موقع الشيخ عبد الحق التركماني - لماذا أنت مسلم

/ 18 أبريل 2024

للتواصل 00447432020200

لماذا أنت مسلم

نشرت بواسطة : إدارة الموقع تاريخ غير محدد 846

عباد الله: كلما رأينا شخصًا قد هداه الله إلى الدين الحق، نتساءل: لماذا أسلم؟ حتى أصبح هذا السؤال من الأسئلة المألوفة، وصار المسلمون الجدد أنفسهم يقولون: لماذا أسلمنا؟ ثم يشرحون قصة إسلامهم، وكتبت في ذلك مقالات، وألفت كتب. ولا شك أن من غيَّر دينًا نشأ وتربَّى عليه، واختار دينًا غريبًا عنه وعن مجتمعه يستحق أن يسأل: لماذا أسلم؟ فإنَّ في قصص المهتدين كثيرًا من العبر والعظات والمعاني الجليلة.

لكن دعونا اليوم ـ إخوتي في الله ـ نطرح سؤالاً آخر يندر أن يطرح: لماذا نحن مسلمون؟ لماذا أنا مسلم؟ ولماذا أنت مسلم؟ وهذا السؤال يستحق منا الاهتمامَ والبحثَ عن الجواب الصحيح له أكثر من السؤال السابق، فمن ولد ونشأ وعاش مسلمًا ينبغي عليه أن يعرف لماذا هو مسلم، وينبغي أن يكون جوابه سهلاً يسيرًا حاضرًا.

نعم: أخا الإسلام: إذا سُئلت: لماذا أنت مسلم؟ فبماذا تجيب؟ هل تقول: أنا مسلم لأن والديَّ مسلمان؟ أم تقول: أنا مسلم لأنني من هذه القبيلة المسلمة أو من أولئك القوم المسلمين؟ أم تقول: أنا مسلم لأنني من البلد الفلاني أو الدولة الفلانية التي تتصف بالإسلام؟

عباد الله: لا شكَّ أن من أعظم نعم الله علينا أن جعل والدِينا من المسلمين، فنشأنا في بيت إسلام، وبلغنا الدين الحق من غير جهدٍ ولا سعي، كما ينال الطفل لبن أمه من غير كدٍّ وتعبٍ، فالحمد لله على نعمه وفضله: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}. ومع هذا فإن الجواب بأنِّي مسلم لأنَّ والديَّ مسلمان: جواب لا يصلح، لأن الدين ليس من الخصائص الوراثية التي تنتقل من الآباء إلى الأولاد، فكم من ولدٍ أسلم ووالداه كافران، وكم من ولدٍ كفر وجحد ووالدان مسلمان صالحان.

وكذلك النشأة في بلد مسلم، وبين قوم مسلمين: من نعم الله وفضله وإحسانه، لكن الجواب بأنني مسلم لأنني من هذه القبيلة أو ذلك القوم، أو لأني من البلد الفلاني: لا يصلح أيضًا ولا يصحُّ، فلا يوجد قومية من القوميات، ولا قبيلة من القبائل، ولا بلد من البلدان: إلا وفيها المسلم والكافر، والصالح والطالح، والسعيد والشقي.

عباد الله: قبل أن نجيب على هذا السؤال يجب أن نعلم ونستذكر أن الإسلام هو دين الله تعالى إلى الناس أجمعين، عربهم وعجمهم، وأحمرهم وأسودهم فمن آمن واستقام فهو من أهل الفوز والنجاة من أي قوم كان أو جنس أو لون، ومن كفر فهو من أهل الخسران وإن كان من ذرية خير الأنام عليه الصلاة والسلام. {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الممتحنة 3). {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}. فهذا الدين دين عالمي لا يتحدد بنطاق أسرة ولا مجتمع ولا قومية ولا دولة: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف: 158). وقد أعلنها رسول الله في أول يوم أمر فيه بإنذار عشيرته قائلاً: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا). فكل نفس بما كسبت رهينة، والميزان هو التقوى كما قال ربنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وأعلنه رسول الله في أعظم اجتماع شهده التاريخ لنبي مع أتباعه في حجة الوداع فقال: (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِىٍّ عَلَى أَعْجَمِىٍّ وَلاَ لِعَجَمِىٍّ عَلَى عَرَبِىٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى).

إخوة الإيمان: يجب أن نعلم ونستذكر أيضًا أن الإنسان لا يستطيع أن يغير اللغة التي نشأ عليها، ولا يستطيع أن يغير القومية التي ينتسب إليها، ولا يستطيع أن يغير نسبه ولا أصله، ولا يستطيع أن يغير لون جلده الذي خلقه الله عليه... كل ذلك من القدر الكوني الذي ليس للإنسان فيه اختيار ولا إرادة، لكنه يستطيع أن يغيِّر عقيدته ودينه، وإن كان نشأ عليه منذ الصِّغر، لأن ما في القلب من إيمان ومعتقد فللإنسان فيه اختيار وإرادة، وإن كان كل شيء في الوجود خاضع لإرادة الله ومشيئته: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ}، {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. لهذا كانت الأعمال بخواتيمها، كما قال رسول الله (وإنما الأعمال بخواتيمها) خ، فقد يكون الإنسان طول عمره مسلمًا لكنه ينتكس في أيامه الأخيرة فيموت كافرًا، لهذا كان رسول الله يكثر سؤال ربه أن ثبت قلبه على دينه. فليس من الشرع ولا العقل أن يظن الإنسان أن من ولد مسلمًا يبقى مسلمًا ويموت مسلمًا، ولا يمكن أن يرتدَّ عن دينه، فالخروج عن دين الإسلام مشاهد وواقعٌ في القديم والحديث، وقد خاطب الله أصحاب رسول الله وهم خير الناس بعد الأنبياء والرسل فقال لهم: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، فهذا الحكم جارٍ على كل من يرتد عن دينه ما بقيت على هذه الأرض حياة، أسأل الله تعالى أن يثبتني وإياكم على دينه، ويحسن خاتمتنا.

عباد الله: لا يجوز لنا ولا يليق بنا أن نأخذ نعمة الله علينا بالإسلام: كأنه تراث قديم، أو ثقافة وتقاليد، أو انتماء إلى قوم أو أمة أو بلدٍ، بل لا بدَّ أن يكون جوابنا واضحًا جليًّا لا لبس فيه: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً ونبيًّا، عن علم لا عن جهل، وعن إرادة وقصد لا عن تقليد وتشبه، وعن إيمان ويقين لا عن شك وتردد، وعن رضًى واختيارٍ وانشراح صدر لا بإكراه ونفور. فهذا هو الإسلام الذي ينفع صاحبه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}.

ثم اعلموا عباد الله: أنه ليس الغرض من هذا أن إيمان من نشأ مسلمًا لا ينفعه حتى يجدِّد إيمانه بالاستدلال والنظر، فرحمة الله أوسع من هذا، ومذهب السلف وأئمة أهل السنة والجماعة: أن المسلم الذي اعتقد جميع ما فرض الله تعالى من الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر وغير ذلك مما ثبت في دين الإسلام اعتقادًا صحيحًا، جزمًا بلا شك وارتياب  فهو مؤمن وإيمانه صحيح في الدنيا والآخرة، وإن لم يعرف الأدلة العقلية على صحة ما اعتقده، يكفي أن يعرف ما جاء به النبي ويؤمن به صادقًا مخلصًا يريد به وجه الله تعالى والنجاة في الآخرة، أما من ورث الإسلام وراثة، ولم يدخل الإيمانُ قلبَه، ولا عرف الإخلاص والصدق مع الله، فمثله مثل المنافق الذي أخبر عنه النبي فقال: (لقد أوحي إليَّ أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة المسيح الدجال: يؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا. هو محمد ثلاثا. فيقال له: نم صالحًا، قد علمنا إن كنت لموقنًا به. وأما المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته) خ م.

شاركنا بتعليق

  • لا يوجد تعليقات بعد