موقع الشيخ عبد الحق التركماني - سبل مواجهة الإلحاد

/ 21 حزيران 2025

للتواصل 00447432020200

سبل مواجهة الإلحاد

نشرت بواسطة : إدارة الموقع تاريخ غير محدد 1189

عباد الله، إنَّ هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان وتمحيص، جعلها الله جعلنا الله تعالى فيها للقيام بعبادته وطاعته، كما قال تعالى {‌وَمَا ‌خَلَقْتُ ‌الْجِنَّ ‌وَالْإِنْسَ ‌إِلَّا ‌لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات].

وقدَّر في سبيل ذلك ابتلاءات وعوائق حتى لا يكون دعوة مجرَّدة يطلقها الإنسان كلمة دون إيمان صادق ويقين ثابت. {الم (١) ‌أَحَسِبَ ‌النَّاسُ ‌أَنْ ‌يُتْرَكُوا ‌أَنْ ‌يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)} [العنكبوت]. هذه الابتلاءات والمحن ليس على المستوى الفردي، حيث يبتلى الإنسان بالفقر والجوع والخوف والامراض وسائر مشكلات الحياة. بل أيضا على مستوى الأمم والدول حيث يبتلى الناس بالكوارث والنوازل كالزلازل والبراكين والأوبئة العامة. كذلك يبتلى بعضهم ببعض بالحروب المدمرة والظلم والبغي، وعلو بعضهم على بعض، وتسلُّط على بعض امتحانًا من الله عز وجل واختبارًا وتمحيصًا، كما قال سبحانه {وَلَوْ ‌يَشَاءُ ‌اللَّهُ ‌لَانْتَصَرَ ‌مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}.

وقال عزَّ من قائل: {وَجَعَلْنَا ‌بَعْضَكُمْ ‌لِبَعْضٍ ‌فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (٢٠)} [الفرقان]. وقال سبحانه: {‌إِنْ ‌يَمْسَسْكُمْ ‌قَرْحٌ ‌فَقَدْ ‌مَسَّ ‌الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠)} [آل عمران]. هكذا نجد أهل الايمان يبتلون في عصور مختلفة بابتلاءات مختلفة، فمرَّة بالفتن الداخلية وضياع الامن وسفك الدماء، ومرَّة بتسلط الأعداء كما حصل من اكتساح التتار للمشرق الإسلامي قديمًا، وباحتلال كثير من بلدان المسلمين في العصر الحدي بما سمِّي بالاستعمار، ومرَّة بصعود أفكار مدمرة ودعوات مشبوهة وانبهار الناس بها انبهارًا عظيمًا عامًا كما حصل مع الشيوعية الماركسية التي قام على أساسها الاتحاد السوفيتي وحكمت بالحديد والنار دولًا كثيرة، وتسبَّبت في قتل ملايين من البشر، وبلغت تلك الفتنة كثيرًا من بلاد المسلمين، فارتدَّ فئام من المسلمين عن الدِّين وقامت ثورات وسقطت الدول ثم كان ماذا؟ بعد نحو سبعين عاما سقط الاتحاد السوفيتي، وذهبت الشيوعية والماركسية إلى مزبلة التاريخ ولم تبق منها إلا صفحات القتل والإجرام والخزي والعار.

عباد الله: إنَّ من أشدَّ ابتلاءات أيامنا الحاضرة الدعوة الظاهرة المتطرفة إلى الإلحاد بقوة وتأثير بالغ، والتوصل إلى ذلك بدعوى الحرية والعلمانية والليبرالية، ورفض القديم والانفتاح والقبول المطلق لكلِّ جديد مهما كان شاذًّا ومخالفًا للعقول والفطر والأديان. وقد ساعد على هذا كله انتشار وسائل التواصل الحديثة والقنوات الفضائية وتراكمات عقود طويلة من الفساد العقائدي والأخلاقي والسلوكي والتربوي وإذ طرق الإلحاد أبواب المسلمين، بل دخل بيوت بعضهم يتساءل أهل الديانة والغيرة عن سبل مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة.

عباد الله: إنَّ اول ما نحن مضطرون إليه بعد توفيق الله تعالى وتثبيته إيمان راسخ، وعقيدة ثابتة، وقلب قوي باليقين، تتكسر دونه الشبهات، ولا يتأثر بكثرة الواردات، وهذا لا يكون إلا بالعلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وحكمته، حكمته الدينية والقدرية بالعلم بالوحي الإلهي المنزَّل بكتابه سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هذا العلم القائم على تعظيم الله عز وجل، وإجلاله ومع معرفة قدره والتواضع له والانكسار بين يديه لهذا كان أهل العلم هم أهل الخشية، كما قال ربنا سبحانه: {‌إِنَّمَا ‌يَخْشَى ‌اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. وقد ذكر هذا في سياق التفكر في آيات الله الدالة على عظمته وجلاله، فقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ‌إِنَّمَا ‌يَخْشَى ‌اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)} [فاطر]. فمعنى الآية العلماء الذين يخشون الله هم الذين يتفكرون في بدائع خلق الله، فيقرون له بالربوبية ويخضعون له بالعبودية، فليس المقصود بالعلم أن يصبح كل فرد من أفراد المسلمين عالما متخصصا في أحكام الشريعة هذا محال.

بل المقصود أن يكون كل مسلم ولا بد عالمًا بالله عز وجل، بعظمته وجلاله وأسمائه وصفاته. أن يكون إيمانه عن اقتناع وتفكر وتدبر، وحضور للخلق وخشوعه، وليس بالتقليد والجهل والتعصب دون فهم ولا فقه. فعليك أخي المسلم واجب عظيم في تربية أولادك على الإيمان بالله، والتفكر في آيات الله، والشكر على نعمائه، وغرس معاني المحبة والتعظيم في قلوبهم لرب العالمين، من خلال آياته الكونية في الآفاق والأنفس، ومن خلال آياته الدينية في كتابه العزيز

هذا هو العلم الحقيقي النافع الذي يورث صاحبه الإنابة إلى الله عز وجل. {‌فَاعْلَمْ ‌أَنَّهُ ‌لَا ‌إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (١٩)} [محمد].

عباد الله: ليكن اشتغالنا بهذا الذي ذكرته من تدبر آيات الله عز وجل في كتابه، وفي عظيم خلقه، ولنستعن على ذلك بكتب أهل العلم، وبالمحاضرات والدروس النافعة للعلماء وطلاب العلم الثقات المتمسكين بمنهاج القرآن والسنة، والمتقيدين بفهم سلف هذه الأمة

ولنحذر من بالشبهات والاعتراضات والإيردات، فإنَّ القلوب تضعف أمامها، والنفوس تقلق أمامها. يحتاج المسلم إذا تعرض لهذه الشبهات إلى أجوبة تفصيلية لأمور جزئية صغيرة، قد لا يجد الجواب عليها حاضرًا، فتبقى تلك الشبهات عالقة في باله تمرض قلبه وقد تهلكه إذا اجتمعت عليه.

تأملوا يا عباد الله هذه الوصية من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال لتلميذه ابن القيم رحمه الله (لا تجعل قلبك للإيردات والشبهات مثل الإسفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعل قلبك كالزجاجة مصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليه صار قلبك مقرًا للشبهات). ومن هنا نعلم أخوة الايمان أنَّ من أهم مداخل الإلحاد الجديدة تدويخ عامة المسلمين بكثرة الشبهات والاعتراضات والتناقضات. وهذا يفسر ما ترونه اليوم في وسائل الإعلام وفي القنوات الفضائية، من حملات التشكيك في ثوابته وأحكامه، والطعن في صحيح البخاري وفي غيره من كتب السنة، والتشكيك في الأحاديث، والاستخفاف بالأئمة، والعلماء المتقدمين والمتأخرين. فإذا دخل على إيمان المسلم وقلبه الشكوك حول مصادر الإسلام وأحكامه وتاريخه، سهل بعد ذلك الانتقال به إلى الإلحاد الصريح. لهذا تجدون يا عباد الله أنَّ أكثر الذين يستمعون إلى دعاة الضلالة، ويتأثرون بمنهجهم، مثل داعية الظلالة عدنان ابراهيم وأمثاله ينتقلون بعد ذلك الى الإلحاد الصريح، والانسلاخ من ثوابت العقيدة، والانحلال من أحكام الشريعة. فالحذر الحذر أيُّها المسلم من أن يكون قلبك إسفنجة للشبهات والأباطيل. جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله فقال له: أناظرك في الدين، فقال الحسن رحمه الله: (أنا عرفت ديني فإن ضلَّ دينك فاذهب فاطلبه). وقال الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (من جعل دينه عرضًا وغرضًا للخصومات أكثر التنقل). أي تصبح عقيدته عقيدة متقلِّبة، تحكمها الشبهات والاعتراضات.

هنا ننتقل الى نقطة أخرى، فنذكر أنَّ من مداخل الإلحاد الانفتاح غير المنضبط على العلوم الثقافات والمعارف. بعض الناس يظن أنَّ من المحاسن أن تسمع لكل أحد، وتقرأ لكل أحد، وتتابع كل أحد، لا يا عباد الله العلوم والمعارف للعقول مثل الأطعمة والأغذية للأجساد،

فكما أنَّ الإنسان إذا توسع في طعامه، وخلط في نوع الاطعمة وكميتها وكيفيتها، فإنَّ معدته تفسد وجسده يمرض، هذا إذا كان الطعام طيبا نافعا، فأما إذا كان الطعام خبيثًا فاسدًا ففي ذلك هلاكه لا محالة، فكذلك العلوم والمعارف والثقافات، إذا لم يسر الانسان على منهجية صحيحة في التلقي فإنَّ عقله سيختل، وتفكيره سيضطرب، هذا إذا كانت تلك العلوم والمعارف صحيحة في نفسها، فكيف إذا كانت فاسدة باطلة مخالفة للأديان والعقول والفطر.

يقول ربنا سبحانه وتعالى: {‌ثُمَّ ‌جَعَلْنَاكَ ‌عَلَى ‌شَرِيعَةٍ ‌مِنَ ‌الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠)} [الجاثية].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه وتوبوا إليه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشكره وهو الكفيل بالزيادة لمن شكر إعزازا لمن آمن به وأقر، وإرغاما لمن جحد به وكفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله: إنَّ الحديث عن الإلحاد حديث طويل واسع، وما هذه الخطبة إلا إشارة مجملة موجزة، نختمها بقول الله تعالى عن أهل العلم والايمان: {هُوَ ‌الَّذِي ‌أَنْزَلَ ‌عَلَيْكَ ‌الْكِتَابَ ‌مِنْهُ ‌آيَاتٌ ‌مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧)} [آل عمران].

تأملوا يا عباد الله كيف امتدح الله أهل العلم بثباتهم عند وعود الفتن، ورسوخ إيمانهم في مواضع الحيرة والاشتباه والاضطراب. ثم ذكر توجههم إلى ربهم بالدعاء فلم يتَّكلوا على عقولهم، ولم يغترُّوا بعلومهم، بل لجأوا إلى ربهم، فقالوا: {‌رَبَّنَا ‌لَا ‌تُزِغْ ‌قُلُوبَنَا ‌بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)} [آل عمران].

فالدعاء يا عباد الله من أعظم أسباب الثبات للنفس والذرية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين وإمام المرسلين يكثر من هذا الدعاء، «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب اصرف قلبي الى طاعتك». فأكثروا منه لأنفسكم وذرياتكم وإخوانكم ومن صدق الله عز وجل يصدقه.

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك انت الوهاب.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد