موقع الشيخ عبد الحق التركماني - من دلائل النبوة: صفات الخوارج

/ 21 تشرين الثاني 2024

للتواصل 00447432020200

من دلائل النبوة: صفات الخوارج

نشرت بواسطة : إدارة الموقع تاريخ غير محدد 2045

عباد الله! إنَّ من دلائل صدق نبوة خاتم النبيين، ورسول الله إلى الناس أجمعين: محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة والتسليم؛ إخبارَه عن الغيوب المستقبلة، فوقعت في حياته أو بعد موته كما أخبر عنها، وما لم يقع منها فسيقع كما أخبر: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)، وإنَّ مما أخبر به رسولكم الكريم وقوعَ التفرق والاختلاف في هذه الأمة، وظهور فرق البدعة والضلالة، فحذَّر منها، وأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة، ولزوم جماعة المسلمين، ثم إنه خصَّ فرقة واحدة من تلك الفرق بالتحذير منها تحذيرًا بليغًا، ففصَّل في ذكر صفاتها وأحوالها، وبيَّن الحكم فيها، وأمر بطريقة معالجتها ومواجهتها، في أحاديث كثيرة متواترة، قد رواها أئمة الحديث في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، عن أكثر من عشرين صحابيًّا من أصحاب رسول الله، فصار إخباره عن هذه ظهور الفرقة، وعن صفاتها؛ من أعظم دلائل نبوته. فمن هي هذه الفرقة؟ وما هي صفاتها؟

إن هذه الفرقة الضالة هي التي عُرفت باسم: الخوارج، كان أولُ ظهورهم في زمن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم لا يزالون يظهرون في هذه الأمة، حتى يقاتل آخرهم مع الدجَّال. فمن هم الخوارج؟ وكيف نعرفهم؟

أيها المسلمون! لقد بيَّن رسول الله صفاتِ الخوارج بيانًا مفصلاً حتى لا نحتار في أمرهم، ولا ننخدع بظاهر قولهم. بيَّنها رسول الله نصحًا لأمته، وشفقة عليها، وتحذيرًا من مسالك الغلو في الدين والفساد في الأرض باسم الإسلام.

فتعالوا معي ـ إخوةَ الإيمان ـ نستذكر بعض تلك الصفات الواردة في الأحاديث الصحيحة حيث قال: (يأتي في آخر الزمان قوم: حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانُهم حناجرهم، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة) هذا لفظ حديث علي في صحيح البخاري، وفي صحيح مسلم: (يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قرائتهم بشيء, ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء, ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتُهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لاتَّكلوا عن العمل).

إذن هذه صفات الخوارج كما أخبر بها الصادق المصدوق:

1- (حدثاء الأسنان) صغار السن من الشباب المغرَّر به، والمغرور بنفسه، والمتمرد على أهل العلم والخبرة والتجربة ممَّن أفنوا حياتهم في العلم والعلم للإسلام.

2- (سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ) الأحلام: الألباب والعقول، والسَّفه: الخفة والطيش. فالخوارج تغلب عليهم خفَّة العقل، وقلة الإدراك، وضيق الأفق، وعدم البصيرة بحقائق الأشياء وعواقب الأمور، لأن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكَثرة التجارب وقوة العقل وسعة العلم، وهؤلاء يفتقدون إلى العلم الهادي والعقل السديد.  لهذا يظنون أنهم سيقيمون دولة الخلافة بهذا السفه والطيش، بالفوضى وحرب العصابات، وقطع الرؤوس، وتخريب بلاد المسلمين، وليس فيهم ولا معهم عالم ولا فقيه.

3- ومن صفاتهم الاجتهاد في العبادة: فهم أهل عبادة من صلاة وصيام وقراءة القرآن والإقدام على البذل والتضحية فيما يظنونه حقًّا، حتى قال النبي لصحابته الكرام: (لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ) رواه مسلم. وقال: (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ) متفق عليه. وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم يحتقرون صلاتهم مع صلاتهم، فكيف بغير الصحابة؟!

والنبي قد وضع لنا بهذا منهجًا في التحذير من أهل البدع، وذلك بذكر ما هو من محاسن أهل البدع في ظاهر الأمر للتحذير منها والتنبيه على عدم الاغترار بها. هذا منهج نبوي. تذكر محاسن أهل البدع للتحذير من الانخداع بها، فتقول مثلا: فلان حافظ لكتاب الله لكن لا تنخدع بحفظه لأنه يحفظ من غير فقه ولا عمل. وفلان يتصدق في سبيل الله؛ ولكن لا تنخدع بصدقته فهو يأكل الربا. والجماعة الفلانية تدعو إلى تحكيم الشريعة لكنها منحرفة في فهم العقيدة والشريعة خارجة عن طريق الهدى. وهكذا يجب أن نذكر في بعض المواضع صفات أهل البدع التي تعدُّ من المحاسن والحسنات حتى لا ينخدع بها أهل الإسلام والسنة.

وبهذا نعلم أيها الإخوة: أن العبرة ليست بكثرة الصلاة والصيام وقراءة القرآن، بل العبرة في موافقة السنة، ولزوم الجماعة، والسير على منهاج الصحابة في عدم الغلو في الدين.

4- سوء الفهم للقرآن وعدم الفقه في الدين: كما قال فيهم: (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ)، (يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ)، (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ). قال النووي رحمه الله: "لَيْسَ حَظّهمْ مِن الْقُرْآن إِلَّا مُرُوره عَلَى اللِّسَان، فَلَا يُجَاوِز تَرَاقِيهمْ لِيَصِل قُلُوبهمْ, وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوب, بَلْ الْمَطْلُوب : تَعَلُّقه، وَتَدَبُّره بِوُقُوعِهِ فِي الْقَلْب".

وقال ابن تيمية: "وَكَانَت الْبِدَعُ الْأُولَى مِثْلُ بِدْعَة الْخَوَارِجِ إنَّمَا هِيَ مِنْ سُوءِ فَهْمِهِمْ لِلْقُرْآنِ، لَمْ يَقْصِدُوا مُعَارَضَتَهُ، لَكِنْ فَهِمُوا مِنْهُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ " ‏ولذلك قال فيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ"

قال ابن حجر: "كَانَ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ لِشِدَّةِ اجْتِهَادِهِمْ فِي التِّلَاوَةِ وَالْعِبَادَةِ إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَوَّلُونَ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهُ، وَيَسْتَبِدُّونَ بِرَأْيِهِمْ، وَيَتَنَطَّعُونَ فِي الزُّهْدِ وَالْخُشُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ".

5- ومن صفاتهم: كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يُحْسِنُونَ الْقِيلَ، وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ)، (يَتَكَلَّمُونَ بِكَلِمَةِ الْحَقِّ)، (يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ). فهم يقرؤون القرآن، ويتكلمون بكلام أهل الإيمان: يدعون إلى كتاب الله، ويطالبون بتحكيم الشريعة، ويزعمون محاربة الكفر والظلم والفساد، فكلامهم في ظاهره كلام حسنٌ، لهذا ينخدع به الناس، خاصة الشباب، ومن لا علم عندهم، فيتبعونهم، ويؤيدونهم. فالنبي يحذرنا من الانخداع بكلامهم، بخطبهم ومقالاتهم، بإصداراتهم الصوتية والمرئية التي ملؤوا بها شبكات الانترنت تحت عناوين خداعة، وأساليب إعلامية مثيرة. لا تنخدعوا بكلامهم المعسول، ولكن انظروا إلى فساد عقائدهم، وسوء أفعالهم، وقبح تصرفاتهم.

6- ومن صفاتهم العُجب والكِبرُ والغرور: كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ ـ يعني يجتهدون ـ، حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ) رواه أحمد بسند صحيح. هذا العُجب والغرور هو الذي يحملهم على الاغترار بأنفسهم، وعدم معرفة قدر أهل العلم واحترام أهل الفضل، وقد بلغ العُجب والغرور، والتعالي والتكبر بشيخهم الأول: ذي الخويصرة، أنه اعترض على إمام الأنبياء والمرسلين. فقد كان رسول الله يَقْسِمُ مالًا بين أصحابه، وكان لا يَقْسم بالتساوي، بل يَقْسم المال بما يقتضيه العدل والحكمة، فإذا بذي الخويصرة يعترض على رسول الله، قائلًا له: (يا رسول الله! اعدل فإنك لم تعدل!) فقال: (ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل). وهكذا تجد اليوم: خوارج العصر، قد بلغ بهم العجب والغرور والتكبر أنهم يطعنون في جميع علماء الأمة وخيار المسلمين، ويكفرون أكثرهم، ويسيؤون الظنَّ فيهم، ولا يتواضعون لأحد منهم، أقرؤوا تصريحاتهم على صفحات الانترنت: يقول بعضهم: إذا دخلنا مكة والمدينة فإننا نبدأ بقتل أئمة الحرمين لأنهم مرتدون! ويتمنى آخرون أن يتمكنوا من الشيخ صالح الفوزان فيقطعوا رأسه. يقطعوا رأس من؟ رأس الشيخ الصالح، التقي النقي، الموحد السني، بقية السلف، من أئمة التوحيد والسنة في هذا العصر الشيخ صالح الفوزان، الذي بلغ الثمانين وهو يعلِّم الناس التوحيد ويدعو إلى السنة. فتبًّا لهؤلاء الخوارج وسحقًا لهم، وأبشروا أهلَ السنة بأنَّ الله تعالى لن يمكِّن لهم، وسيعجل الله بهلاكهم لشدة غلوهم وبغيهم وظلمهم.

7- ومن صفات الخوارج: الغلو في التَّكفير واستباحة الدماء: فهم كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ) متفق عليه .  وهذا ـ كما قال ابن تيمية ـ مِنْ أَعْظَمِ مَا ذَمَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَوَارِجَ.

وسبب قتلهم لأهل الإسلام: تكفيرهم لهم، وذلك أنهم لما حكموا بكفر مَن خرجوا عليه من المسلمين، استباحوا دماءهم.

قال ابن تيمية: (فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِلُّونَ مِنْ دِمَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَيْسُوا مُرْتَدِّينَ) (وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي بِدْعَتِهِمْ، وَيَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَهَذِهِ حَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا).

وليس المقصود بالتكفير عند الخوارج تكفيرهم مرتكبَ الكبيرة فحسب، فإن خوارج عصرنا هذا لا يكفرون مرتكب الكبيرة، ولكنهم يتجرؤون على التكفير بما ليس بذنب أصلاً، أو التكفير بالظن والشبهات والأمور المحتمِلة، خاصة في مسائل السياسة الشرعية، وهي من العلوم الواسعة التي يجهلونها، فيستحلون دماء من يكفرونهم دون قضاء ولا محاكمة ولا استتابة.

8- ومن صفات الخوارج: اتخاذهم شِعارًا يتميزون به عن سائر المسلمين كما أخبر عنهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ) رواه البخاري. أي علامتهم أنهم يحلقون رؤوسهم، وكان هذا شِعار الخوارج الأولين في زمن عليٍّ رضي الله عنه، قال ابن تيمية: وَهَذِهِ السِّيمَا سِيمَا أَوَّلِهِمْ كَمَا كَانَ ذُو الثُديَّة؛ لا أَنَّ هَذَا وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُمْ. وصدق ابن تيمية، فهم اليوم يتميزون عن سائر المسلمين بعكس هذه الصفة؛ فيطيلون شعورهم، ويلبسون السواد.

الخطبة الثانية:

عباد الله! تلك هي بعض صفات الخوارج التي أخبر بها النبي، وهناك صفات أخرى لا يتسع المقام لذكرها، وقد ذكر النبي في حقِّ هذه الفئة الضالة أمرًا عجيبًا، فقال: (يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ) هكذا في صحيح البخاري وصحيح مسلم. وفيهما أيضًا: (أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ). وفي حديث آخر صحيح في سنن أبي داود: (هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا منَّا فِي شيءٍ، مَنْ قاتلَهم كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ).

فتأملوا ـ يا عباد الله ـ حكم أشدِّ خلق الله رحمة ورأفة في هؤلاء الخوارج، أمر بقتلهم، وأخبر أنه لو أدركهم لقتلهم قتل عاد، وما أدراك ما قتل عاد؟ {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ *سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}، فالنبي قد عزم على القضاء عليهم. على إبادتهم إبادة تامة كما أباد الله عادًا، وأخبر أن في قتلهم أجرًا يوم القيامة، وأنهم شر الخلق والخليقة، وشرُّ قتلى تحت أديم السماء،  وخير قتيل من قتلوا، فإنهم يقتلون أهل العلم والإيمان والجهاد والسابقة في الخير، ويقتلون مخالفيهم وإن كانوا من الخوارج أمثالِهم، ويقتلون ضعفاء المسلمين وعوامهم.

فتأملوا ـ يا عباد الله ـ هذا الحكم المغلَّظ، وهذا الأمر المشدَّد من رسول الرحمة في حقِّ هؤلاء الخوارج، إنه يدعو إلى قتلهم وإبادتهم والقضاء عليهم؟ أتعرفون سبب ذلك؟!

إنَّ عقيدة الخوارج وسلوكَهم تحريف لحقائق الإسلام، وتشويه لسماحة الإسلام، وخروج بهذا الدين عن ميزان الاعتدال والخير والرحمة والرأفة. لهذا فهؤلاء يمثلون أكبر خطر يهدد الدين نفسه، لأنَّهم إذا صارت لهم دعوة ظاهرة فإنهم يقدِّمون للناس إسلامًا محرفًا، إسلامًا مشوهًا، إنهم يسيؤون لدين الله، وللرسالة المحمدية، وللشريعة السمحة. ثم إن هذا الفكر والسلوك سيؤدي إلى خراب الدنيا بعد فساد الدين، فلا يبقى للناس دينٌ صحيح، ولا دنيا عامرة. لهذا جاء الحكم النبوي فيهم صريحًا واضحًا، جازمًا قاطعًا، لا تسامح فيه ولا رحمة، لأنهم بلغوا من الغلو والشر والعدوان والفساد ما لا يمكن التردد في رده وإيقافه.

أيها المسلمون! نحن اليوم أحوج ما نكون إلى دراسة أحاديث النبي في الخوارج، لا بد من قراءتها، ونشرها، وشرحها، وترجمتها، حتى يكون الشباب خاصة، والمسلمون عامة، على علم ودراية بتحذير النبي ونصيحته ووصيته، حتى لا يغتروا بهذه الدعوات الإجرامية التي انتشرت في العالم باسم الإسلام، وباسم الخلافة، وباسم الجهاد، فكم من دماء بريئة سفكت؟ كم من شباب صغار غُرِّر بهم فوقعوا ضحية هذه الدعوات؟ علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا يذهب شباب المسلمين في أوروبا، وهم ينعمون بالأمن والأمان وحرية إقامة دينهم؛ يذهبون إلى سوريا والعراق وغيرها من البلاد: ليهلكوا أنفسهم بالعمليات الانتحارية، ويقتلوا الأبرياء، ويعيثوا في الأرض فسادًا. إن هناك تقصيرًا في بيان المنهج الحق، منهج النبي وأصحابه، وفي التحذير من المناهج الفاسدة والباطلة: منهج الخوارج وغلاة التكفير والتفجير. إن أبناءنا لا يتربون على تفسير صاف نقي للإسلام، بل يتربون على تفسير محرَّف للإسلام، إنه التفسير السياسي الذي يفسِّر النبوة والرسالة والدين والعبادة والشريعة: بأنها مغالبة على الدنيا، ووسيلة لإقامة الدولة. فعلى الأئمة والخطباء والدعاة أن يتقوا الله في أنفسهم، فيتكلموا بالحق، ولا يخالفوا لومة لائم، وعلى أولياء الأمور العناية بتربية أولادهم، والحذر من وقوعهم في شراك الدعوات الحركية والسياسية المنحرفة. اللهم أصلح أحوال المسلمين.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد