موقع الشيخ عبد الحق التركماني - أهمية العقيدة 2

/ 24 أبريل 2024

للتواصل 00447432020200

أهمية العقيدة 2

نشرت بواسطة : إدارة الموقع تاريخ غير محدد 1686

عباد الله: هذه خطبة ثانية عن أهمية العقيدة، فهي أساس لصلاح الأعمال وقبولها، وزكاة النفوس، واستقامة الأخلاق. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ». فتأملوا ـ إخوتي في الله ـ هذا الحديث كيف أخبر النبي أن العقيدة الإسلامية ليست مجرد تصديق كامن في القلب بل هي إيمان صادق متكون من علم القلب وتصديقه، ومن عمل القلب بخضوعه وإذعانه وحبه وخوفه ورجائه، ومن قول اللسان، ومن عمل الأعضاء. فالإيمان الحق بناء كامل يحكم قلب المؤمن وقوله وعمله، وأي خلل في شيء من هذا فإنما هو خلل وعيب ونقص في صحة المعتقد، وقوة الإيمان، وسلامة اليقين.

والله تعالى لما ذكر صفات أهل الإيمان لم يذكر إيمانهم وصلاتهم وصومهم وخوفهم ورجائهم وحبهم لربهم فقط، بل ذكر في صفاتهم أيضًا جمال أخلاقهم وحسن سيرتهم فذكر صبرهم وبذلهم وسماحتهم ووفاءهم بالعهود، فقال ربنا سبحانه: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} وقال: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}.

وكذلك لما ذكر ربنا صفات الكافرين بالله وبرسله وباليوم الآخر، ذكر فيها أيضًا سوء أخلاقهم وفساد أعمالهم، فقال: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} وعندما يتساءل المؤمنين في الجنة عن المجرمين: {ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} يجيب أولئك بقولهم: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}. وقال ربنا سبحانه: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} الحلاف: كثير الحلف لكونه كذابًا، فيحتاج الى كثرة الحلف للتستر على كذبه. فهو مهين: أي خسيس النفس ناقص الهمة، هماز كثير الغيبة والعيب للناس. مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ أي: يمشي بين الناس بالنميمة، فينقل كلام بعض الناس لبعض، لقصد الإفساد بينهم، وإلقاء العداوة والبغضاء. مُعْتَدٍ على الخلق في ظلمهم، في الدماء والأموال والأعراض. عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ  أي: غليظ شرس الخلق قاس غير منقاد للحق زَنِيمٍ أي: دعي، ليس له أصل ولا مادة ينتج منها الخير، بل أخلاقه أقبح الأخلاق، ولا يرجى منه فلاح، له زنمة، أي: علامة في الشر، يعرف بها. هكذا يصف ربنا سبحانه الذين لا يؤمنون بالله وباليوم الآخر. يصفهم ببعض صفتهم فيذكر سوء أخلاقهم وسوء تصرفاتهم.

وهكذا نجد في السنة النبوية ربطَ السلوك والأخلاق بأصل الاعتقاد بالله وباليوم الآخر، ولنذكر نماذج لذلك من قول حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال:

(والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير) وفي لفظ آخر: (حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه).

(والله لا يؤمن و الله لا يؤمن و الله لا يؤمن الذي لا يأمن جاره بوائقه) ومعنى بوائقه: أي شره وظلمه وغدره وبغيه. فهو منه على خوف وترقب.

(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت)

(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره واستوصوا بالنساء خيرًا)

(ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذي)

(ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه).

وأخبر أن من علامات المنافقين سوء أخلاقهم خلافًا لحال أهل الإيمان والإخلاص فقال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان). وهذه الأحاديث كلها صحيحة معروفة مشهورة من كتاب صحيح الجامع الصغير.

إخوة الإيمان: هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ليست غريبة عن أسماعنا، فقد سمعناها وقرأناها مرات كثيرة، فكم نحن في حاجة إلى أن نفقه معناها على هذا الوجه الذي ذكرناه، نعم: فتصحيح العقيدة، وتقوية الإيمان: شرط لكمال الأخلاق واستقامة السلوك.

إن من الناس من يلتزم ببعض الأخلاق أو بكثير منها: لأنه تربى ونشأ عليها. أو لأنه مجبول عليها في فطرته وجبلته. أو لأنه يرى في التزامه بتلك الأخلاق مصلحة لنفسه ولمجتمعه. فيرى السلوك الحسن من المنافع الاجتماعية المتبادلة. وكل هذا جيد ومطلوب يستحق الشكر والتقدير، لكنَّ الأتمَّ والأكمل، والأصلح والأحسن، والأبقى والأرسخ: هي الأخلاق والسلوكيات النابعة من قلب مؤمن يرجو رحمة الله ويخاف عذابه، فهو في صدقه ووفائه، وجوده وكرمه، وبذله وعطائه، وعطفه ورحمته، وعدله وإنصافه: لا يتقيد بمصلحة آنية، ولا يحركه غرض عاجل، ولا ينتظر تشجيعًا ولا سمعة حسنة ولا مدحًا ولا ثناء من الناس، بل يبتغي وجه الله تعالى والدار الآخرة، ويراقبه في سره وإعلانه، وفي ظاهره وباطنه، فقلبه مليء بالإيمان بالله وبأسمائه وصفاته، مستحضر لعلمه سبحانه واطلاعه، خاشع لعظمته وجلاله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد