التحذير من سب الله والرسول والدين

اعلموا أنَّ تعظيم الله عز وجل من أجلِّ العبادات القلبية، وأهم أعمال القلوب التي يتعين ترسيخها وتسلية النفس بها، وهو ثمرة صدق الإيمان والعلم بأسماء الله تعالى وصفاته، لهذا ذمَّ الله تعالى المشركين بأنهم لم يقدروا الله حق قدره وذكر ما يستوجب ذلك: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)} [الزمر]، فهذا هو عظمة الله وجلاله الموجب لتعظيمه وإجلاله والخوف منه {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)} [يس]. المؤمن الحق هو من عظَّم الله عز وجل وعظَّم رسوله وعظَّم دين الإسلام، فهكذا يكون المؤمن حقًا {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢)} [الحج].
هذا التعظيم والإجلال إخوة الإيمان: هو من ضروريات الإيمان بالله، يدركه كل مسلم عاقل وإن كان أمّيًّا جاهلًا، ولكن للأسف الشديد ينتهك بعض المسلمين هذا التعظيم، ويدنس هذه الحرمة ويقول كلمة الكفر والعياذ بالله، فينطلق لسانه بها دون هوادة، فيسبُّ الذات الإلهية، يسب الله خالق الإنسان والأكوان، ويسبُّ خير البشرية محمدًا عليه أفضل الصلاة والسلام، ويسبُّ القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويسبُّ هذا الدين العظيم الذي أنقذ البشرية من الكفر إلى الإيمان، ومن الضَّلالة إلى الهدى، إنّها والله لجريمة كبرى وعادة قبيحة ورذيلة منكرة منتشرة في بعض بلاد الإسلام، وظاهرةٌ عند بعض مَن جاء من تلك البلاد إلى هذه البلاد، تعلموا من البيئة الفاسدة التي عاشوا فيها تعلموا منها ذلك وأخذوا عنها، ولم يجدوا مُنكِرا ولا مُوجِّهًا ولا مُربِّيًا ولا مُعلِّمًا، ولا حول ولا قوة الا بالله.
عباد الله: نقول لمن خرجت من فمه الكلمات القبيحة في حق الله عز وجل، أو في جلال النبي صلى الله عليه وسلم، وتفوَّه بالكفر الصُّراح {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣)} [نوح]، {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة].
وتأمل يا عبد الله: كيف أعلن الله تعالى حربًا على من ينسب الولد إليه في كتابه فقال سبحانه: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١)} [مريم]، ولا شكَّ أنّ سبّ الله المباشر الذي يخرق صماخ آذان الموحّدين على لسان بعض المنتسبين للإسلام أسوأ من نسبة الولد إليه سبحانه {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.
أيها المسلمون: إنَّ الذين يسبُّون الذَّات الإلهية، ويستهزئون بالرسول صلى الله عليه، قد حَكَمَ الله عليهم باللعن والطرد من رحمته الواسعة، قال ربنا عزَّ من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)} [الأحزاب]. ففرّق الله عز وجل في هاتين الآيتين الكريمتين، فرَّق سبحانه بين أذى الله ورسوله وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتانًا مبينًا، أمّا من يؤذي الله ورسوله فقد جعل عليه اللعنة في الدنيا والآخرة وأعدَّ له العذاب المهين.
عباد الله: إنَّ علماء التوحيد والسنة من المذاهب الأربعة، من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم، قد نصّوا على كفر السابّ للدين أو للنبي الكريم أو لرب العالمين، بل وحكوا على ذلك إجماعات أهل العلم وأنَّ من فعل ذلك يُعتبر مرتدًّا يخرج من رِبقة الإسلام. قال الإمام إسحاق بن راهويه وهو من أئمة الفقه والحديث: (أجمع المسلمون على أنَّ مَن سبَّ الله ورسوله، أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيًا من أنبياء الله عز وجل، أنَّه كافر بذلك وإن كان مُقرّا بكلّ ما أنزل الله) «التمهيد» 4/226. وقال القاضي عياض المالكي رحمه الله: (لا خلاف أنَّ سابَّ الله تعالى من المسلمين كافر) أي: لا خلاف في كونه يصبح كافرًا. «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» 2/270. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (إنَّ مَن سبَّ الله تعالى أو سبَّ رسوله كفر كفرًا ظاهرًا وباطنًا ـ أي: أنَّه كفرٌ بالعمل وكفرٌ بالاعتقاد والقلب ـ سواء كان السابّ يعتقد أنَّ ذلك محرم، أو كان مستحلًا له، او كان داخلا عن اعتقاده) «الصارم المسلول» 512. وقال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمة الله عليه: (لو أنَّ إنسانًا يسبّ الله ورسوله، أو يسبّ دين الله، أو يستهزئ بدين الله أو بالجنة أو بالنار، فإنّه لا ينفعه كونه يصلي ويصوم إذا وُجد منه الناقض من نواقض الإسلام، بُطلت الأعمال حتى يتوب إلى الله من ذلك، هذه قاعدة مهمة، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨)} [الأنعام]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦)} [الزمر]) «فتاوى نور على الدرب» 1/249.
عباد الله: قد أخبر ربنا سبحانه عن قوم استهزأوا بدين الله وحملته، ثم اعتذروا فلم يقبل الله تعالى عذرهم، فقال عز من قائل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦)} [التوبة].
فاحفظ أيها المسلم دينك: ألّا يذهب عليك بكلمات يستزلك بها الشيطان، فإنَّ سب الله والرسول والدين ليس معصية مجرَّدة، ليس مثل الزنا وشرب الخمر والقتل، بل هو أعظم من ذلك، إنَّه الكفر البواح، والخروج من دائرة الاسلام وإن كنت من أهل الصلاة والصيام والحج، فمن سبَّ الله ورسوله فالواجب عليه أن يجدّد إسلامه، وينطق بالشهادتين تائبًا نادمًا، ويذهب يغتسل غسل الدخول في الإسلام، لأنّه بسبّه لله ولرسوله أو لدينه صار كافرًا، صلاته باطلة، وزوجته لا تحلّ له حتى يتوب، وتجري عليه أحكام الكفار ما زال لم يتب، فإذا لم يتب ومات على مثل المقولات الشنيعة لا يُغسّل ولا يُكفّن ولا يُصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يجوز لمسلمٍ أن يترحم عليه أو يدعو له، لأنّه مات كافرًا لوقوعه في هذا الإثم الذي هو أعظم الآثام، فوا عجبًا لهذا الإنسان ما العمل الذي يبقى له عند ربه، الذي هو مفتقر إليه وفي حاجة لرحمته بعد سبّه له أو لدين الإسلام أو لرسوله صلى الله وسلم، بل إنَّ هذه الثلاث هي أول ما يُسأل عنها العبد في قبره فماذا بقي له من هذه الدنيا؟ فيا لله ما هذه الحال التي بلغها فئام من المسلمين، حتى إنّهم لم يسلم منهم أحدٌ حتى ربهم الذي يعبدون، ودينه الذي يعتقدون، ونبيه الذي يعظمون.
فانظروا إلى تلك البلاد التي يكثر فيها مثل هذه الظاهرة السيئة من سبّ الله ورسوله جهارًا نهارًا تجدون أنَّ الله تعالى عاقبهم بالمصائب والفتن والمحن والقتل وضياع الأمن، ثم يتساءلون لماذا تنزل علينا المصائب تترى؟ لماذا يسلط الله علينا أعداء الإسلام؟ إنَّ ذلك بما كسبت أيدي الناس يقول الله عزّ من قائل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)} [الشورى]، ويقول سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١)} [الروم] أي: لعلهم يتوبون ولعلهم يرتدعون، ولو أنَّ الله رب العالمين يحاسب الناس في الدنيا، ويؤاخذهم على أعمالهم ما ترك على ظهرها من دابة، يقول الله عز وجل: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}.
فالواجب علينا جميعا أن نتّقي الله عز وجل، ونجلّه، ونعظّم دينه ونبيه، ونعمل بسنته صلى الله عليه وسلم ولا بدَّ من النصيحة لمن زلَّ لسانه بأمر يخالف الشرع، ولابدّ من التحذير من هذه المصيبة، فإنَّ أعظم مصيبة هي مصيبة الدين، لأنَّ من استهزأ بهذا الدين، ولقي الله بغير توبة يُخشَى عليه والعياذ بالله من عذاب الجبار.
نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا الذي هو رأس مالنا وسبب نجاتنا وفلاحنا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه.
- لا يوجد تعليقات بعد