ومن لم ينفر حتى غربت الشمس فعليه أن يبيت حتى يرمي اليوم الثالث ثم ينفر، فيكون مـمَّن تأخر حتى ينفر في اليوم الثالث {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} في تأخره. فالحمد لله الذي أتمَّ على حجاج بيت الله حجَّهم، وعلى ما أنعم علينا من بلوغ هذه الأيام، ووفقنا إليه من الصالحات، ونسأله سبحانه أن يتقبَّل منَّا ومنهم، ويتجاوز عن ذنوبنا وتقصيرنا وإسرافنا في أمرنا، والله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.

إخوةَ الإيمان: تعالوا معي نتأمل الآيات التي أعقبت هذه الآية الكريمة من سورة البقرة التي فيها تمام مناسك الحجِّ، وختمها الله عزَّ وجلَّ بقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}، وهكذا العبادات كلُّها: الغاية والمقصِدُ منها: أن يكون الإنسان أقرب إلى الله، وأتقى له، وأكثر مسارعة إلى طاعته، وأعظم استحضارًا لحقيقة الوقوف بين يدي يوم القيامة للمحاسبة والجزاء.. لهذا ختم هنا آيات الحج بالأمر بالتقوى، وقال في الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)} [البقرة]، وبيَّن أنَّ هذه هي الغاية من الوحي والنبوة والكتاب فقال جلَّ شأنه في سورة الأنعام بعد أن بيَّن وصاياه للناس أجمعين، وهي عشر وصايا: {قُلْ ‌تَعَالَوْا ‌أَتْلُ ‌مَا ‌حَرَّمَ ‌رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}، [الأنعام] فهذه عشرُ وصايا عظيمة أمر الله بها عباده، ثم ختمها بقوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فالتقوى ـ وهي كما قال طلق بن حبيب رحمه الله في تعريفها: (التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله) «مجموع الفتاوى» 7/163. هذه التقوى هي الغاية المقصودة، وبها يكون صلاح النيات والأقوال والأعمال، إخلاصًا لا نفاقًا، صدقًا لا كذبًا، فإذا كانت (تقوى الله) هي قائد الإنسان وموجهه وسائقه: استقام سلوكه، وحسنت أخلاقه، وتغلَّب على نوازع نفسه وآفاتها، فتظهر فضل التقوى وثمارها وآثارها الطيبة على قوله وعمله وسلوكه مع نفسه وأسرته ومجتمعه والناس أجمعين.. هذا هو منهج الإسلام في إصلاح النفوس وتهذيبها. إقامة العبودية لله هي أصل كل خيرٍ وبرٍّ وإحسانٍ واستقامة.. فالنفس البشرية لا تصلح ولا يستقيم سلوكها بالفلسفات والأفكار، ولا بالأنظمة والقوانين، ولا بمفهوم المصلحة والنفعيَّة. يعني: افعل هذا فهو نافع لك، ولا تفعل هذا فهو ضارٌّ بك. لا، هذا منهج لا يربِّـي في الإنسان إلا الأنانيَّة البغيضة. ولكنَّ منهج الإسلام يقول: افعل هذا لأنَّ فيه مرضاةَ لله، وفيه محبةَ الله، وفيه طاعةَ الله، وفيه هدى الله، وفيه الفوزَ والنجاةَ وحسنَ ثوابِ الآخرة. ولا تفعل هذا: لأن فيه غضبَ الله ومقتَه، وفيه معصيةَ الله، وفيه وعيدَ الله، وفيه الخزيَ وسوءَ العذاب يوم القيامة. والله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد

إخوة الإيمان: إذا فهمنا هذا فلنقرأ الآن الآيات التي جاءت بعد آية أيام التشريق: {‌وَمِنَ ‌النَّاسِ ‌مَنْ ‌يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (٢٠٤) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (٢٠٥) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧)}.

عباد الله: من ضيَّع إقامة العبودية لله، ولم تتهذب نفسه بطاعة الله، وخلا قلبه من تقوى الله، فهذا حاله ووصفه: تجدُ شخصًا يعجبك ويروق لك قولُه، وهو يدعي الإسلام، وإن لم يدع الإسلام فهو يدَّعي الخير والإحسان والإصلاح وحسن الخلق، ويؤكد على ذلك بالأيمان: {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}، وفي قراءة: ويَشهدُ الله على ما في قلبه، أي الله يعلمُ ما في قلبه من الكفر والنفاق وإرادة الشر، فالحقيقة أنه: ألدُّ الخصام، أي: إذا خاصمته: وجدت فيه من العناد والصعوبة والتعصب، وما يترتب على ذلك، ما هو من مقابح الصفات، ليس كأخلاق المؤمنين، الذين جعلوا السهولة مركَبَهم، والانقياد للحق وظيفَتَهم، والسماحةَ سجيتهم. {وَإِذَا تَوَلَّى} هذا الذي يعجبك قوله إذا حضر عندك إذا تولى {سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} أي: يجتهد على أعمال المعاصي، التي هي إفساد في الأرض {وَيُهْلِكَ} بسبب ذلك {الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} فالزروع والثمار والمواشي، تتلف وتنقص، وتقل بركتها، بسبب العمل في المعاصي، {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}. وإذا كان لا يحب الفساد، فهو يبغض العبد المفسد في الأرض، غاية البغض، وإن قال بلسانه قولاً حسنًا. ففي هذه الآية دليل على أن الأقوال التي تصدر من الأشخاص ليست دليلًا على صدق ولا كذب، ولا بر ولا فجور حتى يوجد العمل المصدِّق لها، المزكي لها. ثم ذكر أن هذا المفسد في الأرض بمعاصي الله، إذا أمر بتقوى الله تكبر وأنف، و{أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ} فيجمع بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين. {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ} التي هي دار العاصين والمتكبرين، {وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} أي: المستقرُّ والمسكن، عذاب دائم، وهمٌّ لا ينقطع، ويأسٌ مستمر، لا يخفف عنهم العذاب، ولا يرجون الثواب، جزاء لجناياتهم ومقابلةً لأعمالهم، فعياذًا بالله من أحوالهم، ونسأل الله أن يجعلنا من الطائفة الأخرى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} هؤلاء هم الموفَّقون الذين باعوا أنفسهم وأرخصوها، وبذلوها طلبًا لمرضاة الله ورجاء لثوابه، فهم بذلوا الثمن للمليء الوفيِّ الرؤوف بالعباد، الذي من رأفته ورحمته أن وفقهم لذلك، وقد وعد الوفاء بذلك، فقال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}. والله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد أقول قولي هذا واستغفر الله لي لكم وللمسلمين والمسلمات.

الخطبة الثانية:

عباد الله: إذا علمنا بمنهج القرآن في إصلاح النفوس، وتفقَّهنا في تلك الآيات، وأدركنا أن فيها الهدى والرشاد، وهي شرط الصلاح والإصلاح، إذا أدركنا ذلك: فهمنا لماذا اعتادَ الخطباء والدعاةُ والوعَّاظ على تذكير المسلمين في أيام العيد بصلة الأرحام وإصلاح ذات البين والعفو والمسامحة والجود والكرم وحسن الخلق، فالنفوس إذا اتصلت بربِّها وخالقها، وخضت لمولاها بالركوع والسجود، وبالصيام والإحرام، وبالتلبية والذكر والدعاء، النفوس إذا أقلبت على الله عز وجلَّ وابتغت مرضاة الله وسارعت إلى رضوانه: تكون أذعن للحقِّ، وأسهل انقيادًا، وأقرب للخير، وأكثر تواضعًا وانكسارًا، فتصفح وتغفر، وتبشِّر ولا تنفِّر، وتبذل ولا تمنع، وتعفو ولا تنتقم، إنها تكون أبعد عن الكبر والعجب والغرور والاستعلاء، فهذه الحالة الإيمانية تناسب أن توجَّه وتستثمر في إصلاح السلوك والأخلاق على مستوى المجتمع والأمة.

إخوة الإيمان: ليقف كلُّ مسلم مع نفسه وقفةَ تأمل ومراجعة ومحاسبة، نعم: ليحاسب كلٌّ منَّا نفسه. جاء رمضان فصمنا نهاره وقمنا ليله، وجاء شوال فصومنا ستة أيام منه، وجاءت أيام العشر فاشتغلنا بالذكر والدعاء وصوم يوم عرفة، صلينا العيد وذبحنا الأضاحي، وقبل ذلك وخلال ذلك وبعد ذلك نصلي الصلوات الخمس التي هي أعظم فرائض الله عز وجلَّ بعد كلمة التوحيد: فأين الثمار والنتائج في السلوك والأخلاق؟ لماذا نتكبر على عباد الله، ونرفض النصيحة، ونتمادى في العداوة والخصومة، وتتعالى نفوسنا عن العفو والصفح؟ ونفتقد إلى كثير من الرفق والإحسان، وتستمر القطيعة بين الأقرباء والأصدقاء والإخوان، فإذا لم تظهر آثار العبادات وبركاتها على سلوكنا وأخلاقنا فلا بدَّ أن فيها تقصيرًا، ولا بدَّ أن فيها خللاً، ولا بدَّ أن قوتها ونورها لم تبلغ تلك الدرجة التي تطهِّرُ بقوتها ونورها نفوسَنا وتزكِّي أخلاقنا وتصلح أحوالنا، وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عمَّن لم فسدت أخلاقه وساءت تصرفاته، فقال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)، قيل: من يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جارُه بوائقه) «صحيح البخاري» (5670). يعني: شروره وغوائله. وقال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير» «سنن النسائي» (5017). فاتقوا الله عباد الله، وصححوا النيات، وداوموا على الطاعات، واجتهدوا في قهر نفوسكم على محاسن الأخلاق، واعلموا أنَّ ما فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد