موقع الشيخ عبد الحق التركماني - حكم مشاركة الكفار في أعيادهم

/ 19 أبريل 2024

للتواصل 00447432020200

حكم مشاركة الكفار في أعيادهم

نشرت بواسطة : إدارة الموقع تاريخ غير محدد 798

عباد الله! مع قرب أعياد النصارى يحسن بنا أن نذكِّر بحرمة أن يشارك المسلم في تلك الأعياد، وهذا التحريم لا يختلف فيه العلماء، حتى أنهم ألفوا فيه كتبًا مفردة، وذكروا فيها أدلة التحريم من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح. وليس بإمكاننا التطرق إلى تفصيل ذلك في هذه الخطبة القصيرة، لهذا أكتفي بتوضيح أصل المسألة حتى يكون المسلم على بيِّنة من أمره، ويعلم سبب المنع وحكمته، فإن الفقه في الدين والبصيرة بالأمر مما يعين المسلم على الالتزام بالحكم الشرعي والعمل به.

إخوة الإيمان: اعلموا أن تعامل المسلم مع غير المسلمين ينقسم ثلاثة أقسام: القسم الأول: التعامل في العلاقات الإنسانية. والثاني: التعامل في الأحكام السلطانية. والثالث: التعامل في الخصائص الدينية.

أما التعامل في العلاقات الإنسانية فهو مبني على الإباحة والتسامح ما لم يكن له أثر على عقيدة المسلم ودينه، فقد كان النبي يعامل المشركين واليهود والنصارى بالبيع والشراء والقرض والإجارة والعارية وقبول الهدية والأكل من طعامهم وزيارتهم والسؤال عنهم والسلام عليهم... إلى غير ذلك من الأمور العامة الثابتة في السنة النبوية. فهذا القسم مبناه على الإباحة والتسامح والتوسع.

أما القسم الثاني فما يختص بسلطان المسلمين وإمامهم، فلا يجوز لأفراد المسلمين ولا لجماعاتهم التدخل فيه مثل الحرب والسلم والصلح والهدنة والذمة والجزية والعقوبات وإقامة الحدود ونحو ذلك من الأمور التي تقوم بها الدولة وهي من واجبات الحكومة ومسؤوليتها فلا يجوز لغيرها الخوض فيها.

أما القسم الثالث فما يتعلق بالخصائص الدينية، وهو كل ما يتصل بأمر الدين من مسائل الاعتقاد والأحكام، مثل أحكام الذبائح والنكاح والمواريث والتشبه بهم وغير ذلك من الأحكام. فهذا القسم مبني على قاعدة المحافظة على الدين وحراسته وصيانته، وتجنب كل ما يكون سببًا للتبديل والتحريف والتشويه والاختلاط بغيره بأي وجه من الوجوه، لهذا جاءت الشريعة بالتشديد في هذا الباب فنهت عن التشبه بهم والأخذ بسننهم وعوائدهم.

عباد الله: ولو نظرنا في مسألتنا لوجدنا أن الأعياد هي من أهم الخصائص الدينية، فلكل قوم أعياد مرتبطة بعقيدتهم ودينهم، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد الأضحى: (إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا) أخرجه البخاري ومسلم. ومن نظر في عيد الأضحى وجده من صلب إقامة الركن الخامس من أركان الإسلام، وكذلك عيد الفطر عند إتمام عبادة عظيمة هي الركن الثاني من أركان الدين... فهل من المعقول والمقبول أن يأتي من لم يرض بالإسلام دينا، فلا يقر بصلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج فيشاركَ المسلمين في عيدهم؟؟ لا شك أن هذا لا يعقل ولا يقبل، فكذلك المسلم: كيف يشارك غير المسلمين في أعيادهم وهو لا يرضى بعقائدهم الشركية وعباداتهم الباطلة وأحكامهم المخالفة لدين الله الحقِّ؟؟ هل يشارك في عيد أساسه عقيدة أن الله ثالث ثلاثة؟ وأن الله قد اتخذ ولدًا؟ وهو يقرأ قول الحق عز وجل: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) لا شك أن مشاركته لهم غير معقول ولا مقبول، لهذا حرَّمته الشريعة أشد التحريم.

أخوتي في الله، يقول ربنا سبحانه: {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، إن صراط الله المستقيم هو ما جاء به النبي من الاعتقادات والعبادات والسنن والآداب، فهو متميزٌ في علمه وعمله، وظاهره وباطنه، ومن خلالها تتكون خصوصية الأمة المسلمة والفرد المسلم. إن لكل أمة من أمم الأرض خصائصها في دينها ومنهاج حياتها، والمحافظة على ذلك شرط للمحافظة على وجود الأمة وتميزها بين الأمم، لهذا نهانا نبينا صلى الله عليه وسلم عن التشبه بغيرنا. عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)) رواه أبو داود في سننه. وعند مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ)).

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما: (مَنْ تَأَسَّى بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ, وَصَنَعَ نَيْرُوزَهَمْ, وَمِهْرَجَانَهمْ, وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ, وَهُوَ كَذَلِكَ, حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

أيطيب بعد هذا لعبد يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً أن يتشبه بغير المسلمين أو أن يهنئهم بأعيادهم، فكيف أن يحتفل بها، فإنها إثم ومجاوزة لحدود الله، والله تعالى يقول: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ}.

وهذا كما قلنا ـ إخوتي في الله ـ من باب المحافظة على خصوصيتنا الاعتقادية والدينيَّة والشرعيَّة، ولا شكَّ أن كل أمة تحافظ على خصوصيتها وعلى أعيادها وعلى شخصيتها، وهذا لا يعني سوء المعاملة والظلم والإساءة إلى من يخالفنا في الدين والمعتقد، فالواجب علينا أن نعاملهم بالأخلاق السامية، والآداب الرفيعة، والصدق والأمانة، ونتعاون معهم فيما فيه مصلحة المجتمع من التعليم والعمل، ولا بأس في أن نشاركهم المناسبات الدنيوية التي لا تختص بأمر دين، هذا كله لا يمنع منه ديننا، بل هو مما يأمر به ويحثُّ عليه: إنه يأمرنا بحسن الخطاب فيقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، ولا ينهانا عن برهم والإحسان إليهم: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} إن كلمة البر، كلمة عظيمة جليلة. فالمطلوب منا هذا البر الذي استخدم في حق أولى الناس بالإحسان وهما الوالدان. فالمطلوب منا البرُّ: وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال، من حسن الجوار والوفاء بالعهد والوعد والصدق في المعاملة وإلى غير ذلك من الأخلاق الطيبة، أما القسط: فهو العدل والإنصاف، فلا بدَّ أن نعاملهم بالعدل فلا نظلم ولا نبغي، ولا نسرق ولا نغدر، ونشكرهم على كل معاملة حسنة نراها منهم، فهذا من الإنصاف الذي يحبه الله تعالى ويحب أهله.

وأخيراً، من الأحكام المتعلقة بموضوع خطبتنا هذه: قبول هديتهم في أعيادهم سواء كان طعامًا أو غير ذلك، وهذا مما يكثر السؤال عنه خاصة لمن هو في رأس عمله، فيهدى إليه في هذه المناسبة. فنقول أيها الإخوة: يجوز للمسلم قبول هديتهم، وإن كان بسبب عيد من أعيادهم، لأنه ليس في قبول الهدية مشاركة لهم أو معاونة، وقد ثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قبل هدية حلوى من المجوس يوم نيروزهم. أخرج ذلك بأسانيد صحيحة ابن أبي شيبة في المصنف. وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم. فلا بأس بقبول الهدية ولا حرج، والحمد لله رب العالمين. أسال الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد